-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ماذا بعد حُكم محكمة لاهاي الأخير؟

ماذا بعد حُكم محكمة لاهاي الأخير؟

كلُّ من يقرأ ما انتهت إليه محكمة العدل الدولية بشأن الدّعوى التي رفعتها دولة جنوب إفريقيا يقتنع أنّ المحكمة انتصرت للقانون الدولي بنسبة محترمة. والسؤال الذي يفرض نفسه اليوم: هل ستنتصر المجموعة الدولية لقانونها، أم أنّها ستؤكد مرّة أخرى أنّ قانون الأقوى هو المرجع النّهائي في العلاقات الدولية؟
وبقراءة عاجلة لردود الفعل على الحُكم، يتّضح أنّ العدالة هي آخر ما يهُمّ الدول، ذلك أنّ مصالحها مقدَّمة على العدل عمليا في الممارسات الدولية منذ القِدم وإلى اليوم.
إنّ الدولة الدّاعمة الأولى للكيان الصهيوني قد كشفت مرّة أخرى عن وجهها القبيح في التّمكين للإبادة واستمرار العدوان نُصرةً لريبتها في ممارسة الإجرام والهمجية، وما زالت، من دون حياء، تُردِّد مقولتها الممجوجة أنّه من حق الصهاينة حماية أنفسهم في عدم تكرار ما حدث في 7 أكتوبر 2023، وهي تعلم يقينا أنّ ذلك لم يأتِ من فراغ.
وإذا كان ردّ الفعل الصّادر من الصّهاينة ومَن حالفهم وموَّلَهم وسلَّحَهم وحماهم ليس غريبا ولا مفاجئا، فإنّ ردود فعل بقية الدول ما زال يحتاج إلى أفعال لا أقوال وبيانات، ومن ذلك مثلا:
1 / ماذا ستفعل الدول المُرحِّبة بحكم محكمة العدل الدّولية فيما يتعلق باستمرار العدوان الهمجي الصهيوني على غزّة وإبادة ساكنيها؟ وفيما يتعلق بكسر الحصار وفكِّه والتّجنُّد دوليا لإغاثة سكان غزّة بالغذاء والدّواء من القصف والتقتيل؟ وفيما يتعلق بإعادة النّظر مع الكيان المُعتدي والضاربِ بالحكم عرض الحائط؟ وهل سيستمر في مهادنته رغم عِصيانه المتكرر والمستمر للإرادة الدولية وكل قوانينها وقرارات أعلى مؤسّساتها؟
هل سيتم فرض القانون على الجميع، أم أنّنا سنعيش وصلا آخر من الظُّلم في الهروب من العقاب؟ وبعبارة أخرى، هل سيؤسِّس المجتمع الدولي لحقبة جديدة من سياسة اللاعقاب وسيطرة التّمرد للأقوى على القانون، ومن ثمَّ التّمكين للاستبداد والطّغيان ونكران الحقوق على مستوى العلاقات الدولية؟
2 / ما هو الموقف العملي لأعضاء جامعة الدول العربية ومنظّمة التعاون الإسلامي من حكم المحكمة الدولية؟ وأنا هنا أستثني الدول العربية والإسلامية التي طبَّعتْ مع المعتدي، بل وباع بعضُهم ذمّته له، لأنّه لا خير في من باع شَرفهُ وكرامته ولا يُرجى منه خير. أنا هنا أعني الدول العربية التي ما زالت تعتبر القضية الفلسطينية قضيّتها الأولى كما تكرر بمناسبة وبغير مناسبة. هل ستنظِّم على الأقل حملة دولية جامعة لفك الحصار على غزّة تطبيقا لحكم المحكمة، أم أنّها تعود لمعيار الموازَنَة بين المصالح والأضرار لتختبئ خلفه مرّة أخرى في تأكيد عجزها وقلّة حيلتها؟
3 / أخيرا، إذا لم يجد حُكم المحكمة طريقه إلى التطبيق ومواصلة متابعة الصهاينة بالإدانة بالإبادة ثم تسليط أقصى العقوبات عليها عسكريا واقتصاديا ودبلوماسيا من المجتمع الدّولي، إذا لم يتم ذلك فإنّه لا يجوز غدا لأيّ دولة أن تحتجّ بالشرعية الدولية على أيّ تصرف من أيِّ دولة.
إنّ العدو الصّهيوني يجرّ البشرية برُمّتها إلى الفوضى واللاقانون، وهذا المصير لا يمكن أن يقبله أحدٌ طال الزمن أم قَصُر.
إنّ العيش المشترك للبشرية يجب أن يقوم على قاعدة ودعامة أصيلة مفادها أنّ التّعددية الحضارية هي إحدى ثوابت المنظومة القانونية القادمة، وأنّ الحق يحميه العدل ويضمنه، ولا يرتكز على القوة والغَلَبة، وأنّ حق الحياة والسّيادة أصيلٌ ومضمون للجميع. وما لم يتأسّس القانون الدّولي على مثل هذه المبادئ فإنّ البشرية لا يمكن أن تنعم بالسلام والعيش الكريم.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!