الرأي

ما وراء.. ومن وراء تمزيق الكراريس وتكسيـر الطاولات !!؟

حسن خليفة
  • 1011
  • 0

ازدحم الفضاء الأزرق العريض الواسع، فجأة، بِصُوَرٍ (مبكية)، وبكلام كبير وكثير عن المنظومة التربوية، بعد أن انتشرت تلك المشاهد المعبّرة / المؤلمة عن “تمزيق” الكراريس، والكتب، بل وصل الأمر إلى التخريب والحرق، كما بيّنته بعض المشاهد التي عرضتها بعض الفضائيات.. وكل ذلك جاء مباشرة بعد انتهاء الامتحانات.

فماذا يعني ذلك يا تُرى؟ ثم كيف يمكـن قراءة هذه “المعطيات” المهمة جدا، بالنسبة لما حدث؟ وماذا يعني ذلك بالنسبة للحاضر والمستقبل؟

أتصور أن هذا يقتضي منا اهتماما حقيقيا، وإعمال العقل والفكر، بالتحلــيل والتركيب والتفكيك، سعيا لفهم جادّ لما يجري، حتى ولـو كان في ذلك “رائحة” المؤامرة كما كتب البعض.
إن الأهم أن نقف على حقائـق الواقع كما هي، ونفهم أسبابها ودوافعها وكل دلالاتها، بعيدا عن التنـاول العاطفي السطحي، وأيضا بعيدا عن “المبالغة” في تسويـد الواقع والإغراق في “النديبْ” (بلغتنا الدارجية).

إن المتأمل يمكن أن يقف ـ مبدئيا ـ على عدد من الدلالات، منها:

• إن نهاية الدروس واقتراب العطلة تعني بالنسبة للصغار من التلاميذ والتلميذات أن الفرصة قد حانت وأزفت، فرصة الابتعاد عن الدراسة والدروس، وكل ما يعنيه ذلك في أذهانهم ونفوسهم… فالعطلة بالنسبة إليهم فرصة لانعتاق من “سجن” رهيب سُجن فيه التلاميذ والتلميـذات لمدة طويلة.

• وأول ما يعنيه ذلك ويكشفه أنهم يشعرون بـثقل رهيب من “المدرسة” بكل أطوارها.. يمكن القول إن “مفهوم” المدرسة مقترن بدلالات سيئة: الضيق، القهر، التعب، إلى آخر المفردات الثقيلة والسيئة. وهذا موضوع جدير بالبحث الدقيق.

• يمكن أن نتصوّر أيضا أن ثِقْــلَ ووطأة الجائحة، على مدار أكثر من عامين ونصف العام، كانت صعبة على الجميع، بالأخص الصغار من عصافيرنا (أولادنا) ذكورا وإناثا.

وثمة دلالات أخرى كثيفة المعاني متعددة الطبقات ينبغي أن نحفر عميقا للوصول إليها واستنطاقها واستخلاص ما يجب منها. ولنبادر إلى التساؤل الآن:

هل ينبغي أن نتجاهل هذا الأمر، كما فعلنا من قبلُ؛ حيث إن هذه الظاهرة ليست جديدة، ولكن لعلها هذه السنة أكثر بروزا وأكثر اتساعا.
والمقصود هنا بقولنا “نتجاهل “(بالجمع).. هو نحن جميعا: السلطة، المجتمع، الأسرة (الأولياء)، المدرسة، المسجد، الفضاء العام والجو العام الذي نعيشه جميعا، بكل ما فيه من “نكد” وضيق، وغلاء، وفوضى، وثقل، وقلـة ترويح، وضيق في الفضاءات التي تساعد على الاسترخاء والتنفيس (وهذا موضوع آخر سننشره إن شاء الله تعالى مستقبلا عن “الجزائري والسياحة”).
نعم إن هذه الظاهرة ليست جديدة، ولكن يبدو أنها هذا العام “زائدة” قليلا؛ حيث مست الكثير من المدن، والقرى، والأحياء الفقيرة وغير الفقيرة، ما يعنـي أنها عامة بشكل ما. وهذا مستقى من تواصل جاد مع عدد من المربين والمفتشين.

وإذن… الأمر جِــدٌّ لا هزل معه، ولا تراخي َ ولا إهمال.
والمطلوب العاجل: هو انخراطنا جميعا في بحث هذه المسألة بحثا دقيقا منهجيا موضوعيا، والعمل على الوقوف على “الأسباب” الحقيقيـة التي تقف وراءها. كما سبقت الإشارة.
وللعلــم: إنه لا ينفع البكاء ولا النحيب، ولا حـتى العواء، ولا ينفع التنصّل من المسؤولية، كما لا ينفع أيضا المبالغة في إظهار “البؤس”.
إن من مضارّ هذا الأمر الذي هو أشبه بـ (الورم) يكبـر بالإهمال وقلة المبالاة:
• التفسير المسيّس، بإلقاء “التبعات” على الغير نظاما كان أو أولياء أو مدرّسين أو غيرهم..
• وأيضا الاستقالة من التصدّي للأمر، وتجاهله والادّعاء أن هذا الأمر (لا يعنيني).
نعم، لا ينكـر أحد أن البرامج والمناهج والسياسات التربوية وغير التربوية سبب كبير، خاصة خلال العقود الماضية عندما أحكمت “العُصَبُ” قبضتها على المجتمع والإنسان والسلطة، ولكن ليس ذلك السبب الوحيد، هذا إن اخترنا الانخراط في العلاج الجدّي النزيه لهذا الإشكال متعدد الأوجه.
الأولياء (الأسرة) لهم دور كبير وكبير جدا، والشائع أن “الأولياء” في حالـة استقالة طويلة المدى، منذ مدة، ولا يتابعون أبناءهم وبناتهم، لا في الدراسة ولا في مجالات أخرى (الأخلاق ـ التربية ـ الاستقامة ـ حسن التدين وحسن السيرة)).
هناك أيضا وسائط الإعلام عامة والوسائط المتعددة بصفة خاصة، تبوء بـجزء كبير من المسؤولية (إن لم نقل الإثم) ففيها ما فيها من “الشرّ” وأبسطه إلهاء التلاميذ ودفعهم في وادي الخسارة والضياع والفجور والعصيان، وهنا أيضا نشير إلى مسؤولية الأولياء الذين لا يراقبون ولا يتابعون، بل إنهم أحيانا يعمدون إلى “إسكات” أبنائهم وبناتهم بتلك الوسائل، مهما غلا ثمنها لإبعادهم والتخلص من “إزعاجهم “..
الدور الآخر للأساتذة أنفسهم، الذين صاروا يهرّبون التلاميذ إلى الدروس الخصوصية، ابتغاء ما تعرفون، ولا يهمهم من أمر التلاميذ شيء آخر، وبالطبع لكل قاعدة استثناء.
وماذا نقول عن أسباب وأطراف أخرى، لها أيضا مسؤولية كبيرة فيما وصلنا إليه من انحدار في ما يتصل بـ”المنظومة التربوية”… خاصة، وفي مجالات أخرى غيرها.
أتصوّر أن ثمة أمرا يجب الاتفاق عليه:
الأفيد والأنفع، في ما يتعلق بمعالجة هذه المشكلات ونظيراتها: أن نبحث عن حلول حقيقــية مبدؤها الانطلاق من تشخيص علمي دقيق.. ثم البدء في طرح الحلول، بحسب تصوّر كل طرف، ثم الاقتراب لنلتقـي على صعيد واحد، في محطة ما.. ثم نبلور حلا يكون أقرب إلى “اشعل شمعة” ثم ينمو البحث ويكبر، ويقترب التشخيص أكثر فأكثر من الدقة في مقاربة هذا “المرض”.. وصولا إلى الأدوية والحلول القريبة من الصحة والدقة.
فماذا ترون.. يا آباء ويا أمهات، ويا معلمون ومعلمات، ويا مشرفون ومشرفات، ويا كل من يهمه الأمر، بل يا من يهمه الوطن؛ لأن مستقبل الوطن في أعناق هذه الأجيال.
فهؤلاء أبناؤنا وبناتنا، لم ينزلوا إلينا من كوكب آخر، بل هم أبناؤنا وثمراتنا.. هم منّا ونحن منهم.
ولأن نجتـهد في الإصلاح، مع المشقة والتعب والألم، أفضل من أن نرمي باللائمة على “الآخرين” ونكتفي بذلك.
نعم، هناك مسؤوليات يتحمـلها من بذر بذور “الرداءة” وحرمان أبنائنا من التربية القويمة المتينة أخلاقا، وسلوكا، وصلاحا، وتزكية.. مسؤولية كبيرة، فإن ثمراتها المُرة ما نراه في الواقع من انحطاط خُلقي، وانحراف، وجنوح، وسرقات، وسوء أخلاق..
لكن، في المقابل، هناك مسؤوليات أخرى، على كل من له صلة بالتربية والتعليم.. وعلى المجتمع ذاته..
هذه سطور أولى في مقاربة هذه المعضلة المركّبة.. ولا ريبَ أننا سنصنع الفارق إن أخلصنا النية وانكببنا على معالجتها (المعضلة) بما هي أهل له من الجدية والنزاهة والصرامة، فثمة مجتمعات مرّت بأسوأَ مما نحن فيه، ولكنها تجاوزت ذلك واستفادت من إخفاقاتها في صناعة مستقبل تربوي ـ تعليمي زاهر ومزدهر..

مقالات ذات صلة