-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ما هو حجم مسؤوليتنا عن “الإسلاموفوبيا؟!”

حمزة يدوغي
  • 1469
  • 8
ما هو حجم مسؤوليتنا عن “الإسلاموفوبيا؟!”

من المعروف أن التدين هو الذي يميز الإنسان عن سائر الخلائق وليس الذكاء كما قد يتصور البعض، إن مملكة النحل أو النمل مثلا تمتلك من عبقرية التخطيط والتنظيم والتركيب ما يعجز عنه عقل الإنسان، وهذه حقيقة قد تنبه إليها بعض المفكرين منذ القديم، قال المؤرخ الروماني الشهير “بلوتارك”: “إن من الممكن أن تجد مدنا بلا أسوار وبلا ملوك وبلا مسارح ولكن لم ير إنسان قط مدينة بلا معابد وبلا دين..” فالدين هو طابع الإنسان المميز، وهذه الحقيقة التي لم يزدها تطور المجتمعات البشرية إلا تأكيدا، بغض النظر عن أتباع الديانات السماوية، هي التي جعلت المجتمع الدولي يولي اليوم أكثر من أي وقت مضى عناية كبرى لحرية المعتقد.

في الغرب اليوم مؤسسات مهمتها الحرص على  ضمان هذه الحرية، سواء لأبناء المجتمعات الغربية نفسها أو للجاليات المقيمة فيه، هذه المؤسسات تستعين بالعلماء والمفكرين والأدباء والفنانين والمثقفين عموما وكذا بالجمعيات المختلفة والأحزاب من أجل نشر قيم التسامح الديني وقبول الآخر واحترام خصوصياته الثقافية والدينية، وباختصار، من أجل تشكيل الرأي العام وتوجيه.

وهذا معناه أن هذا الرأي العام الذي يعبر عن قناعاته بكل حرية وديموقراطية قد يشكّل ويوجّه وجهة أخرى غير صحيحة، وذلك بحسب النوايا وبحسب قوة التأثير والاستمالة والإقناع.

فما قد يقدم لهذا الرأي العاممثلاعلى أنه تسامح وسلوك إنساني حضاري مشرّف هو نفسه الذي يقدّم على أنه مواجهة مشروعة للغزو الديني، وأنه تحصين للذات مما يهددها وما قد يصيبها إذا فتحت المجال للآخرين ليمارسوا شعائر دينهم.. وإقامة رموز هذا الدين بكل حرية.

ولعل خير مثال أسوقه لذلكيتمثل في تلك السابقة الخطيرة التي قام بها حزب الشعب السويسري الذي تقدم منذ سنوات قليلة، بقانون يقضي بمنع بناء المآذن في سويسرا وصوّت عليه النواب بنسبة 57٪

وكلنا يذكر ما أثارته هذه المبادرةوقتئذمن ردود أفعال كثيرة في مختلف جهات العالم، سواء في العالم الغربي نفسه، الأوروبي والأمريكي، وذلك لما لها من خلفيات سياسية وثقافية وحضارية، لأنها لا تمس الإسلام وحده لكنها تمس حرية المعتقد نفسها..

لقد رأى فيها العقلاء في الغرب تناقضا صارخا مع الديمقراطية واللائكية واعتبروا هذا القانون مفاجئا للعالم بأسره لأنه صدر من مجتمع ظل رمزا للتسامح الديني والتفتح السليم على الغير واحترام خصوصياته الثقافية والحضارية، ما جعله قبلة للاجئين من مختلف أنحاء العالم.

هذا بخصوص موقف جزء من الرأي العام الغربي، أما بخصوص المسلمين، مجتمعات ودولا وجاليات مقيمة في الغرب، فإن ردود أفعالهم كانت متوقعة بطبيعة الحال وهي الاستنكار المشروع والغضب النبيل والإعراب عن مشاعر الخيبة والتخوف من انتشار عدوىالإسلاموفوبياوتصوير الإسلام على أنه الخطر الأكبر الذي يهدد الكيان الغربي وتشويه رسالته الحضارية والإنسانية العالمية القائمة أصلا على التسامح الديني وتقديس حرية المعتقد واحترام خصوصيات الآخر والإيمان بمبدأ الحوار والتعايش بين الديانات والحضارات.

إن تهجّم الغرب اليوم على الإسلام إنما هو تهجّم على المسلمين المنهزمين حضاريا، لأن الصراع بين الحق والباطل قديم قدم الإنسان، والقاعدة تقول: “الصراع بين الحق والحق لا يكون، والصراع بين الحق والباطل لا يدوم، والصراع بين الباطل والباطل لا ينتهي

إن الباطل اليوم هو المتفوق حضاريا، والحقأي الإسلاميعيش بنفسه لا بأهله، وكما قال المرحوم فضيلة الشيخ الغزاليهم يدافعون عن الباطل بذكاء وندافع نحن عن الحق بغباء

وسئل الفيلسوف الساخر برنارشو: أي الديانات أعظم؟!

فأجاب: “الإسلام.. لأنه الدين الوحيد الذي تعاون على هدمه أهله وأعداؤه وما يزال صامدا!”

صحيح أن مثل هذه الأحكام قاسية ولكنها مع ذلك تمثل جانبا من الحقيقة والواقع.

فنحن نركز دائما على المعادين للإسلام ونغفل عن جزء معتبر من الرأي العام الغربي الذي يشكله العقلاء من ذوي الضمائر الحية الذين يؤمنون حقا بمبدأ حرية المعتقد ويحترمون خصوصيات الآخر بل ويناضلون من أجلها.. فماذا فعلنا لنكسب هؤلاء؟! وهل أدركنا حجم مسؤوليتنا عن حسن تمثيل الإسلام وتقديمه في صورته الحقيقية لإضعاف صوت المتعصبين المتطرفين الذين يسعون إلى التأثير في الرأي العام وتشكيل موقف رافض معاد للإسلام، سواء كان ذلك عن جهل بحقيقته أو عن تعصب وإنكار؟!

ولعل من المناسب هنا أن نشير إلى أن جزءا من هذه المسؤولية يقوم بها مغتربونا الذين أدركوا بوعي عززته التجربة والواقع أن خير أسلوب للدعوة إلى الإسلام هو تقديم نموذج سلوكي أخلاقي إنساني راق يفرض الاحترام على غير المسلم، فينجذب إليه عن طواعية واختيار ؛ لأن القاعدة تقول : إذا لم يصغ إليك عقل من تدعوه إلى دينك فأحسن إليه، وعندما تبهره بأخلاقك وتجذبه بإحسانك يميل إليك قلبه ويقبل عليك حينئذ بعقله وسمعه وبصره..

إن هناك كثيرا من الغربيين الذين أسلموا بسبب انقيادهم لهذا النموذج الأخلاقي الرائد، من مختلف الشرائح والمستويات والأعمار، فأقبلوا على الإسلام يدرسونه ويتعرفون عليه وأصبحوا هم أنفسهم من الدعاة المتحمسين إليه.

وصدق رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذي قاللأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك مما طلعت عليه الشمس“.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
8
  • mazouza rachid

    ياسيدي عندما تسمح السعودية ببناء كنائس بسمح السويسرين ببناء ماذن

  • رشيد أوزاني

    بُشرى لنا وبُشرى لقرّاء جريدة الشّروق ... سنستمتع جميعا بالأسلوب الرّاقي ... والفكر النيّر ... في معالجة موضوعات واقعيّة ... فهلمّوا إلى رحاب الكلمات الهادفة ... وإلى فضاءات المعاني السّامية .

  • bilel

    يا ايها الاخ taha mouhamed الاسلام لا يقارن باي زمان و ليس له حدود على مدى القرون ، الاسلام صالح لكل زمان و مكان فليس هناك خطاب يخص القرن 18 و خطاب يخص القرن 20 ، الربا حرام ، الزنا حرام ، السرقة حرام ، القتل حرام ، الاخلاق في المعاملات السياسية و البنكية.... انا اقول لك يجب على الامم الاخرى ان تتركنا نعيش بسلام نحن لم نرحل مسيحيا او بوديا لكننا لا نتعامل مع اليهود عن فناعة ، وما تفعله الجماعات الارهابية اليوم على شاكلة داعش و ما شابه هي عبارة عن صناعة غربية امريكية يمثلون انفسه و من صنعهم .

  • Marjolaine

    بعض المتوحشين الذين ينسبون أفعالهم الرعناء للإسلام يرهبون حتى المسلمين من التدين فما بالكم بمن ليس لديه فكرة عن هذا الدين.

  • عبد الله

    تحيه لكاتب هذا المقال ..ما أحوجنا إلى الحقيقه و لو كانت صادمه

  • mahmoud taha

    الاسلام الذي يقدمه المسلمون للعالم لا يبعث فقط على الخوف و الاسلاموفوبيا بل على اعتباره كارثة و دمارا على كل الاصعدة يؤدي بالعالم و ليس فقط الاسلامي الى الجحيم و الزوال . اذا اراد المسلمون العيش في سلام بين الامم عليهم تغيير خطابهم مع ما يتماشى مع حضارة القرن العشرين ...

  • صالح

    يا اخي في هذه الدنيا من الصعب ان تقول الحق الذين يتبعون اكذوبة اليهود بل يعتقدون نفس العقيدة اليهود نسميهم مذاهب السنة و الذين عقيدتهم الخلوذ في النار للعاصي غير تائب نسميهم الخوارج و الله احكم الحاكمين

  • brahim

    يصعب أن يصل أحد إلى الصرامة المنهجية والصدق الخالص مع دين الله الذي بلغه أوائلنا رضي الله تعالى عنهم، فلم يجاملوا أحدا في دين الله تعالى كائنا من كان و لكن بعد ما تفرق هذه الامة الى المذاهب تعصبا و الغريب البعض تدعي انها سنية تعتقد انه لا خلوذ في النار و هو سبب تحطيم هذه الامة و كل شيئ مباح القتل وووو ليست هذه عقيدة القرآن بل هي عقيدة يهودية بنص القرآن الكريم ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُون