-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ما زاحم القرآنُ شيئا إلا باركه

سلطان بركاني
  • 10794
  • 0
ما زاحم القرآنُ شيئا إلا باركه

من أهمّ وأنفع الدّروس التي يجلّيها رمضان كلّ عام، أنّ القرآن الكريم ينبغي أن يكون محورَ حياتنا معشر المسلمين.. حياتنا كلّها ينبغي أن تصطبغ بصبغة القرآن؛ به تتعلّق القلوب وتخفق، وبه تتحرّك الألسن وتنطق، وبهديه تنتظم الأحوال والمعاملات.. القرآن الكريم ينبغي أن يستأثر بأعزّ أوقاتنا وأغلاها؛ فهو أعزّ وأغلى من أن نمنّ عليه بفضول أوقاتنا، وأكرم من أن نمنحه الأوقات التي تفضل عن مجالس اللغو والقيل والقال.

القرآن الكريم، كتاب عزيز، لا يعطِي العبد بركاته وخيراته، حتّى يمنحه العبد من أعزّ أوقاته ويهبه مهجة قلبه، وحتّى يحبّه ويتلذّذ به وينشرح به صدره.. يقول الحقّ سبحانه وتعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ* لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ (فصّلت: 41- 42)، وإذا كان العلم يعطيك بعضه إذا أعطيته كلّك، فكيف بالقرآن الذي هو رأس العلم.. وهذا معروف ومألوف في واقع من انقطعوا لخدمة القرآن؛ حيث يفتح الله لهم من أبواب التدبّر والفهم والأنس ما لا يفتح لغيرهم، وفي المقابل يبتلى من هجر القرآن بالوحشة والقسوة وقلّة الفهم.

القرآن الكريم كتاب مبارك، ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾. وبركته عامّة لأنواع الخير كلّها، يقول ابن تيمية -رحمه الله-: “ما رأيت شيئا يغذّي العقل والروح ويحفظ الجسم ويضمن السعادة أكثر من إدامة النظر في كتاب الله تعالى”، وكان بعض أهل العلم يقول: “اشتغلنا بالقرآن فغمرتنا البركات والخيرات في الدنيا”.. وحلول البركة في حياة العبد المؤمن، بقدر اهتمامه بالقرآن، وكلّما زاد الاهتمام زادت البركة.

إنّ أعظم نعمة يؤتاها العبد في هذه الدّنيا هي القرآن، فمن آتاه الله القرآن حفظا وتلاوة وتدبرا وعملا، وأخلص النية لله في حفظه وتلاوته، تتابعت عليه الفتوح والبركات، وأغدقت عليه الخيرات، ورأى من عطايا الله ما يدهشه ويملأ صدره حبا لله ولكتابه.. يقول أحد الصّالحين: “كلما زاد حزبي من القرآن، زادت البركة في وقتي، وما زلت أزيد حتى بلغ حزبي عشرة أجزاء”، وقال إبراهيم بن عبد الواحد المقدسي موصياً الضياء المقدسي لما أراد الرحلة للعلم: “أكثر من قراءة القرآن ولا تتركه؛ فإنه يتيسر لك الذي تطلبه على قدر ما تقرأ”، قال الضياء: “فرأيت ذلك وجربته كثيراً، فكنت إذا قرأت كثيراً تيسر لي من سماع الحديث وكتابته الكثير، وإذا لم أقرأ لم يتيسر لي”.. ولهذا فعلى خلاف ما يظنّ بعض الطّلبة أنّ الاهتمام بالقرآن قد يأخذ منهم أوقاتا هم في حاجة إليها لدراستهم وامتحاناتهم، فإنّ القرآن يبارك الوقت والجهد وينشّط العقل ويقوّي الحفظ، يقول أحد الدّعاة: “ما زاحم القرآن شيئاً إلا باركه، ولا ضيقا إلا وسّعه، ولا ظلمة إلا أنارها، ولا وِحدة إلا آنَسها”.. فينبغي للأولياء الذين يقطعون أبناءهم عن المدارس القرآنية وحلقات التّحفيظ أن يدركوا خطأهم وسوء تقديرهم، ويشجّعوا أبناءهم على الالتزام بحضور الحلقات في كلّ الأحوال والظّروف، ويغرسوا في أذهانهم وعقولهم الحقيقة المجرّبة: “ما زاحم القرآن شيئا إلا باركه”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!