-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ما بعد القمة العربية.. رهانات مفتوحة

ما بعد القمة العربية.. رهانات مفتوحة

ما أنجزته بلادنا على مستوى تنظيمها للدورة الواحدة والثلاثين للقمة العربية، المنعقدة في عيد الثورة النوفمبرية المباركة، مكسب دبلوماسي جديد ونوعي، يثير فينا جميعا التفاؤل الواسع بالقدرة على التفوّق عندما نصمِّم على النجاح.

لقد راهنت القيادة السياسية، ممثلة في رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، على أن تكون القمة موعدا قوميّا جامعًا، يلتئم فيه شمل العرب حول أمّ القضايا، فلسطين، وباقي الأزمات العربية المفتوحة من ليبيا إلى سوريا مرورًا باليمن ولبنان، وتمكّنت من تكريس الدورة لصالح هموم المواطن العربي.

لم يكن من السهل اقتحام ملف المصالحة الفلسطينية ثم وضع مخرجاتها فوق طاولة اجتماع مجلس الجامعة العربية على أعلى مستوى، لاستكمال الإشراف العربي على تنفيذ “إعلان الجزائر” الموقّع منتصف أكتوبر الماضي بين 14 فصيلا فلسطينيّا، ولا شكّ أن الجزائر دفعت ثمن شجاعتها السياسية في تبنّي القضية المركزية، بانزعاج محور التطبيع الذي تحرجه المرافعة لحقوق الشعب الفلسطيني، بينما هو يعتبر الخيانة “قرارا سياديّا” لكل دولة ولا دخل للآخرين بشأنه.

بعيدا عن فحوى الإعلان النهائي المتوِّج لأشغال القمّة، لأنه يبقى مسألة إعلامية بروتوكولية، وما هو في الواقع من قرارات وتفاهمات وتوجهات قد يكون أهمّ وأعمق، فإنّ ما عبّر عنه الأشقاء، وعلى رأسهم الفلسطينيون والليبيون واللبنانيون واليمنيون، يعكس جهود الجزائر في دعم القضايا العربية وتجسيد روح التضامن القومي.

ودون الدخول في تفاصيل التوصيات التي جاءت مواكِبة للتحولات الدولية الكبرى، بشهادة الخبراء، وفتح النقاش حول إصلاح الجامعة العربية، وهي مبادرة جزائرية منذ 2005، وكذلك الأخذ بتصورات الرئيس تبون في موضوع الانفتاح على المجتمع المدني العربي وباقي المقترحات، فإنّ تحقيق التوافق الكامل دون تسجيل أيِّ تحفُّظ على بند واحد من “إعلان الجزائر”، يؤكد علوّ كعب الدبلوماسية الجزائرية الهادئة وما تمّ بذله في إطار البحث عن تقريب وجهات النظر، طيلة أشهر من التحضير للموعد، رغم كل المحاولات المعاكسة لإجهاض الحدث، أو على الأقل التشويش على نجاحه، لكن الإرادة الجزائرية انتصرت في النهاية.

وسواء وجدت مخرجاتُ قمة الجزائر طريقها نحو التجسيد الفعلي أو ظلت مؤقتا أفكارا متطورة في أدراج الجامعة العربية، فإنَّ التاريخ سيكتب لقيادة بلادنا الجديّة والصدق في الذود عن الأقطار العربية والدفع بقوة نحو تفعيل آليات العمل العربي المشترك، وحرصها التامّ على تحسين منظومة الجامعة لترتقي إلى مستوى رهانات الأمة العربيّة وتحديات العالم الخارجي من حولها، مع ذلك فقد تعهد الرئيس تبون بمتابعة تنفيذ نتائج القمة حتى لا تبقى حبرا على ورق.

ما يهمُّنا أكثر أن نجاح الجزائر في تنظيم أكبر حدث عربي رسمي، باحتضان واحدة من أهم القمم العربية بشهادة الأمين العام، أحمد أبو الغيط، خاصة في سياقاتها القومية والإقليمية، يأتي تكملة لسلسلة من الإنجازات الكبيرة التي صنعتها بلادنا مؤخرا، على الصعيد الاقتصادي والدبلوماسي والرياضي.

الجزائر تقف اليوم بكل ثقة وطموح، بصفتها دولة قيادية في إقليمها المغاربي والإفريقي والعربي، ويعكس تهافت القادة الأوروبيين والغربيين عمومًا عليها حجم الآفاق التي تلوح أمام بلادنا في كافة المجالات، خاصة لما تحمله من إمكانات اقتصادية وطاقوية ترسم معالمها الرؤية الجديدة القائمة على تفعيل الاستثمارات الحقيقية والتأسيس لشراكة صناعية فعلية على قاعدة “رابح-رابح” والتوجه نحو الزراعات الاستراتيجية لتحقيق الأمن الغذائي واعتماد مقاربة الدبلوماسية الاستباقية.

من يتأمل وضع “جزائر ما بعد حراك 19 فبراير 2019” سيتراءى له تغيّر الكثير من أحوالها في الاتجاه الصحيح، ولا يزال المستقبل القريب يعِدُ بمكاسب أخرى استراتيجية، ستعزز من تقدُّمها المتواصل على طريق الإصلاح الجادّ، في فرض السلطة العامة للدولة، وبناء قوتها الاقتصادية والاجتماعية وتموقعها الدبلوماسي ضمن الفواعل الإقليمية، بما يرقى إلى رصيدها التاريخي ومقوماتها الماديّة وتطلّع قيادتها الطموحة وشعبها النابض بالحيوية.

إنّ هذه الإنجازات المتراكمة تؤكد مرة أخرى أن الجزائريين قادرون دومًا على صناعة الاستثناء والإبهار والتفوُّق عندما تتوحد إرادتهم، وقد كان الاصطفاف الوطني قويّا وجليّا في كسب رهان الجامعة العربية، ومطلوب أن نواصل بنفس العزيمة والوحدة في رفع التحديات الوطنية الأخرى في كل الميادين، وفي مقدمتها الارتقاء بقطاعات التعليم العام والعالي والصحة والإنتاج الاقتصادي.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!