-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
مختصون يحملون أساتذة الدروس الخصوصية المسؤولية

مترشحون للبكالوريا ضحايا “التكهنات”

نادية سليماني
  • 811
  • 0
مترشحون للبكالوريا ضحايا “التكهنات”
أرشيف

“باك التكهنات”.. هو ظاهرة خطيرة تعرفها الامتحانات النهائية خلال السنوات الأخيرة، إذ يتكهن التلميذ بالدروس المُحتملة في البكالوريا، ما يجعله يتلقى صدمة يوم الامتحان، ويُحمل خبراء تربويون، المسؤولية الكبرى في ذلك لأساتذة الدروس الخصوصية، الذين وصلت الجرأة ببعضهم إلى التأكيد على علمهم المسبق بأسئلة البكالوريا، مُوجّهين التلميذ نحو دروس معينة، للتملص من تعب مراجعة دروس سنة كاملة.
كثيرةُ هي مشاهد خروج مترشحين للبكالوريا وهم يتباكون، لأن موضوع الامتحان لم يكن من الدّرس الذي توقعوه، بل يثير البعض منهم بلبلة وفوضى داخل قاعة الإجراء، بمجرد تسلمه موضوع الامتحان، فيشوش على نفسه وعلى بقية الممتحنين، وعلى المتواجدين بمركز الإجراء ككل، في ظاهرة لم تعرفها “البكالوريا” خلال سنوات خلت.
فمنذ متى كان “الباك” يسير بالتكهنات أو التوقعات؟ فالامتحانات النهائية هي جهد سنة كاملة، بل حصيلة سنوات من التعليم، ولا تتوقف على درس واحد.

توقعوا “الأنظمة” فجاءهم “الشعور واللاشعور”
وهذا السلوك وقفنا عليه في امتحان مادة الرياضيات، في ثاني أيام بكالوريا 2023، عندما خرج التلاميذ يتباكون و”يندبون” حظهم، لأنهم كانوا يتوقعون أسئلة حول موضوع الإحصاء، لأنه لم يُبرمج في البكالوريا منذ سنتين، فجاءهم موضوع آخر!
وفي ثالث أيام البكالوريا الحالية، توقع تلاميذ الشعب الأدبية، أن يكون سُؤال الفلسفة حول موضوع الأنظمة، ليفاجأوا بسؤال من درس الشعور واللاشعور، وكالعادة خرجوا من المركز يتباكون ويتحسرون.. فعلى أي أساس توقعوا الموضوع الأول؟
والمؤسف وجود صفحات “فيسبوكية “، لا ندري إن كانت لأساتذة حقيقيين أو خريجي جامعات، يقوم أصحابها بالتكهن فقط حول مواضيع الامتحانات لمواد معينة، عن طريق اجراء مقارنات بين مواضيع البكالوريا لسنوات خلت، ولأن الحظ حالفهم لمرتين أو أكثر، كسبت صفحاتهم مصداقية كبيرة لدى مترشحي البكالوريا، وبات متابعوهم بالآلاف، وصار التلاميذ يتزاحمون عليهم لتلقي الدروس الخصوصية.

35 سنة خبرة في التّعليم ولا أجرؤ على التكهّن
وأرجع بوعلام عمورة الأمين العام الوطني للنقابة المستقلة لعمال التربية والتكوين “ساتاف”، الجزء الكبير من المسؤولية في ظاهرة “باك التكهنات”، إلى تفشي الدروس الخصوصية، إذ أصبح كلّ من “هب ودبّ” حسب تعبيره، يقدم دروسا للتلاميذ وحتى من يملك صفر خبرة في مجال التعليم.
وقال عمورة لـ”الشروق”، بأنه يعرف أشخاصا “بمجرد تخرجهم من الجامعة، يتوجهون نحو تقديم الدروس الخصوصية، وهم لا يفقهون أبجديات ومنهجيات التعليم، ولا يطلعون حتى على المقرّر الدراسي في المدرسة العمومية، وباتوا يقدمون دروسا خصوصيّة حتى لتلاميذ الطور الابتدائي، وعند الامتحانات يشرعون في التكهن بالأسئلة المُحتملة”.
وأشار إلى أن خبرته في التعليم تفوق 35 سنة، ومع ذلك لا يتجرأ على التكهن بمواضيع معينة في البكالوريا لتلاميذه، بل يحثهم على مراجعة جميع الدّروس من بداية السنة الدراسية حتى نهايتها.
وحسبه، فجزء من المسؤولية، يتحمله التلاميذ، والذين يُركّزون على مراجعة دروس معينة متجاهلين أخرى، و”متناسين أن البكالوريا هي ثمرة سنوات من الدراسة”، على حدّ قوله.

تلاميذ لو غيرت لهم حرفا أو رقما يتيهون
وأشار محدثنا، إلى أن بعض التلاميذ “لو غيرت له حرفا أو رقما، أو كان ينتظر مواضيع حفظ وجاءت فهما، يتشوش في الامتحان، ويقول بأنه لم يتلق هذا الدرس في المُقرر”.
وفي هذه النقطة، دعا الأمين العام لـ”ساتاف” إلى إعادة النظر في طريقة تصميم مواضيع البكالوريا، بل في اعادة النظر بالمنظومة التربوية، وقال إن التلاميذ لم يتعودوا بعد على طريقة التدريس عبر المقاربة بالكفاءات، التي طُبقت بالمدرسة منذ 2008، والتي تعتمد على موضوعين اختياريين، بدل تمارين ومسألة التي تعود عليها الممتحنون.
واعتبر عمورة الدروس الخصوصية “خطرا”، وأنه على مصالح الدولة ككل “أن تتدخل لتنظيمها”، وأيضا مصلحة الضرائب “لأنّ بعض الأشخاص يُحصلون أموالا ضخمة من دروس الدعم بدون دفع ضرائب عليها، وهم لا يقدمون شيئا مفيدا للتلميذ”.

دروس خصوصية في قاعة حفلات…!
وكشف محدثنا بأنه يعرف استاذا أستأجر قاعة حفلات، ليستقبل فيها أكثر من 80 تلميذا معنيا بدروس الدعم “بينما يستنكر الأساتذة وأولياؤهم وجود 40 تلميذا في قسم المدرسة ..!”
وتطرّق هذا النقابي إلى ظاهرة هجرة وغياب التلاميذ عن الأقسام المدرسية، بداية من الفصل الثالث، متوجهين نحو دروس الدعم، رغم أن المقرر الدراسي لم ينته بعدُ، “أين يفضلون الدراسة في مرآب للسيارات أو محشورا في غرفة ضيقة بشقة، ويدفع مبلغا كبيرا، بدل إكمال المقرر الدراسي مجّانا في قسمه مع زملائه وأساتذته، أو يفضل الالتحاق بالدورات المجانية للمراجعة المنظمة في دور الثقافة أو قاعات السينما، والتي تراجع له جزءا بسيطا من المقرر الدراسي وليس كله”.
والخطير -يقول محدثنا- أن بعض أساتذة الدّروس الخصوصية يتكهنون أمام تلاميذهم بالدروس المحتمل ادراجها في “الباك”، ويوجهونهم نحوها، وإذا جاء تكهنهم صحيحا لمجرّد الصدفة “يفتخرون ويعيدون الكرّة مع تلاميذ آخرين”.

مجّانية التعليم باتت في خطر
وشدّد أمين عام “ساتاف”، على أن وزارة التربية يجب أن تأخذ على عاتقها رفع ملف الدروس الخصوصية ومخاطرها إلى الحكومة، “من أجل وضع حد لهذه المافيا، التي باتت تُحصّل الملايير بدون دفع الضرائب، ولِم لا سنّ قانون يجرم هذه الظاهرة، لأن مكانة المدرسة العمومية ومجانيتها وجودة التدريس باتت في خطر”، على حدّ تعبيره.
بينما حمّل صادق دزيري رئيس المجلس الوطني لعمال التربية والتكوين “اينباف”، ظاهرة التكهن بالمواضيع للتلاميذ الذين يتصيدون أي فرصة أو كلمة قد تمكنهم من معرفة مواضيع “الباك” المحتملة، قائلا: “لا يمكن أن يبني التلميذ تحضيراته على أساس تكهنات أساتذة في القسم أو خارجه، أو عن طريق التجربة السابقة، لأنها قد تصيب أو تخطئ”.
وحسبه، يفترض أن يراعى في التحضير للامتحانات، مراجعة جميع دروس المقرر الدراسي، مع تهيئة النفس لأي طارئ أو سؤال أو محور.

المُتباكون يثيرون فوضى وبلبلة بمراكز الإجراء
وأشار دزيري إلى أن بعض التلاميذ يفضلون مراجعة دروس “يتقنونها” فيركزون عليها، مُحبذين أن تكون الأسئلة منها، وبمجرد تسلمهم ورقة الامتحان يتحسرون و”يندبون حظهم ويبكون داخل حجرة الامتحان، مُشوشين على أنفسهم وعلى الغير، ويُحدثون بلبلة كبيرة في المركز، والبعض يتم نقله إلى العيادة الطبية”.
ووجّه أمين عام “اينباف” نصيحة للتلاميذ بعدم تضييع مستقبلهم وراء التكهنات والتحضير الجيد للامتحان وفي جميع المواد والدروس للحصول على معدل ممتاز.
وأكد رئيس الاتحاد الوطني لأولياء التلاميذ، حميد سعدي لـ”الشروق”، إن “ظاهرة الدروس الخصوصية والتكهن بأسئلة الامتحانات أدخلت التلاميذ وأوليائهم في متاهة كبيرة. فلا التلميذ بات يستوعب ما يتعلمه، ولا بعض أساتذة المدرسة باتوا يدرسون بضمير، مفضلين توجيه تلاميذهم نحو دروس الدّعم التي يقدمونها خارجا”.

التلميذ “الكسول” لن تنفعه دروس الدّعم
وكشف محدثنا أن بعض العائلات باعت ذهبها وأخرى تلجأ للإقتراض لغرض تمكين أبنائها من الدروس الخصوصية “غالية السّعر”.
وقال: “نحمد الله على وجود أساتذة يعملون بضمير، ويبعثون فينا الأمل، وإلاّ لضاعت المدرسة العمومية”.
ووجه سعدي نداء الى أولياء التلاميذ، بضرورة التصدي لهذه الظاهرة عن طريق اللقاءات الدورية وطرح الإشكال، “لأن الظاهرة تمس تمدرس أبنائنا وجيوبنا”. وختم قوله، بأن التلميذ “الكسول في القسم، لن تعيده الدروس الخصوصية الى صوابه”.

لا قانون يمنع إدراج نفس مواضيع “الباك”
وأكد رئيس لجنة التربية والشؤون الدينية بالمجلس الشعبي الوطني، النائب صالح جغلال لـ”الشروق”، أن تكهنات الأسئلة “أمر غير مقبول، لأن المنطقي أن تكون أسئلة البكالوريا ضمن المقررات الدراسية لسنة كاملة”.
وحسبه، حتى ولو تم إدراج موضوع معين في بكالوريا السنة المنصرمة، فلا شيء يمنع من إعادة نفس الموضوع وبشق معين في البكالوريا الحالية، إذ لا يوجد قانون تربوي يمنع التطرق إلى مواضيع أدرجت في بكالوريا السنة الماضية.

كُل نشاط مُربح لابد من خضوعه للضريبة
وقال محدثنا إن “الدروس الخصوصية التي باتت تقدم في مرائب السيارات مع 60 تلميذا أو أكثر، وفي ظل غياب أبسط ظروف التدريس الطبيعي، لا نوافذ ولا تهوية ولا مراحيض، مقابل دفعهم أموالا باهظة، هي ظاهرة تهدد مكاسب اجتماعية لدولتنا تُحسد عليها، وهي الزامية التعليم المجاني. كما أن تكهن بعض الأساتذة بمواضيع البكالوريا، يُعتبر ضربا لمصداقية ونزاهة هذه الشهادة”.
ودعا جغلال إلى تطبيق القانون في هذا الشأن وبصرامة، “لأن كل نشاط مربح غير خاضع للضريبة وغير معلن هو ممنوع قانونا، كما أن الدروس الخصوصية خطر على تلاميذ الجزائر، باعتبارهم إطارات المستقبل، وقوة البلاد السنوات المقبلة، كما أن الظاهرة هي تشويه للجهود المبذولة في قطاع التربية، على حد قوله”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!