-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ما مدى فعالية مكافحة التزوير واستعمال المزور؟

بقلم: عبد الناصر لوحايدية
  • 605
  • 0
ما مدى فعالية مكافحة التزوير واستعمال المزور؟

مما لا شك فيه أن القانون يتولى مواكبة الإحداثيات (مستجدات، وقائع، وأفعال)، ومدى تأثيرها سلبا وإيجابًا على المجتمع سواء المرتفقين أو المرافق الوطنية (عمومية أو خاصة)، بداية بالتشخيص والتقدير والآثار والمخاطر والإستفحال، ثم تنظيمها بفرض سلوك نموذجي معين على أفراد هذا المجتمع، وهذا بغرض تحقيق الأمن والسلم الاجتماعي، وتحسين ترقية العدالة الاجتماعية والاقتصادية وتكريس مبادئ تكافؤ الفرص والتوزيع العادل، والقضاء على التفاوت وضمان نجاعة الخدمات العمومية وحرية الوصول إليها والاستفادة منها والمساواة في التعامل مع المرتفقين وشفافية الإجراءات والنزاهة والمنافسة الشريفة والمعايير الموضوعية العادلة.

هذا التنظيم يظهر في شكل قواعد عامة ومجردة تمنع الأفراد تارة من إتيان سلوك تحت طائلة التجريم، وتُلزمهم تارة أخرى بإتيان آخر، وقد تخيرهم في بعض الأحيان بين الإقدام أو الامتناع، ودور القانون في هذا الشأن متفاوت بحسب طبيعة الحقوق فقد يتولى حمايتها وقد يعترف بها أو يؤطرها، ويحدد مجموعة القواعد القانونية التي تفرضها الدولة لتحديد الأفعال التي تحمل وصف جرائم وتبيان الجزاءات المقرَّرة بحق مرتكبيها.

وبالرجوع إلى مخطط عمل الحكومة من أجل تنفيذ برنامج السيد رئيس الجمهورية نجده تضمن في النقطة الثانية منه: الحوكمة المتجددة من أجل مزيد من الأداء (المبادرة، المردودية، والعطاء) والشفافية وأخلقة الحياة العامة وعصرنة الإدارة والوظيفة العمومية وتعزيز الرأسمال البشري وتحسين الإطار المعيشي للمواطن وفعالية عدالة السياسة الاجتماعية وتعزيز الأمن والدفاع الوطنيين والالتحاق بالوظائف على أساس الكفاءة، خاصة أن الدول المقارنة لا تصنفها ضمن مسائل النقاش حول القضاء على البيروقراطية بل تعتبرها تهديدا لمسألة دولة القانون وتحدي للسلطات العمومية للدولة، ومدى قدرة الطاقم على استعادتها وفرضها بكل أبعادها الحقيقية من أجل التمكن من مواجهة هذا التهديد بكل حزم ومثابرة، في إطار منظور الحداثة والعصرنة وفي سياق النوعية، ووأد الأفعال والتصرفات السلبية حسب جسامتها وآثارها المادية والمعنوية على أفراد المجتمع ومرافق الدولة، بتجريم هذا الأفعال التي استفحلت وتضاعفت في المجتمع وتشديد النظام العقابي بخصوصها بالموازاة مع التوعية والتحسيس التي يجب أن تأخذ حقها من الإهتمام والدراسة والمتابعة والتقييم المستمر لآثارها ونتائجها ومنهجيتها.

وقد أولت وزارة العدل العناية والأهمية اللازمتين لهذه الظواهر الاجتماعية حسب الحالة، لما تتوفر عليه من بيانات قاعدية ومعطيات ميدانية، وحتى لا نكون باخسين للناس أشياءهم فالسيد عبد المجيد تبون نفسه قبل مرور شهر على استلامه مهامه رئيسًا للجمهورية، أمر في 13 جانفي 2020 بإعداد مشروع قانون يتعلق بالوقاية من التمييز وخطاب الكراهية ومكافحتهما، والذي اقتدت به حتى بعض الدول الأوروبية، قاصدا بذلك التقيد بالدستور وقوانين الجمهورية فيما يتعلق باحترام ثوابت الأمة والمكونات الأساسية للهوية الوطنية والوحدة الوطنية ورموز الدولة وشعبها، وهذا لا شك سيساهم في ترقية النضال وأساليب الحوار والتعابير. وغيرها من القرارات الأخرى كتجريم العنف ضد ممارسي الصحة في المستشفيات والحماية الجزائية للمعلم، وتسليط أقصى العقوبات على المعتدين على رجال الأسلاك الأمنية، ومكافحة المضاربة غير المشروعة، والقانون المتعلق بالوقاية من عصابات الأحياء ومكافحتها…

وبالرجوع إلى القرارين الأخيرين للسيد رئيس الجمهورية بمناسبة اجتماع مجلسي الوزراء المؤرخين على التوالي في 30 أفريل ، و28 ماي 2023، في الأول أمر بسن قانون يتعلق بمحاربة التزوير واستخدام المزور في شهادات الإقامة بهدف الحصول على عقار أو مسكن بغير وجه حق، وفي الثاني أمر بإعداد -في غضون شهر على أقصى تقدير- مشروعٍ حول قانون التزوير واستعمال المزور لمعالجة هذه الآفة التي تحولت إلى سلوك مجتمعي خطير على حساب غالبية الجزائريين النزهاء، وأن يكون من الأهداف السامية لهذا المشروع المعالجة العميقة والرَّدعية بأتم معنى الكلمة لكل الإختلالات المجتمعية بهدف تجسيد الشفافية وإقرار المنافسة الحقيقية والنزيهة في كل المجالات، وأن يتضمن المشروع عقوبات لكل مزوِّر مهما كان سواء تورط في قضايا كبرى أو صغرى تخص أبسط مناحي الحياة.

التشخيص الأولي للممارسات الميدانية والواقع، يؤكّد أنّ أكثر هذه الأفعال الخطيرة تبدأ بالدرجة الأولى من خلال التصريحات والطلبات الكاذبة أثناء ملء الإستمارات و/أو النماذج المتعلقة بطلبات وتصريحات الحصول على الاستفادات والامتيازات والإعفاءات والمساعدات الاجتماعية المتعددة الصيغ والمجالات مثل السكنات العمومية والتجارة والمقاولاتية والمشاركة في الطلبات العمومية… وقد يتعداها في المستقبل القريب إلى ارتكاب هذه الأفعال إلكترونيًّا، والتشديد يبدأ منها بسبب الانتشار الرهيب لهذه الحالات.

وتطبيقا لهذين القرارين أصدرت وزارة العدل يوم 01 جوان 2023 بيانا أعلنت فيه تنصيبَ فوج عمل يضم ممثلي القطاعات الوزارية المعنية للشروع في إعداد مشروع هذا القانون، وتتمثل مهمة فوج العمل في حصر كل مظاهر التزوير واستعمال المزور التي تؤدي إلى الاستفادة من حقوق وامتيازات وكذا الحصول على منح وإعانات عمومية أو مساعدات اجتماعية أو إعفاءات أو سكن أو عقار أو غيرها من دون وجه حق.

وتبعا لما سلف ذكره أعلاه، فإن التشخيص الأولي للممارسات الميدانية والواقع، يؤكّد أنّ أكثر هذه الأفعال الخطيرة تبدأ بالدرجة الأولى من خلال التصريحات والطلبات الكاذبة أثناء ملء الإستمارات و/أو النماذج المتعلقة بطلبات وتصريحات الحصول على الاستفادات والامتيازات والإعفاءات والمساعدات الاجتماعية المتعددة الصيغ والمجالات مثل السكنات العمومية والتجارة والمقاولاتية والمشاركة في الطلبات العمومية… وقد يتعداها في المستقبل القريب إلى ارتكاب هذه الأفعال إلكترونيًّا، والتشديد يبدأ منها بسبب الانتشار الرهيب لهذه الحالات، كحالة المادة 253 مكرر 01 وما يليها من قانون العقوبات، ويأتي في الدرجة الثانية تحرير وإقرار الشهادات التي تثبت وقائع غير صحيحة ماديا كحالة المادة 228 من قانون العقوبات، مثل بطاقات الإقامة التي تصدر من سلطات مختصة وغيرها من الحالات المماثلة سلطة ووثيقة، أما الدرجة الثالثة والأخيرة فتتعلق بالتزوير واستعمال المزور.

ولوأد هذه الآفات وأدًا عميقا ورادعًا، بنجاح وفعالية وفق ما تصبو إليه قرارات السيد رئيس الجمهورية ومعالجة التناقضات والإختلالات، إضافة إلى الأخذ بعين الاعتبار أنه بموجب القانون رقم 20-06 المؤرَّخ في 08 جوان 2020، المتضمن تعديل قانون العقوبات، جُرّم بموجب المادة  253 مكرر 01 وما يليها التزويرُ للحصول على الإعانات والمساعدات العمومية والإعفاءات الاجتماعية، وتدارك الوضع بخصوص القرار التاريخي لرئيس الجمهورية بمناسبة اجتماع مجلس الوزراء المؤرخ في 18 جانفي 2020، المتعلق بضرورة مكافحة وتجريم وتشديد العقوبات على المستوردين المضخِّمين للفواتير التي أحدثت نزيفا حادا في المال العام بالعملة الصعبة، وربما قد يتعدى الأمر إلى تقديم تسهيلات وإعفاءات جمركية وضريبية من غير وجه حق من عدة جوانب لا تتناسب إطلاقا مع نوعية وكمية المنتوج المعني أو النشاط الممارس، وكذا الشركات الوهمية الصورية المنشَأة خارج الوطن وداخله بهدف تنظيم (جريمة منظمة) بحيل بديلة لتحويل العملة الصعبة من الوطن إلى الخارج، خاصة أن عملية تجارية واحدة قد تساوي ما مجموعه عشرات المرات مقارنة بالأفعال المذكورة في المادة 253 مكرر وما يليها، لا سيما أنه وكما يبدو واضحا أن المعاملات التجارية والإستثمارات مستثناة منها.

وعليه، فإن مشروع القانون محل الإعداد يُستحسن أن يتفادى التعديلات المتتالية التي قد تشوِّش على عملية التنفيذ، وإتّباع أساليب محيَّنة تكون في مستوى رهانات المرحلة، والتحلي بقدرة تجنّد الجميع على ترك القناعات والتوجهات الفاشلة لصالح التوجهات والمبادرات الناجحة.

وإثراء هذا المشروع والنقاط المشار إليها أعلاه كل حسب درجتها وأهميتها  وغيرها من المجالات الأخرى، بداية  من حصر المصطلحات تصريح، تحرير، طلب، إصدار، إضافة حالات الشروع والمشاركة والمساهمة والسكوت و/أو عدم التبليغ، والتسهيل، والاستفادة ولاسيما توضيح الاستمرار في هذه الإستفادات، وآثارها كالتصريح ببطلانها وانعدام آثارها من طرف الجهات القضائية التي تنظر في الدعوى مع مراعاة الغير لحسن النية، والصفة وحالات ارتكاب هذه الأفعال من طرف المواطن العادي أو الوسيط بينهما أو أصحاب المهن الحرة والتجار والأجراء والموظف أو العامل، لاسيما أن المحكمة العليا تفرِّق بين العامل والموظف، وحالات الإهمال المؤدي لارتكاب هذه الأفعال بما فيها إرتكابها إلكترونيا وحالات المنع والحرمان من ممارسة النشاط محل جريمة التصريح و/أو الطلب الكاذب والمحررات والإقرارات أو الطلبات أو الشهادات التي تتضمن وقائع غير صحيحة ماديا، والتزوير واستعمال المزور، والغرامة التي لا تقل عن عشرة أضعاف قيمة الشيء محل الجريمة، والعقوبات التكميلية والتقادم، إضافة إلى حالات التسريح والعزل القضائي إقتداء بالتشريعات الحديثة، لاسيما أن قرارات اللجان الإدارية المتساوية الأعضاء يغلب عليها الطابع العاطفي والمحاباة وتكون قراراتها التأديبية لا تتناسب مع جسامة الخطأ المرتكَب، كما أكدته الردود العديدة للسلطة المكلفة بالوظيفة العمومية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!