الرأي

… ماذا بعد عودة الرئيس؟

بعودة رئيس الجمهورية إلى أرض الوطن سالمًا معافى، ليستأنف على وجه السرعة نشاطه الرئاسي، سقطت الأقاويل الآثمة وذهبت حسابات الأطراف المتربِّصة أدراج الرياح واستبشر الجزائريون خيرا بقدومه، لكن السؤال الآن: ماذا بعد عودة الرئيس؟

الكثير من المؤشرات توحي بالتوجُّه نحو تعديل حكومي اضطراري للتخلّص من الوزراء الفاشلين، بعدما أقرّ الرئيس تبون نفسه بإخفاق بعض القطاعات في مواكبة البرنامج الإصلاحي وتلبية تطلعات المواطنين، فضلا عن ترقّب قرار بحلّ المجالس المنتخَبة برلمانيا ومحليّا (أو انتخابات مبكرة)، باعتبارها مؤسَّسات غير تمثيلية شعبيّا، أفرزتها سياسة التزوير المُمنهج خلال العهد البائد، وربما أيضا صدور إقالات أخرى تطال مسؤولين كبارًا في مستويات مختلفة لتفعيل الأداء العمومي، بينما تبقى أي قرارات اقتصادية ذات طابع شعبي مستبعدة في سياق الظرف المالي للبلاد، ما يجعل التكتيكات والمخارج السياسية هي البدائل المتاحة للتكيُّف مع وضع المراوحة الذي فرضته جائحة كورونا.

بيد أنّ تلك الإجراءات على أهميتها، تظلّ بحاجة إلى مناخ سياسي محفّز، يوفر لها عوامل النجاح في تحقيق المُبتغى، لأن الهدف في النهاية هو البحث عن القواسم المشترَكة مع الطبقة السياسية وقوى الحَراك من أجل تجسيد خارطة طريق الإصلاح والتغيير الشعبي المنشود منذ 22 فبراير 2019.

إنّ الأمر يقتضي ضرورة التشاور والسعي قدر المستطاع إلى إنجاز التوافق الوطني بشأن المطلوب عمليّا، وذلك ما ظهر رئيس الجمهورية حريصًا شخصيّا على تكريسه منذ اعتلائه سدة الحكم، إذ أرسى تقاليد الانفتاح والإصغاء إلى تطلعات الأحزاب والشخصيات العامّة، وهو ما لقي القبول الحسن لدى الجميع، وينبغي اليوم البناء عليه في استكمال تنفيذ المهمة الإصلاحيّة.

لعلّ الأنسب الآن هو التفكير في طبيعة الحكومة المنتظرة، فهي ستكون حتما بتكليف مؤقت من الناحية السياسية إلى غاية ظهور نتائج الانتخابات البرلمانية المرتقبة، أي أنها سترافق مجريات الاستحقاق، حتّى لو سلّمنا بأن الأمر دستوريّا هو من اختصاص “السلطة المستقلة”.

وإذا كانت تسمية الحكومة الجديدة مرتبطة “عضويّا” ومرحليًّا بإنجاز الانتخابات، فقد صار من الأوْلى التشاور حول تشكيلها، وكذلك ضبط محاور عملها المستعجل، مع أنّ المسألة من سلطات رئيس الجمهورية، بصفته حائزا الشرعية الشعبيّة، لكنّ البحث عن التقارب السياسي يوجِب التنازل من الجهة الأقوى لتوفير مقوِّمات الاطمئنان.

أمّا الأهم، فسيبقى بدون شك تهيئة الظروف القانونية والسياسية لمُباشرة الانتخابات القادمة، لأنّ حلّ البرلمان والمجالس البلدية ليس هدفا في حدِّ ذاته إذا لم نصل من خلاله إلى مؤسَّسات تمثيلية جديدة، تعيد الاعتبار للفعل الانتخابي بتعبئة الناخبين وثنيهم عن العزوف “الاضطراري”، لنردم الهوة الشعبيّة بين الحاكم والمحكوم، وهو ما يمثل أكبر ضمانة فعليّة لتماسك الجبهة الاجتماعية في سياق وطني وإقليمي ضاغط.

 لذا، فإنّ الأولوية تتوجه نحو تطهير القانون من كافة الشبهات والمنافذ المحتملة للتزوير، والتجاوب مع مقترحات الأغلبية بشأن مراجعة مسودة المشروع التمهيدي للجنة أحمد لعرابة، بما يحقق المشاركة الواسعة للجميع، لأنّ تخلّي المواطن عن ممارسة سلطة تقرير مصيره، عبر صندوق الاقتراع الشفاف، سيجعله لقمة سائغة ضمن أجندات “الفوضى الخلاقة” بعناوين الديمقراطية المفترى عليها.

إنّه لا قيمة لأي موعد انتخابي إذا لم يشكل رهانا للتغيير لدى الهيئة الناخبة، بل سيكون مجرد فرصة ضائعة لهدر المال العام وتعميق حالة اليأس والإحباط النفسي لدى أفراد المجتمع، ما يزرع الألغام الموقوتة في طريقنا نحو المستقبل.

إنَّ المواطن لن يقتنع بجدوى العملية السياسيّة حتى يلمس شفافية القانون المؤطر لها، ويقف على الاستقلالية الكاملة لسلطة الانتخابات، ثمّ يجد فرصته الفعليّة في المفاضلة بين مرشحين أكفاء من ذوي الرؤى والبرامج والسمعة الأخلاقية والنزاهة العامّة، من الذين يحملون أشواقه الجامحة نحو التغيير، وهو ما يحتّم تهيئة أجواء الانتخابات على كافة المستويات التشريعية والسياسية والإعلامية، قبل تقرير موعدها، لأنّ العبرة ستكون بمخرجاتها لا مدخلاتها.

 ما أكثر الاستحقاقات التي عاشتها الجزائر منذ مطلع التعددية دون طائل سياسي، سوى مزيدٍ من العزوف الشعبي وتمكين الانتهازيين من النيابة عن الشعب دون تفويض انتخابي، ما جعلهم يتواطؤون مع الفساد ضد الصالح العام، أما اليوم، فإن الوضع لا يحتمل تكرار الأخطاء ولا هدر الوقت في مواجهة تحديات تتجاوز الرهان الوطني إلى إكراهات السياق الإقليمي والدولي بكل مخاطره المصيريّة.

مقالات ذات صلة