الرأي

متى نتحرّر من قوقعة الفرنسية؟

رشيد ولد بوسيافة
  • 2543
  • 47
ح.م

في عيد الاستقلال الثامن والخمسين لا زال الحديث يدور حول كيفيات التّخلص من إرث الاستعمار المتمثل في اللّغة الفرنسية؛ التي لا زالت تسيطر على الجزء الأكبر من المعاملات الرّسمية، ولا زال قسمٌ كبير من المسؤولين تسيطر عليه عقدة النّقص تجاه هذه اللّغة، فيستعملها في المحادثات الشّخصية والاجتماعات والمراسلات الرّسمية، مع أنّ الدّستور يحدّد اللّغة الرّسمية التي يجب التّعامل بها في المعاملات الرّسمية.

وليت الأمر توقّف عند بعض الولاة الذين يراسلون رؤساء البلديات باللغة الفرنسية، حسب ما ما قاله رئيس حركة حمس عبد الرزاق مقري، بل إنّ عددا من الوزراء يسمحون لدوائرهم الوزارية باستخدام هذه اللّغة، إما عجزا بسبب تكوينهم باللّغة الفرنسية، أو عمدا بسبب عقدة النّقص التي تسيطر منذ الاستقلال على أولئك الذين لا زالوا داخل القوقعة، ولم ينفتحوا على العالم الذي لا يتعامل إلا قليلاً باللّغة الفرنسية، بل إنَّ الكثير من الدول المتطورة مثل كوريا الجنوبية والصين أصبحت تعتمد اللّغة العربية للتعامل مع الأجانب طالما أنها اللّغةُ الرسمية في 60 دولة ويستعملها مئات الملايين في العالمين العربي والإسلامي، بينها دول كبرى لديها مبادلات اقتصادية وثقافية معها.

والأغرب أنّ الفرنسية لم تعُد مستعمَلة حتى في الدوائر العلمية في فرنسا ذاتها. ولا يمكن لمن يتقن اللغة الفرنسية فقط أن يشارك في الملتقيات العلمية الدولية هناك، لأنها لا توفر الترجمة إلى الفرنسية، وإنما تعتمد اللغة الانجليزية في الجلسات والمناقشات وصياغة التّوصيات.

كل هذا يحدث، فيما لا زال بعض المستلبين عندنا يصرّ على التعامل بهذه اللغة الميتة، ويقاوم المحاولات الجارية لاعتماد الانجليزية لغةً أجنبية أولى، دون الحديث عن التضييق على اللّغة العربية، في واحدة من أغرب قصص الانسلاخ عن الهوية الوطنية لصالح لغة المستعمِر وثقافته، وهو بالذات ما حدث في أدغال إفريقيا!

هذا الانسلاخ والزهد في عناصر الهوية هو الذي يدفع أمثال المتطرفة مارين لوبان إلى التبجُّح والاستهزاء بنا عندما نطالب فرنسا بالاعتذار عن جرائمها التي ارتكبتها على مدار 132 سنة في الجزائر. ولو كنّا في حال غير هذا الحال لاعتذرت فرنسا عن ماضيها في الجزائر كما فعلت بلجيكا التي اعتذر ملكها “لويس فيليب ليوبولد ماري” وعبَّر عن بالغ أسفه للجروح التي سبَّبتها فترة الاستعمار البلجيكي لجمهورية الكونغو الديمقراطي.

عندما نكون في حال أفضل، يحقُّ لنا أن نطالب باستعادة الخيرات التي نُهبت والتعويض المادي عن الأضرار التي لحقت بالشعب الجزائري وعن كل الموبقات التي ارتكبت في حقهم، ولن نكتفي بالمطالبة بالاعتذار.

مقالات ذات صلة