الرأي

ماذا يفعل ليفي في ليبيا؟

الشروق أونلاين

 هاهي التطورات في المشهد الليبي تثبت ما انفردت به “الشروق” قبل 10 أيام، يوم كشفت عن برمجة زيارة سريّة للصهيوني الفرنسي برنارد ليفي إلى مدينة مصراتة في “مهمة دمويّة”، لن تخرج بكل تأكيد عن السعي بكل الطرق لتأجيج الاقتتال الداخلي بين الإخوة الفرقاء، فهي الحرفة الوحيدة التي يتقنها عرّابُ الخراب على مسرح الأحداث العربية والدولية، لكونه مجرّد أداةٍ وظيفية في يد الدوائر الصهيونية العالميّة.

مأموريّة “ليفي” افتضحت أول أمس باعتراض مجموعات مسلحين، موالين لحكومة الوفاق على موكبه خلال دخوله مدينة ترهونة، شمال غرب ليبيا، مثلما بثّه ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي.

ومن الطبيعي أن يثير تسلّل شخصيّة مسمومة مثل ليفي، في توقيت حساس، ردود فعل غاضبة في ليبيا وخارجها، بل ويطرح أكثر من علامات استفهام بشأن الجهات التي تقف وراءه؟ لأنّ “ذراع إسرائيل” لا يمكن أبدا أن يكون ساعيًا للمصالحة أو الوحدة الوطنية ولا حتّى مدافعًا عن حريّة الليبيين.

والساذج وحده من يصدّق فرية “المهمة الصحفيّة” التي يضطلع بها برنارد ليفي، عندما يزعم أنه جاء لتوثيق جرائم وكلاء حفتر، بالتقصّي عن المجازر والمقابر الجماعية في ترهونة، بينما كان الأولى به أن يعتذر عن اصطفاف فرنسا مع اللواء المهزوم عبر التاريخ والجغرافيا، وليس التمويه باقتفاء آثاره الإجراميّة بعدما دحرته قوات “بركان الغضب”، مثلما علّق مجلس التسيير المحلي بالمنطقة.

من المستحيل بمنطق السياسة أن تكون تحركاتُ برنارد ليفي معزولة عن الموقف الفرنسي من الأحداث في ليبيا ولا منفصلة عن الأجندات الإسرائيلية في الإقليم، وهذا وحده مبرّر كافٍ للتنديد بها ومحاصرة صاحبها والضغط على من يرعاه دوليّا، لأنه يمثل عمليّا إحدى أدوات التعفين والحيلولة دون تقارب ليبي يحفظ دماء العباد ويصون سيادة البلاد من المخططات التآمريّة على المنطقة برمتها.

إنّ مُسارعة دوائر إعلامية، مرتبطة بأطراف إقليمية موالية للواء خليفة حفتر، إلى تحميل حكومة السرّاج مسؤولية وجود برنارد ليفي في مناطقها يزيد من الشكوك حول تواطؤ تلك الجهات نفسها، خاصّة أنّ المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق نفى علمه بالزيارة، وقال مكتبه الإعلامي إنه “لا علاقة ولا علم له بالزيارة ولم يتمّ التنسيق معه بشأنها”.

إنّ وجود “ليفي” في الغرب الليبي، حتى لو تمّ بترخيص من جهة وزارية منفردة، يؤكد أن فرنسا لا تزال، برغم التعثر الكبير في إسناد حليفها حفتر، تصرّ على استمرار الفوضى التي صنعتها قبل تسع سنوات بتدخُّل الناتو وإحلال الدمار في ليبيا.

لماذا يظهر “برنارد” الآن مع بروز مؤشرات لاحتواء الوضع الليبي من طرف روسيا وتركيا غير بعيد عن المقاربة الجزائرية، عقب هزيمة محور حفتر، وتصاعد تهديدات السيسي بتسليح القبائل والتلويح بتدخُّل مصر عسكريّا، بعدما سقط مقترحُها بخصوص استحداث “مجلس رئاسي مناطقي” في الماء؟

إن واقعة “ليفي” تؤكد مرة أخرى أن وجهات النظر بين الجزائر وباريس غير متطابقتين ولا حتى متقاربتين واقعيّا في إدارة الأزمة الليبية، لأنّ الأولى تسعى بإخلاص لإنقاذ ليبيا من المأساة، بينما تعمل الثانية جُهدها لتكريس التأزيم، خدمة لأجندتها الخاصّة، دون أن يُعفي ذلك باقي الأطراف الدولية من مسؤولية تعفين الوضع الليبي.

إذا كانت موسكو وأنقرة جادّتين وصادقتين في مساعدة الأشقاء الليبيين على الخروج من المأزق، فعليهما دعم مقاربة الجزائر المبنية على مبادئ الحل السلمي، ورفض الحل العسكري ومنع تدفق الأسلحة واحترام حظرها على ليبيا، مع وقف إطلاق النار، ثمّ الشروع في المفاوضات تمهيدا للمصالحة الوطنية والتوجُّه إلى الانتخابات الشرعيّة.

من دون ذلك، ستبقى جهود روسيا وتركيا المعلنة مجرّد امتدادٍ للتدخلات الإقليمية السابقة التي عبثت بالبلد، بحثًا عن مصالحها الضيّقة، وإن كانت المسؤولية الأساسية تقع أساسًا على عاتق أبناء الوطن ونخبِه المتصارعة، إذ إنّ ثلاثة أرباع الحلّ على الأقلّ مرهونة بصدق هؤلاء في حماية بلدهم والتأسيس لعهدٍ جديد بمنأى عن الإرادات الخارجية، حتى لا تتحوَّل ليبيا إلى حالةٍ صوماليّة أو أفغانية جديدة، سيكون من العسير لاحقا تجاوزُها، بفعل تراكمات الأخطاء التاريخية وترسُّبات الأحقاد ونزعات الثأر والانتقام في بلدٍ عشائري قبَلي، لم تقم أركانُه على مفهوم الدولة الحديثة، بل ظلّ خاضعًا طيلة عقود إلى “سلطة مركزية”، وبسقوطها رجع إلى زمن ما “قبل الدولة”.

مقالات ذات صلة