-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ماذا عن الاعتذار والتعويض؟

ماذا عن الاعتذار والتعويض؟

مع الإعلان عن اللّجنة المشتركة للمؤرخين الجزائريين والفرنسيين المكلّفة بمعالجة موضوع الذّاكرة بين البلدين، تطفو على السّطح عدة تساؤلات جوهرية تتعلّق بعمل هذه اللّجنة المختلطة وصلاحياتها، ومدى جدية الطّرف الفرنسي في الاعتراف بالجرائم ضد الإنسانية المرتكَبة على مدار 132 سنة؟
لا شك أنّ موضوع الذّاكرة قد أخذ حقه من الاهتمام السياسي في الجزائر خلال السنوات الأخيرة، وأصبح على قائمة الأولويات الوطنية، والدّليل هذه الحركية التي نشهدها والتي تُوِّجت بتشكيل لجنة مختلطة تضم مؤرخين جزائريين لهم مسارات أكاديمية محترمة فضلا عن حضورهم الإعلامي الدّائم بصفتهم مهتمِّين بموضوع الماضي الاستعماري في الجزائر.
لكن؛ إلى أي مدى تستطيع فرنسا الرّسمية الوصول في موضوع الذّاكرة؟ وهل سيتوقف الأمر عند موضوعات الأرشيف ورفات المقاومين ومعالجة مخلّفات التجارب النووية وقضايا المفقودين، ومسألة احترام ذاكرة البلدين، أم أنّ فرنسا لها ما يكفي من الشّجاعة لتوبة حقيقية عن ماضيها الإجرامي في الجزائر، لتقدّم اعتذارا صريحا عن إبادة أجيال من الجزائريين يناهز عددهم ستة ملايين شهيد، وعن مسح قرى ومداشر ومدن كاملة في مذابح جماعية لم تتوقف طيلة فترة الاستعمار؟
إنّ الاعتذار والتعويض هو الطريقُ الوحيد الذي يمكن أن يفتح الباب أمام المصالحة التاريخية مع هذا البلد الذي دمّر بلدنا ونهب خيراتنا وجوّع أجيالا من الجزائريين وأغرقهم في الجهل والخرافات، واستهدف عناصر هويتهم من لغة ودين وعادات وتقاليد، وكاد يمحو الأمّة الجزائرية من الوجود لتكون مجرد ذكرى كما حدث مع الكثير من المستعمرات التي أبيد فيها السكانُ الأصليون، إما بقتلهم جماعيا أو بمسخ هويتهم وسلخهم عن كيانهم، فلاشت شعوبٌ بأكملها ولم يعد لها وجود.
لا يمكن أن يحترم الجزائريون ذاكرة فرنسا إذا لم تطوِ صفحتها السوداء في الجزائر، فيوجد في كلّ بيتٍ في الجزائر عددٌ من شهداء الغدر والإجرام، والاعتراف الفرنسي بهذه الجرائم ثم الاعتذار والتّعويض للضّحايا ولو بعد حين هو الطريق الوحيد لهذه المصالحة، وليس شرطا أن يكون التّعويض دفعة واحدة إنما هو دينٌ يقع على الأجيال اللاحقة من الفرنسيين، ذلك أن النهب والتخريب والقتل والتنكيل لم يحدث دفعة واحدة وإنما على مراحل وتورَّطت فيه أجيالٌ من الفرنسيين والمعمرين.
أمّا الحديث عن الممتلكات فهو أمرٌ جلل، لأن الأصل أن كل ما وجدته فرنسا في الجزائر هي ممتلكات الشعب الجزائري، وقد استعاد سنة 1962 سيادته على الأرض، لكن الخيرات التي نُهبت على مدار 132 سنة لم يتم استعادة شيء منها؛ فقد أخذت فرنسا المعادن وباقي الثروات وسخّرت أجيالا من الجزائريين للعمل في المصانع والمزارع ليستفيد منها الشعبُ الفرنسي الذي عاش في رخاء ورفاه من خيرات الجزائر وثرواتها.
إنّ الجراح التي سبّبها الاستعمار لم تندمل بعد، ولا زالت مشاهد القتل الجماعي من قبيلة العوفية التي أبيدت عن بكرة أبيها إلى مذبحة الأغواط ومحرقة الفراشيش، ومجازر ماي 1945 وغيرها من المذابح الجماعية… لا زالت تشكل ذاكرتنا الجماعية، وإذا لم يلتزم الطرف الفرنسي بمعالجة حقيقية لقضايا الذاكرة فستكون هذه الجولة من العمل معا في ملف الذاكرة مجرد فرصة ضائعة بالنسبة للفرنسيين.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!