-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
البرلمان الفرنسي يتبنّى مقترح قرار ضد مجزرة باريس 1961

مبادرات ماكرون مكررة وفارغة من قيم مسؤولية الدولة

محمد مسلم
  • 1534
  • 0
مبادرات ماكرون مكررة وفارغة من قيم مسؤولية الدولة
أرشيف

يعمل الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، جاهدا من أجل تجاوز معضلة حقيقية لطالما تسببت في تسميم العلاقات الجزائرية الفرنسية، ممثلة في ملف الذاكرة، غير أن خطوات الرجل تبدو وكأنه يسير على حقل ألغام، متوجسا من انتفاضة قد يكون مصدرها الدولة العميقة في فرنسا، التي لا تزال لم تتخلص بعد من حلم مفقود ووهم اسمه “الجزائر الفرنسية”.
وفي أحدث تجليات الجهود التي يقوم بها قصر الايليزي على هذا الصعيد، جاء تبني الجمعية الوطنية الفرنسية (الغرفة السفلى للبرلمان) الخميس 28 مارس 2024، مقترح قرار يدين “مجزرة باريس 1961” التي راح ضحيتها أكثر من 300 جزائري، في 17 أكتوبر من السنة ذاتها، كما يدعو إلى تخليد ذكراه.
قرار الغرفة السفلى للبرلمان الفرنسي يهدف إلى الاعتراف وإدانة “المجزرة” التي قُتل فيها أكثر من 300 متظاهر جزائري بالعاصمة باريس، في 17 أكتوبر 1961، الذين خرجوا يومها لمطالبة السلطات الفرنسية بوقف السياسة التمييزية التي كانوا يتعرضون لها من قبل الشرطة الفرنسية بقيادة المجرم موريس بابون، دون سواهم من الجاليات الأخرى في دولة تدعي قيم الحرية والمساواة وحقوق الإنسان.
وكانت لمسة الرئاسة الفرنسية في هذا القرار حاضرة، ويبرز ذلك من خلال التنسيق الذي تم بين صاحبة المقترح، صابرينا صبايحي (ذات الأصول الجزائرية) من حزب الخضر، مع كتلة حزب النهضة الرئاسي، وفق ما أوردته وكالة الصحافة الفرنسية (فرانس براس).
ونال المقترح القانوني الذي يتكون من مادة واحدة أغلبية 67 صوتا، مقابل رفض 11 صوتا من أصل 577 نائب، ما يبين غياب التوافق حوله. ومما جاء فيه أن عائلات جزائرية نظمت مظاهرة سلمية في 17 أكتوبر 1961، بعد اعتراضها على فرض السلطات حظر تجول على “الفرنسيين المسلمين الجزائريين”، وهكذا كان يصطلح على الجزائريين خلال فترة الاحتلال الفرنسي.
واعترف القرار بوقوع “مجزرة” في باريس في عام 1961، وقال إن المتظاهرين الجزائريين واجهوا ضغوطا قاسية ومميتة من الشرطة بناء على أوامر موريس بابون، قائد شرطة باريس في تلك الفترة.
كما طلب الاقتراح بإدراج يوم ذكرى “مجزرة باريس عام 1961” ضمن الأيام الوطنية (الفرنسية) والاحتفالات الرسمية في فرنسا.
ورغم تضمّن القرار بعض المصطلحات والمفاهيم التي تشير إلى مسؤولية المحتل الفرنسي في المعاناة والمآسي التي تكبدها الجزائريون خلال حقبة الاحتلال، إلا أن الرئاسة الفرنسية حرصت على إخراج الدولة الفرنسية من أي إدانة عن المجزرة، وهو ما أفقد القرار الكثير من مصداقيته، ما يعني إلقاء اللائمة على المجرم الهالك، موريس بابون، مسؤول شرطة باريس.
لكن ومع ذلك، يبقى البعد السياسي الذي يقف خلف استصدار هذا القرار واضحا، ويتمثل في رغبة الطرف الفرنسي في العمل على ملف الذاكرة ومحاولة الدفع به، تماشيا ورغبة السلطات الجزائرية في إحداث اختراق على هذا الصعيد، ما يرجح فرضية مغازلة الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، لنظيره الجزائري، عبد المجيد تبون، ومحاولة لاستدراجه للانخراط بقوة في إعادة ترتيب بيت العلاقات الثنائية المتعثرة منذ نحو خمس سنوات، فقدت خلالها باريس الكثير من الامتيازات والمصالح في المستعمرة السابقة.
والسؤال الذي يتعين طرحه هنا، هو هل ما أقدمت عليه باريس كاف للطرف الجزائري كي ينخرط في مسعى الجانب الفرنسي؟
الإجابة واضحة ولا تحتاج إلى عناء تفكير، فما تقوم به السلطات الفرنسية في عهد الرئيس الحالي وحتى في عهد سابقيه، فرانسوا هوالاند، وبدرجة أقل نيكولا ساركوزي، لا يعدو أن يكون مجرد مناورات مكشوفة، تحاول تفكيك ألغام الاحتلال بإلقاء اللائمة على الأفراد، وإبعاد الدولة الفرنسية من أي إدانة، في حين أن الجريمة هي جريمة دولة وليست جريمة شخص، لأن قرار احتلال الجزائر تم باسم الدولة الفرنسية ومن أعلى مؤسساتها، ومن ثم فكل ما وقع تحت سلطة الدولة الفرنسية طيلة 132 سنة من الاحتلال، يبقى مسؤولية الدولة الفرنسية وحدها، وليس مسؤولية شخص أدار الشرطة أو جنرال قاد معركة أو سجان عذب جزائريين.. لأن كل ذلك وقع تحت سلطة دولة محتلة هي فرنسا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!