-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ما هي مكانةُ العربية بين اللغات الحية؟

أوحيدة علي
  • 2292
  • 3
ما هي مكانةُ العربية بين اللغات الحية؟

قد يتساءل المرءُ في زمننا هذا الذي شهد تطوراتٍ عدة في ميادين مختلفة عن اللغة التي دفعت عجلة العلم إلى الأمام، ووسّعت التقدم التكنولوجي حتى شمل الخدمات الاجتماعية، وأساليب الحياة، وتعدى إلى الإنسان ليقوم مقامه، مقام قوّته العضلية، وقدرته العقلية.

وإذا سألتَ أحدا من المثقفين، فإنه يجيبك بلا تفكير في السؤال أو تردد في الجواب، أن لغة العلم في عصرنا هذا هي اللغة الحية.

ولكن هل الحياة المقصودة مقصورة على بعض اللغات دون أخرى، أم تشمل جميع اللغات الموجودة في العالم دون استثناء!؟ إن كان هناك تمييز فما هو؟ أو ما هي السمات التي تجعل لغة حية، والأخرى ميتة؟ هل الحياة تكمن في وجودها، أم هناك صفات أخرى غير الوجود؟.

كلُّ هذه التساؤلات تتبادر إلى الذهن عندما نفكر تفكيرا جديا في الموضوع، أما إذا استندنا إلى معلوماتنا السابقة، واعتمدنا على الأحكام السطحية، وابتعدنا عن التفكير النقدي، فإن الجواب يقفز إلينا بسرعة من دون عناء أو بحث دقيق. نظرا للصفات المميَّزة للّغة الحية دون غيرها، صفات الانتشار في أقطار كثيرة من العالم، صفات التقنية التي تبدو في مسايرة التطورات الحديثة، واستيعابها للمصطلحات العلمية في جميع الميادين…

ولذا، فالحكم على الحياة في لغة ما لابد من توفر شروط معينة كانتشارها واتساع ميادينها، وتأثرها، وتأثيرها، واستيعابها لجميع العلوم، وهذه الشروط لا تتوفر إلا في اللغة الانجليزية حسب رأي بعض المتعالمين، الذين تناسوا أن هذه الصفة صفة (إيديولوجيا) لا علاقة لها بالعلم.

لكن الأهم من هذا ليست الصفة التي منحتها ثوب الأفضلية عن لغات العالم، بل العوامل التي ساعدتها على تبوإ هذه المكانة، مكانة الصدارة، هل ترجع إلى اللغة نفسها؟ أم إلى الشعب الذي احتضنها؟ أم هناك عوامل خارجية مكّنتها من استيعاب المصطلحات العلمية والحضارية، والسيطرة على العالم في جميع الميادين، وإذا اتفقنا على أن اللغة الحية هي اللغة الانجليزية كما هو جار في أيامنا هذه، ماذا نطلق على اللغات الأخرى مثل: العربية، الروسية، الاسبانية، البرتغالية، الألمانية، الفرنسية، الإيطالية..؟.

هل يصح تسميتها بالقومية، أم الوطنية أم الإقليمية، أم نذهب إلى أبعد من هذا وننعتها بالتأخر أو الموت؟ إن جميع هذه التسميات تقودنا إلى أخطاء منطقية لا تقبل التبرير، لعدم اشتراكها في صفات معينة، توجد بينها، كما أن اللغات الميتة هي اللغات المندثرة كلغة عاد وثمود، وكل لغة موجودة في مجتمع وتُستعمل كوسيلة للتواصل والتفاهم، فهي لغة حية.

غير أن التفاوت بينها يرجع إلى المجتمع، ودرجة رقيِّه وتقدُّمه، وحضارته، وموقعه الجغرافي من القارات الخمس، أو يعود إلى عوامل خارجية كالاستعمار الثقافي الذي يعمل على إحياء لغات الشعوب المستعمَرة، ولقد كانت أولى توصيات الحاكم الفرنسي لجيشه الزاحف إلى الجزائر«علموا لغتنا وانشروها حتى تحكم الجزائر، فإذا حكمت لغتُنا الجزائر فقد حكمناها حقيقة» وليست توصية هذا الحاكم الفرنسي إلا ترجمة لتوصية سلفه المستعمِر الفرنسي نابليون الذي قال لبعثته الوافدة إلى مصر «علموا الفرنسية ففي ذلك خدمة حقيقية للوطن»؛ فهؤلاء أدركوا أن اللغة وسيلة من الوسائل التي تشد الإنسان إلى بني قومه وأنها جزء لا يتجزأ من عقليته، وصفة من صفات شخصيته، ولذا عملوا على نشرها ليتشرَّب منها المتعلمون لغتهم ويسعون إلى خدمتهم، ومساعدتهم في كل زمان وفي أي مكان بمساهمتهم الفكرية واتجاهاتهم الخلقية وسلوكاتهم اليومية، ويتنكّرون للغتهم الأصلية، وتاريخهم وحضارتهم، ويميلون إلى اللهجات المختلفة، والألفاظ العامية بحجة أنها تمثل لغة المجتمع، وتراثه وأصالته، وإذا سألتهم عن اللغة الواحدة التي توحِّد أبناء الوطن أجابوا بما تعلموه عن المستعمِر بأن اللغة التي يمكن استخدامها كوسيلة توحيد بين اللهجات المتفاوتة هي: «لغة المستعمِر».

لقد كانت أولى توصيات الحاكم الفرنسي لجيشه الزاحف إلى الجزائر«علموا لغتنا وانشروها حتى تحكم الجزائر، فإذا حكمت لغتُنا الجزائر فقد حكمناها حقيقة» وليست توصية هذا الحاكم الفرنسي إلا ترجمة لتوصية سلفه المستعمِر الفرنسي نابليون الذي قال لبعثته الوافدة إلى مصر «علموا الفرنسية ففي ذلك خدمة حقيقية للوطن».

إننا لا نبتعد عن الحقيقة التاريخية، إذا قلنا إن الصراع بين اللغات أشد من الصراع التحرري، لأن هذا الأخير حسِّي يزول خطرُه بسرعة بعد خروج المستعمِر، بينما الصراع اللغوي يستمر إلى أجيال وأجيال، وسيبقى إذا لم تُتخذ ضده الوسائل الكفيلة بإزالته، ووسائل الرجوع إلى اللغة الوطنية وإحلالها محل اللغة الأجنبية في جميع الميادين، سواء كانت اجتماعية، أو إدارية أو تربوية.

ومن هنا ندرك أن انتشار لغة ما واتساعها يرجع إلى عاملين أساسيين هما:

Ÿخارجي: ويتمثل في الاستعمار الذي يسعى إلى نشر لغته، ومحاصرة اللغة الأصلية والعمل على التشكيك فيها.

Ÿداخلي: يرجع إلى المجتمع ورقيه، وسياسة البلاد وإيديولوجياتها، وتحديد مكانة لغتها من لغات العالم.

ولكن ماذا نقول عن اللغة العربية؟ وما هي مكانتها بين اللغات الحية؟ وهل هي لغة علم أم لغة أدب، وشعر كما ألفنا سماعه من قبل؟

وإذا كانت جميع اللغات حية، فهل اللغة العربية التي استوعبت العلوم المختلفة عن طريق ترجمة كتب الهند، والفرس واليونان، ولم تضق بمصطلح علمي، أو مفردة لغوية، أو مفهوم فلسفي عاجزة؟ أم أن الغرب الذي اعتمدت جامعاته على كتب ابن سينا، أبو بكر الرازي، الخوارزمي، أبو القاسم الزهراوي… تتناسى هذا الفضل، وقلب الموازين ليطمس الحضارة الإسلامية ويقضي على اللغة العربية؟ أم أن المراجع التي ذكرنا مِلفيها ألّفت بلغة غير اللغة العربية؟

كيف لا تصبح العربية لغة حضارة وعلم وهي التي سبقت الأمم إلى ميدان التكنولوجيا، وأثرت في لغتهم تأثيرا لم يُمحَ، ولن يمحى إلى الأبد، أثرت في اللغات الاسبانية والفرنسية والانجليزية ولغات البلاد البلقانية، كما أثرت في 37 لغة أخرى اتخذت الحروف العربية وسيلة لكتابة لغتها وهذا ما دفع شركة التوراة البريطانية إلى طبع الإنجيل في جميع تلك الألسن بالحروف العربية.

كما اقتبست اللغة العربية كلماتٍ ومصطلحات من لغات كثيرة نذكر منها الآرامية، العبرانية، الفارسية، اليونانية، التركية، اللاتينية، الإيطالية، الفرنسية…

فهل اللغة التي تؤثر وتتأثر بهذا الشكل تكون سببا في تأخر الشعوب الناطقة بها، ولا تصلح أن تكون لغة علم؟ أم أن السر كامن في الأمة وليس فيها كما قال إبراهيم اليازجي: «فإن كان هناك هرم فهو في الأمة لا في اللغة».

بماذا يردّ الجاحدون إذا علموا أن اللغة العربية تأتي في المرتبة الرابعة عالميا من حيث عدد الناطقين بها بعد: الانجليزية، والروسية، والاسبانية، وقبل البرتغالية، والألمانية، والفرنسية، والايطالية؟

ماذا يتصور السامع لو أن العرب عرّبوا أهالي المدن التي دخلوها ونشروا فيها الإسلام؟ ما هي اللغة التي تكون سائدة وسيدة في وقتنا الحالي لو نهض العربُ بلغتهم ومنحوها المكانة اللائقة بها كبقية الأمم؟

فهل تكون الأسبقية للانجليزية من حيث عدد المتكلمين بها، وتستحوذ على ميادين العلم، أم تكون المكانة لغيرها؟

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • أنا

    اللغة العربية خالدة بخلود القرآن الكريم و رغم أنف المعقّدين و الحاقدين

  • دكتور

    كيف تكون العربية لغة حية والعالم العربي في حروب أهلية والأثرياء من العرب كسالى لا يقرؤون ولا يبحثون ولا يعرفون الا رفاهية الاستيراد والموضة وزادهم البترول والذهب و الفوسفات كسلا على كسل

  • avancer lalour

    لماذا يزدري عربٌ العربية الفصحى ولهجتهم الخليجية ؟ حسب استطلاع لرأي الشباب العربي لعام 2017 أن 68% من شباب الخليج استخدموا اللغة الإنكليزية أكثر من اللغة العربية في حياتهم اليومية .. عدد أولئك الذين يرتاحون للتحدث والتكلم باللغة العربية الرسمية أو الفصحى يتناقص بشكل مطّرد.وخلافاً لذلك، أصبحت اللغة الإنكليزية هي اللغة المهيمنة المستخدمة في المدارس الخاصة، ووسيلة التعليم العالي، واللغة المشتركة للمجتمعات ... ومع استخدام اللغة الإنكليزية في المدرسة وفي الشارع، فإن هذا يترك مجالاً واحداً للاستخدام الحصري للغة العربية، وهو في المنزل. بيد أنه هنا أيضاً، تشهد العائلات تعدّي اللغة الإنكليزية على اللغة الأم.... المصدر " موقع قنطرة 28 ماي 2018 "