الرأي

ما وراء الأكمة في مبادرة ملك المغرب

حبيب راشدين
  • 2854
  • 7
أرشيف

من باب الأمانة هذه هي المرة الأولى التي نلمس فيها قدرا من الجدية في دعوة للحوار حرص فيها ملك المغرب على استبعاد أي شرط مسبق للحوار بين الجزائر والمغرب مع انفتاح مطلق على أي مقترح جزائري من جهة المضمون، كما من جهة الشكل، أو من جهة مستوى التمثيل، مع استبعاد طرف ثالث وسيط، البلدان في غنى عنه.

وحيث إن المؤمن لا يلدغ من ذات الجحر مرتين، فإن الطرف الجزائري قد يبادر ابتداء إلى الدعوة لتنقية مسبقة للأجواء بين البلدين من مخلفات حرب كلامية تنفذ بالأصالة أو بالوكالة منذ عقود، وحملات تشويه وإساءة واتهامات باطلة للجزائر صدرت عن مسؤولين مغاربة كبار، كان آخرها اتهام الجزائر بتعطيل مسار التسوية في الصحراء الغربية، ومحاولة إقحامها كطرف في النزاع.

غير أنه ـ ومع التمسك بقدر معقول من التفاؤل ـ فليس من الأمانة والحكمة غض الطرف عن المعوقات الكثيرة التي أضيفت في العقدين الأخيرين من الجفاء لمعوقات عالقة منذ استقلال البلدين. فقد قادت القطيعة المستدامة بين البلدين إلى خيارات في السياسة والاقتصاد وترتيب علاقاتهما الدولية، أضعفت دون شك فرص بناء تقارب وتكامل وتشبيك مثمر للمصالح بين البلدين.

فاقتصاد البلدين ليس فيه اليوم من فرص تذكر للتكامل بعد أن تداركت الجزائر الفجوة الفلاحية، واعتمد المغرب خيارات طاقوية بديلة، وقد اعتمد البلدان في مجال الصناعة خيارات تتجه نحو التنافس لا نحو التكامل، مع انفتاح المغرب على استثمارات أجنبية خارجة عن سيطرة الدولة، واعتماد الجزائر قاعدة 51 49 التي لن تستفيد على الإطلاق من فتح الحدود أمام حركة السلع ورؤوس الأموال والعمالة.

وعلى المستوى السياسي قد يكون تطبيع العلاقات بين البلدين وفتح الحدود فرصة لفرنسا المهيمنة على الاقتصاد المغربي للفرار من مواجهة الاستحقاقات التي قادت إلى تراجع حصتها في السوق الجزائرية، ليكون تطبيع العلاقات بين المغرب والجزائر فرصة لعودة التفرد الفرنسي من النافذة بعد أن بدأ يطرد من الباب، ولا يمكن للجزائر أن تستشرف مغانم ومغارم تطبيع العلاقات مع المغرب دون احتساب الموقع الفرنسي المتقدم في الاقتصاد المغربي كما في سياسته الإقليمية المتوسطية والإفريقية، فضلا عن المخاطر المحتملة من تمدد التأثير الصهيوني الحاضر في المغرب.

وكما نرى ليست الملفات العالقة منذ الاستقلال مثل: التصديق على ترسيم الحدود المجمد في البرلمان المغربي، ولا حتى ملف المخدرات التي تحولت إلى أداة حرب، أو الملفات الأمنية التقليدية بشأن الهجرة والإرهاب هو ما يعيق تطبيع العلاقات بين البلدين، إلا إذا كانت الغاية من التطبيع فقط إعادة فتح الحدود البرية التي ليست في نهاية المطاف سوى محض تفصيل.

ومع هذا القدر من “التشاؤل” الموضوعي حيال فرص نجاح دعوة ملك المغرب، فليس من حق الجزائر تفويت هذه الفرصة للبحث في سبل مساعدة المغرب على تقبل مآل تسوية ملف الصحراء الغربية، والقدرة على تسويقه لرأي عام مغاربي وضع على صفيح ساخن منذ أربعة عقود، بالدخول في حوار مفتوح مؤطر، يستكشف مغانم البلدين من تسهيل تسوية النزاع أيا كانت، وربما هاهنا بيت القصيد في دعوة الملك الذي يكون قد استشعر الحاجة إلى البحث في خطة بديلة في حال انهيار خطة الحكم الذاتي، وربما نقل ملف تسوية النزاع في الصحراء تحت سقف البند السابع، الذي لن يترك خيارات كثيرة للمغرب خارج الانصياع لقرار تنفيذ الاستفتاء.

مقالات ذات صلة