الرأي

ما زلنا نجيب عن أسئلة خاطئة!

محمد سليم قلالة
  • 1405
  • 11
ح.م

أسئلة الهوية والدين والانتماء في تقديري هي أسئلةٌ خاطئة مطروحة اليوم.. ومن شأن بقائها مطروحة أن يُؤدِّي بنا إلى صوغ خاطئ لمشكلاتنا.. وإذا ما قُمنا بذلك، فإنَّ كافة الحلول لن تجدي نفعا، بل سيَضيع معها وقتٌ ثمين آخر في طريقٍ لا نعرف نهايته.

يبدو لي أنّ علينا اليوم، قَبْلَ أنْ نَبحث عن الحلول لمشكلاتٍ نَعتقد أنها مُصاغة بشكل صحيح، أنْ نَنظُر ما إذا كُنَّا قد طَرحنا الأسئلة الصحيحة بشأنها انطلاقا من الواقع الذي نعيش.

أخطأنا في نهاية الثمانينيات في طرح السؤال الصحيح، عندما اعتقدنا أن الأمر يتعلق بسؤال: كيف نُحقِّق الحرية السياسية والاقتصادية، وكيف نبني الديمقراطية ومن خلالها نَبني الجزائر؟ في حين كان الأجدر بنا أنْ نَطرح السؤال الصحيح: “مَن كان يستعدُّ في الخفاء لحكم وتحطيم الجزائر باسم التعددية الحزبية والديمقراطية”، وهو يعلم أن العالم دخل مرحلة جديدة من التحوُّل بعد 1989 ينبغي ألا تكون لنا فرصة فيها؟

والكلّ يعلم كيف كان الجواب.. وماذا حدث.. وكيف أضعنا بالفعل تلك الفرصة ومَن استفاد من ذلك.

وأخطأنا في بداية القرن الحالي في طرح السؤال الصحيح مرة أخرى عندما اعتقدنا أن الأمر يتعلق بـ”كيف ننعم بالأمن والاستقرار بعد سنوات من الدماء والدموع”؟ في حين كان الأجدر بنا أنْ نَطرح سؤالا يتعلق بـ”مَن كان يختفي خلف هذا التطلُّع المشروع للأمن والاستقرار من أجل نهب خيرات البلاد وإبعادها عن سلوك الطريق الصحيح للنهضة والرقيّ”؟ بعد أن خطا العالم أولى خطواته في القرن الحادي والعشرين.

والكلّ يعلم أيضا كيف كان الجواب.. وما حدث للجزائر بعدها.. ومَن استفاد من ذلك.

ونحن اليوم على مشارف مرحلة جديدة لعالم ما بعد “كوفيد 19”.. هل سنُخطئ مرة ثالثة في طرح السؤال الصحيح؟

يبدو لي أنّ هناك مَن يعمل لأجل لذلك، للدفع بالجزائر نحو طرق جانبية لا مخرج لها كما حدث في الثلاثين سنة الماضية، أي منْعها من طرح السؤال الصحيح الملائم للمرحلة القادمة.. ودفعها دفعا نحو أسئلة خاطئة جديدة ليبقى المستفيدُ ذاته مستفيدا، كما في المرتين السابقتين تحت غطاء الغيرة على الدِّين والهوية والتاريخ هذه المرة.

لذلك، بات من واجبنا أنْ نَعمل لِنُجنِّب بلدنا الوقوع في هذا الخطإ مرة أخرى.

إنَّ السؤال الصحيح في تقديري اليوم لا يتعلق بالحرية، ولا بالديمقراطية، ولا بالمعتقد، ولا بالهوية، ولا بالتعددية، إنما بـ”كيف نبني القاعدة العلمية والاقتصادية الصلبة للدولة الجزائرية في العقد الحالي”؟ أي كيف نقوم ببلورة مشروع وطني متكامل بهذا الشأن، تَتَّحِد حوله كافة القوى الوطنية، ويتم من خلاله تحديد الحلفاء الاستراتيجيين للبلاد على الصعيد الدولي، انطلاقا من نظرة براغماتية تضع نصب عينها، كيف يمكن أن تُصبح الجزائر مختلفة تماما عما هي عليه الآن بعد عشر سنوات على أكثر تقدير علميا وتكنولوجيا واقتصاديا تبعا لذلك؟

وانطلاقا من ذلك، وفقط بعد ذلك وليس قبله، يتمُّ طرح الأسئلة الفرعية المرتبطة بالسؤال المركزي وتتمُّ الإجابة عنها، أي ما هي طبيعة النظام السياسي الملائم، وطبيعة الطبقة السياسية الجديدة، ونوعية مَن يحكم البلاد على المستويين المركزي والمحلي وكيف نبني الشرعية؟ إلخ… وعندها، لن يلبث أن يجد المجتمعُ نفسه، وقد تكامل مع أبعاده الأخرى وتكفَّل بها، بما فيها الهوية والدين.

مقالات ذات صلة