-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ماذا بعد 12 ديسمبر..؟

ماذا بعد 12 ديسمبر..؟
ح.م

نحمد الله أن الجزائر عبرْت المنعرج الخطير بسلام، وفي أسوأ الأحوال بأخف الأضرار، فقد شكل موعد الاستحقاق الرئاسي المؤجل مرتين كابوسا مرهقا للعقلاء، وارتسمت خلاله سيناريوهاتٌ كثيرة في أذهان الجزائريين، بين حلم الانتقال إلى عهد جديد أو الانتكاسة إلى مربع الفوضى، لكنّ هبّة الوعي الشعبي أنجت بلاد الشهداء من السقوط في وحل الفراغ المُفزع.

 وإذا ظلّت هناك مسافة فاصلة عن بلوغ التغيير المأمول، فهو مرحلة نهائية، لا ترتبط بالأشخاص والمناصب، بقدر ما هي محصّلة تراكمية لعملية ثقافية وتربوية وسياسية وقانونية متكاملة، فإنّ العقلانية التفاؤليّة تقتضي من الجزائريين في كافة المستويات أن يصنعوا من المحطة الرئاسية فرصة سانحة، لتجاوز الماضي بكل أخطائه وأحقاده وترسباته، ويضعوا معًا حجر الأساس لبناء جزائر جديدة، قوامها الأصالة والعدالة والمواطنة والحرية.

وبغضِّ النظر عن النقائص والتحفظات التي رافقت المسار الانتخابي، فإنّ الشعب قد عبّر عن رأيه، في حدود مقبولة من السيادة، وحسم خياره بطي الصفحة والتطلع نحو المستقبل، وهي الحقيقة الواقعية التي يجب اليوم على كل الفرقاء التسليم بها، والانطلاق منها، لترميم الثغرات وإصلاح العيوب واستدراك ما فات.

إنّ إنكار شرعية الرئيس الجديد من المكابرة السياسيّة والتنكر لقواعد اللعبة الديمقراطية التي تحتكم إلى صناديق الانتخاب، غير أنّ هذا المعطى لا يمنح لأحد صكّا على بياض، لأنّ الاحتقان السياسي واقعٌ على الأرض، والانقسام حول المسار بمقدماته ونتائجه ظاهرٌ للعيان، وكل محاولة لتجاهله ستؤدي إلى تعميق الشرخ وتعطيل كل مساعي الإصلاح المعبَّر عنه.

المطلوب اليوم من الجزائريين هو إدراك قيمة الواقعية في التعاطي السياسي، ربحا للجهود الضائعة والأوقات المهدورة، وعدم المغامرة بالقفز فوق حبال المجهول، مجاراة للأحلام السرياليّة أو إمعانًا في ممارسة سلطة متعسفة، بل وجب وضع الأرجل فوق الأرض، لأنّ التعنت الشعبي يقودنا إلى الارتطام بالجدار، كما أنّ الإعراض عن تطلعات المواطنين تهوُّرٌ وتهديد صريح للاستقرار الوطني.

لا مفرّ إذن من التعامل الذكيّ مع إفرازات الانتخاب الرئاسي، بفتح الباب أمام حوار وطني جادّ لاحتواء مطالب الحَراك المجمع عليها، وتلبية انشغالات الشارع المستعجلة سياسيّا، من دون شروط مسبقة تمسّ بشرعية الرئيس المنتخَب وتضرب مصداقية الإرادة الشعبية في تزكية برنامجه، كما لا يحق للأخير وضع عقبات تحول دون جمع الشمل، في إطار توافق وطني حول ملامح وملفات المرحلة المقبلة.

من رأى أن البقاء مؤقتا في الشارع، هو المسلك الضامن لانتزاع الحقوق المؤجَّلة، وهو القوة الضاغطة لإحداث التوازن مع سلطة القرار الجديدة، فله ذلك ولا إنكار على تقديره، لكنّ رفض مبدأ الحوار جملة وتفصيلا، والحكم المسبق على النيات قبل الأفعال، قد يعكس إرادة مبيّتة في التعطيل المبرمج، وكبح المرور نحو عهد جديد مختلف، وهو ما يثير التساؤلات حول المستفيدين والمتضررين من الانتقال المُبشَّر به حتّى الآن؟

غير أنّ تقديرنا ينزع إلى ضرورة تبنّي الحوار بين الجزائريين في كنف الشفافية والصدق والإخلاص من دون جحود من المعارضين ولا خداع من الحاكمين، لأنّ قدرنا مشترك ومصيرنا واحد، ومصلحة الجزائر العليا لا تقبل القسمة على اثنين، ولا تحتمل المناورات السلطويّة والفئوية والجهوية والأيديولوجية والماديّة والحزبية الخاصّة.

لا مناص من الجلوس إلى طاولة واحدة، من أجل الاستماع إلى كل الأطياف الوطنية، لأنّ رصّ الصفوف الجزائرية هو الضمانة الوحيدة لمجابهة كل التحديات الداخلية والخارجية، وفي كل المجالات.

على الجزائريين، سلطةً ونخبًا وحراكًا، أن يُلينوا الجانب لإخوانهم من أجل الوطن، فلا سلطة تخلد ولا جاهًا يدوم ولا حكمًا يبقى، بل الخلود سيُنقش في ذاكرة الأجيال لأبطال التاريخ المجيد وحدهم، فطوبى لصانعيه من المخلصين الأمجاد.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • yassine

    أحسنت المقال وأفرغت جعبتك بما تفيض في كأس ينظر اليه الكثير ولا يعرفونه بما ينضح الحمد لله أن للجزائر رجال ونخب وحراس يخافون عليها دمت شامخة يا جزائر بهؤلاء ودمتم خداما لوطنكم

  • HOCINE HECHAICHI

    بعد 12 ديسمبر 13 ديسمبر . لاغير