-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

متى تتخلص المدرسة من أزمتها؟(الجزء الأول)

متى تتخلص المدرسة من أزمتها؟(الجزء الأول)

يجري الحديث في هذه الأيام (بعد تشكيل الحكومة الجديدة) عن تدهور أوضاع المدرسة، وعن الغموض الذي يكتنف السياسة التي تعامل بها؟ ويتسع الحديث في تناول المسؤولية الدقيقة والضخمة التي أسندت إلى الوزيرة الجديدة بعدما تراكمت المشكلات التي أثقلت كاهل المدرسة وجعلت نظام التعليم يضطرب في سيره، فالناس اليوم يتساءلون: هل ستتمكن المسؤولة التي تولت شؤون قطاع التربية من التغلب على الصعوبات التي تعيش داخل نظام التربية؟ وهل الظروف التي تشكل واقع التعليم وتؤثر في مكوناته تتيح لها أن تفتح نقاشا واسعا ومُمنهجا لمعرفة دقائق هذا الواقع، والوقوف عند مواطن القوة التي يجب أن تعزز، وجوانب الضعف التي يجب أن تُعالج، وتضع تصورا لمستقبل المدرسة من خلال ضبط مجالات التطوير التي يجب أن يتجه الاهتمام إليها..

 وقد تبيّن لنا من أحاديث الناس عن المدرسة وعمّا ينتظرها أن الكثير منهم ليسوا متفائلين بهذا التغيير، لأنهم يخشون أن الوضع الذي تعيشه المدرسة قد لا يتغير بتغير المسؤول، إذا لم يكن وراءه سند سياسي يدعمه، ومنهج علمي يُوجّهه ويُعينه، إن الناس كانوا يتمنون أن تولى السلطة عنايتها الفائقة لهذا القطاع الهام، بعدما عاش فترة من الاضطراب، بحيث تختار له شخصية علمية متميّزة في رؤيتها التربوية، وغزارة معلوماتها الثقافية.

وفي قدراتها على استيعاب قضايا التعليم، متمكنة من استخدام أهمّ وسائل التبليغ (اللغة) وتوظيف أساليب التعامل مع الأسس المرجعية التي تعتمد في هذا القطاع، وتحدد هوية المدرسة ووطنية التعليم، تلك الأسس التي نجدها في النصوص الرسمية.

هذا ما كان الناس ينتظرونه، كانوا ينتظرون من التغييرات أن يشهد القطاع تحوّلا كبيرا في مجال تحديد الوجهة التي يجب أن تتأكّد من خلال نوع الشخصية التي تُعيّن، ومن خلال كتاباتها، ومواقفها وخبراتها إذا كانت لها خبرات.

إن ما نخشاه هو أن لا تلتفت الوزيرة إلى معالجة التدهور الذي يعيشه النظام التعليمي، وتستمر في إتباع النهج الذي كانت عليه الوزارة منذ سنة 2003، وتواصل تطبيق مضمون تقرير لجنة الإصلاح، ذلك التقرير الذي كانت مضامينه لا تساير توجيهات رئيس الجمهورية التي وجّهها لأعضاء اللجنة ضمن رسالة المهمّة.

إن المنتظر من هذه الوزيرة أن توجه اهتمامها مع بداية الموسم الدراسي المقبل إلى فتح آفاق إصلاحية جديدة تجعل مصالح الوزارة تقدم على مشاريع تربوية متطورة تستلهم من المستجدات في عالم التربية، وتتّجه من خلالها إلى معالجة المسائل المحورية التي لا يجوز تأجيل معالجتها.

ومن أهم هذه المسائل: تحديد المفهوم الذي يُعطى للمدرسة وللوظائف التي تضطلع بها، والغايات التي تحققها.

من هذه المحاور: ضبط المضامين التعليمية الملائمة لكل مستوى، ومراعاة التدرج في تقديم المعارف والمهارات التي تندرج ضمن هذه المضامين وتتلاءم مع عقول المتعلمين وقدراتهم، وتستجيب لحاجاتهم، وتنسجم مع العصر، وفي سياق ذلك تحدد الطرائق والوسائل التي يُستعان بها في تبليغ المحتويات وتمكين المتعلمين من استيعاب ما تهدف إليه المدرسة ويتطلع إليه المجتمع.

ومن المحاور التي يجب أن تشْملها المراجعة هي التنظيم الهيكلي للسنة الدراسية من خلال مراجعة العطل الموسمية وتنظيم فصول الدراسة مع تحديد البداية الفعلية للسنة الدراسية ونهايتها وضبط مواعيد الامتحانات والاختبارات بكيفية تُستثمر فيها فرص التعلّم كاملة بحيث لا يضيع للتلاميذ جانب من هذه الفرص، ومن الجوانب التي تحتاج إلى مراجعة ما يتصل بسيْر التعليم في المرحلة الابتدائية وهو الجانب المتعلق بمحتوى تدريس الرياضيات، وباللغة التي تدرس بها، لأن الملاحظ هو أن المحتوى غير مدروس بدقة وغير متدرج في المستوى، واللغة التي يُعلّم بها ما تزال تتأرجح بين العربية والفرنسية، والأسلوب المتبع في تدريس الرموز والمصطلحات والاتجاه في كتابة العمليات أمر يحتاج إلى مراجعة علمية وتربوية، ثم إن هذا الخلط في التعامل المزدوج بين اللغتين يشوّش على التلاميذ ويشتّت أذهانهم.

إن ما ينتظره المجتمع من الوزيرة ومن المشاريع التي تنوي إنجازها ضبط إستراتيجية تربوية مرجعية تترجم مبادئ السياسة التربوية المنصوص عليها في التوجّهات الرسمية تلك الإستراتيجية التي يجب شرحها والانطلاق منها في التخطيط للجهود الإصلاحية المعبرة عن إرادة الأمة وتطلعاتها، في مجال تطوير خطة التعليم، التي تسعى لبناء مجتمع المعرفة وتحديد ما يجب أن يصل إليه أبناؤه من المعارف والقيم والكفاءات التي يجب الاهتمام بها وجعلها سبيلا لتحريك وعي الأجيال، وجعلهم ينطلقون من توظيف المعرفة إلى إنتاجها ومما يلاحظه الناس أن هذه الوزيرة لا تملك المواصفات التي تجعلها في مستوى المسؤول الذي يُسير مهامه وفق إرادة الأمة وأهم مشكلة تُواجهها هي صعوبة استخدامها اللغة الوطنية التي تبلّغ بها أفكارها وتحاور بها الشركاء الاجتماعيين والأساتذة والمربيّن وأولياء التلاميذ.

وكونها لا تحسن استخدام اللغة العربية في حوارها ليس الذنب ذنبها إنما الذنب ذنب الحكومة أو ذنب من أشاروا على الحكومة باختيارها في هذه المسؤولية وتكليفها بأهم قطاع لا يجوز أن يسند إلى مسؤول غير متمكّن من اللغة الوطنية التي هي أساس التعامل مع العاملين في هذا القطاع، بل هي جوهر النشاط الذي يُمارس فيه، ووضعها هذا راجع إلى الظروف التي عاشتها والمحيط الذي نبتت فيه ولا يعدّ هذا انتقاصا من كفاءتها العامة أو تقليلا من شأنها، وهذا ما جعل الناس يتساءلون:

هل لدى من سعوا إلى تعيينها وزيرة لقطاع التربية، هل لديهم معلومات عن إمكاناتها اللغوية وخبراتها التربوية وقدراتها في مجال الاستعمال اللغوي بالخصوص؟ لذلك أقدموا على اختيارها أو ترشيحها لهذه المسؤولية.

فإذا كان هذا هو واقع الأمر فمعنى ذلك أن لديهم تبريرا جعلهم يرشحونها (ولا أقول إنهم لم يجدوا من هو أكفأ منها) والتبرير هو أن الأساس عندهم في اختيار المسؤول هو المستوى الفكري والخبرة في المجال العملي، وليس المستوى اللغوي، وحينما يتوفر المستوى الفكري فلا خوف على القطاع، لأنها قد تجتهد وتستغل ما لديها من خبرات وتستعين بالإطارات العاملة معها، ونحاول أن تُصغى في كل عمل تودّ القيام به إلى ذوى الرأي والاختصاص، ولا تلتجئ إلى الارتجال كما كان سلفها في العشرية الماضية، ولا تعتمد قناعاتها الخاصة.

ولكن ما نخشاه هو أن يكون إسناد المسؤولية إلى هذه الوزيرة بالذات مع العلم بأنها تجهل أساسيات التعبير اللغوي وليس لديها قناعة فكرية بأن العجز اللغوي منقصة يجب أن يُعالج.

فإذا كان هذا هو الواقع واعتمده المسؤولون قصدا فمعنى ذلك أن هناك اتجاها ثقافيا وإيديولوجيا كان وراء هذا التعيين وهو السعي إلى تغيير وجهة المدرسة بتهيئة الجو الذي يُساعد على التراجع تدريجيا عما تمّ في مجال تعريب المواد العلمية والتوجّه نحو العناية باللغة الفرنسية وجعلها الأداة التي تمكن المتعلمين من الوصول المباشر إلى المعرفة العلمية التي هي أساس التقدم والتفتح على الثقافة العالمية على غرار ما يتم في مستوى التعليم العالي.

هذا احتمال يدفع إليه الظن، ولكن ربما يكون بعيدا عن تفكير كبار المسؤولين أو بعضهم على الأقل.

وهناك احتمال آخر قد يكون قريبا من اهتمامات بعض المسؤولين وهو أن لدى بعضهم قناعة بأن المشكلة اللغوية اليوم لم تعد مشكلة قائمة خاصة بعد أن أصبحت اللغة الوطنية لغة جميع مواد التعليم، ولغة الإدارة المدرسية، وأصبح النظام التعليمي منسجما مع هذه الحقيقة، ولذا فعجز الوزيرة عن الاستخدام الجيد للغة العربية لا يطرح إشكالا كبيرا في رأي هؤلاء المسؤولين ويعني هذا الاحتمال أن المسؤولين لا يعتبرون المستوى اللغوي الذي يكون عليه المسؤول الذي يتولى قطاع التربية هو الأساس في نجاح مهامه، إن نجاح الوضع التعليمي في قطاع التربية يرجع إلى اختيار نوع المعارف التي تلقن والطرائق التي تعتمد في التلقين والأهداف التي تكون غاية التلقين، لأن ما ينبغي أن يتجه الاهتمام إليه هو ترقية مستوى المتعلمين وقيادتهم نحو الدرجة العلمية التي ينتظرها المجتمع منهم، وفي رأي هؤلاء المسؤولين أن اللغة وسيلة وليست غاية، ومن تم قد تتنوع اللغة ولا ضير في ذلك، ولكن هذا الرأي لا ينسجم مع المنطق ولا مع التجارب الحضارية التي عاشتها الأنظمة التربوية.

فتجاهل الدور الذي تُسهم فيه اللغة في نجاح المهام الموكولة إلى المسؤول عن التربية خطأ لا يُقره أيّ عاقل.

هذا وإن الأمر الذي نخشاه هو أن تكون مواقف الوزيرة متجهة إلى السير في طريق التراجع عن المكاسب الثقافية واللغوية التي تمت في هذا الصدد، وهذا هو الأمر المقلق الذي يدفع الناس إلى التشاؤم، ومن الملاحظات التي جعلت الناس يزدادون قلقا هو موقف الوزيرة الذي وفقته من الاجتماع الذي كان مقررا في ولاية معسكر والذي نظمته هيئة محلية، ودعت إليه السيد الوزير الأسبق علي بن محمد لإلقاء محاضرة في موضوع التعليم في عهد فرنسا، إن موقف الوزيرة هو أنها أعطت أمرا بإلغاء المحاضرة ومنع الاجتماع ولا ندري ما هو السبب؟ وهذا ما جعل الناس يستاءون ويعلقون على تفاهة هذا الموقف، وهذا ما قوّى شكوك الناس في أن أفكار الوزيرة الذي جرى الحديث عنه تدعو إلى الريبة، لأنهم لم يستطيعوا تفسير هذا الموقف الذي يطلب من المنظمين أن يلغوا الاجتماع ويلغوا المحاضرة مع العلم أن موضوع المحاضرة لا يتصل بوزارة التربية ولا يتناول حقائق المدرسة الجزائرية اليوم.

إن هذا الموقف إن كان له دلالة واحدة وهي أن الوزيرة خشيت أن يطرح المحاضِر موضوع تعيينها الذي أثار نقاشا في الصحافة أو خشيت أن يُثير الحديث عن قطاع التربية في أيامنا هذه ويتناول المصير الذي ينتظر التعليم بعد تعيينها.

ثم ما هو الأمر المعلق بالنسبة إليها، فحتى لو كانت المحاضرة تتناول التعليم في الوقت الحالي، فهي ليست مسؤولة عن كل ما هو واقع في وزارة التربية، مازلنا نتساءل عن هذا الموضوع.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • ALI

    ليس راي غير الراي الذي يقول به بعض الإخوة =
    المدرسة الجزائرية يحب أن يتراس الوزارة وزير له كفاءة علمية دينية مخضروا قادر على كل مجال العلوم والفن لاالفرنسة او العلمانية غير كافية لتأهيل المدرسة

    يجب يجب ان يكون وزير التربية له كفاءة علمية دينية بما أننا مسلمين وبس