-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

محايدة كانت أو منحازة…هل ستتجاوز الجزائر كل الفخاخ (2/2)؟

عمار تو
  • 4080
  • 0
محايدة كانت أو منحازة…هل ستتجاوز الجزائر كل الفخاخ (2/2)؟

كتبنا في الحلقة الأولى من هذه المقالة أن الغرب غير منسجم وهو دوما في صراعات زعامات داخلية تحت إملاءات أمريكية. لكن يظهر على أعضائه نوع من الانسجام تحت تنسيق أمريكي محكم في تعاملهم مع الغير عموما ومع روسيا والصين على وجه الخصوص.

وطرحنا ضمن هذا المعترك إشكالية وصعوبة تموقع الجزائر بين الشرق والغرب، حيث تناولنا بالتحليل فرضيتي بقاء الجزائر على حالها في عدم انحيازها من الأسفل أو اختيار البديل الحيوي للطموح آلى عدم انحياز تسوى فيه مصالحها من الاعلى. فآثرنا في هذا السياق وقوف الغرب في وجه التمدد الروسي والصيني الاستراتيجي نحو الجزائر من اجل الاستفراد بها في حساباته خدمة لاستراتيجيته المضادة.

نحن إذن بصدد حصة ربح ضخمة في فائدة الجزائر دون أدنى مساهمة في رأس المال المستغل، على الرغم من وجود حرب باردة قائمة بالفعل بين الشرق والغرب لكنها لم تفصح بعد عن نفسها في العلن.

ففي هذه الوضع الجيوسياسي، وأمام تداعيات لا تزال افتراضية للأزمة الأوكرانية المعقدة والتي يواجه اليوم فيها الروس مجموع الغرب بوكالات مركبة، فإن الجزائر تجد نفسها مقحمة عن طريق بلدان أروبية يترجونها للمساهمة في التخفيف من هولهم الطاقوي متوجسين من استخدام روسيا إمداداتها الهائلة من الغاز لأوروبا كأداة سياسية لإدارة الأزمة الأوكراتية، في الوقت الذي يسعون فيه هم (الغرب) إلى التكتل بكل أصنافه لمقاطعة الإمدادات الروسية من الغاز والبترول وسلع وخدمات أخرى كأدوات عقابية لإدارة هذه الأزمة والحرب الباردة التي تخفيها مناوراتهم المتسترة. فهي، رغم هذه المناورات، مسألة امن قومي للغرب الذي ينظر، صاغرا ممتثلا، إلى الولايات المتحدة الأمريكية تضطلع بملفها في مفهوم مسؤولياتها المكرّسة في الميثاق الذي تم بموجبه إنشاء منظمة الحلف الأطلسي العسكرية.

ورغبة في تفادي خلق حرج جيوسياسي جزائري-روسي، تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية عن طريق شركات أروبية تشتغل حاليا في الجزائر في ميدان الغاز: إيني  (INI)  الإيطالية وطوطال (TOTAL) الفرنسية وأيكينور (IQUINOR) النرويجية على وجه الخصوص، تدعوها للعمل في اتجاه رفع كميات الغاز الجزائري إلى أروبا وبالخصوص لصالح ألمانيا التي يموّنها، أصلا، غاز روسيا بحجم 55 مليار متر مكعب في السنة، اعتياديا قبل أن يصيب الهلع كل بلدان الاتحاد الأوروبي كما هو الوضع حاليا في أوت 2022 حيث بلغت أنانية كل بلد مبلغها في الغرب بتصرفات تكاد تكون صبيانية، مما يذكر بنفس السلوك خلال تفشي جائحة كورونا في مراحلها الأولى.

وفي كل الأحوال، فإن الغاز الجزائري، لأكثر من الكميات المصدرة حاليا إلى أوروبا، يخضع لمنطق السوق وليس تعويضا للغاز الروسي إطلاقا. فالجزائر، من جهة أخرى، ليست ممن يضحي بما هو استراتيجي لصالح ما هو تكتيك انتهازي ربحي من صنف الأسواق الفورية أو ما يشابهها.

فالقرارات التي خرج بها الملتقى السادس للدول المصدرة للغاز المنعقد في قطر بتاريخ 19 و20 فيفري 2022، من شأنها طمأنة الأسواق بالنسبة لتأمين إمداد سوق الغاز العالمية خلال الأزمات، إشارة إلى الأزمة الأوكرانية. فالروس والأمريكان يتبنون آلية هذا التأمين المعتمدة خلال هذا الملتقى.

لكن كل هذه التوازنات الهشة تبقى مرهونة بحل الأزمة الأوكرانية من عدمه والتي انزلقت منذ 23 فيفري 2022 نحو حرب مسلحة لا تعرف مآلاتها بالرغم من توفر مؤشرات جدية، بالإضافة إلى تحرير ما يمثل تقريبا ربع أوكرانيا والذي قد تم تنظيمه في شكل جمهوريات مستقلة، تعبر عن نوع من انتصار روسي مطابق ترابيا مع اتفاقات ”مينسك-Minsk” لسنة 2014 وهو ما يستوجب التذكير به تعميما استناريا.

إن التعقيد السريع للوقائع الجيوسياسية والانتشار العسكري لمن شأنه الإنذار باقتراب انفجار للأوضاع يصعب معه التحكم في مآلاته.

فمؤشرات رؤية جيوستراتيجية أمريكية تزداد وضوحا وتتجاوز الأزمة الأوكرانية. ويرى البعض أن هذه الأزمة ليست سولى افتعال يرمي إلى إجهاض أنبوب الغاز ”السيل الشمالي 2” الرابط بين روسيا وألمانيا على شواطئ بحر البلطيق والذي أصبح منذ أكتوبر 2021 جاهزا للاستغلال. ويعتبر تشغيله تهديدا لأولوية مصالح الولايات المتحدة في أوروبا وهو ما يرفع من تبعية ألمانيا إلى الغاز الروسي وما من شأنه أن يدعم العلاقات الاقتصادية بين الاتحاد الأروبي وروسيا على حساب المصالح الأمريكية ( ومصالح المملكة المتحدة) (5) التي بنت سعادتها على ضرورة إبقاء أوروبا تتخبط في صعوباتها إن لم تستطع زرع بذور التفرقة بين أعضائها، حتى إذا كان ارتداد اللهب بإمكانه إحداث خسائر جسيمة، وهو ما حدث، بالفعل، على صعيد التضخم والبطالة والطلب والعجز ألموازناتي والاستدانة العمومية وكذا على مستوى نسبة النمو واقتران التضخم بالركود الاقتصادي كتداعيات مباشرة للأزمة الأوكرانية.

فالغاز النجيرياوي في هذا الصدد معني بنسبة عالية على المدى المتوسط والبعيد. والاتفاق بين نيجريا والنيجر والجزائر ذو الصلة، تم إبرامه في الجزائر العاصمة بتاريخ 28 جويلية 2022 من طرف الوزراء المعنيين للبلدان الثلاثة. ويتعلق الأمر بمذكرة تفاهم لإنجاز مشروع أنبوب الغاز ذي الصلة في أقرب الآجال. وسيمكن هذا الأنبوب من نقل 30 مليار متر مكعب من الغاز النيجرياوي إلى أروبا عبر النيجر والجزائر. فيكون بذلك هذا المشروع قوي الدعم. وسيجلب استثمارات مقدرة بحوالي 13 مليار دولارأمريكي تأتي من ممولين أجانب عن المنطقة. لكن هذا الأنبوب لن يعوض سوى جزئيا الغاز الروسي دون حساب ارتفاع الطلب الأروبي المتزايد من الغاز تساوقا مع التخلي التدريجي البين في ألمانيا عن استعمال الطاقة النووية في إنتاج الكهرباء بالخصوص الا إذا انقلبت الاختيارات الإستراتجية عند هذا البلد أو ذاك.

وإمدادات الغاز القطري (من الغاز المميع) المنقول بحرا عبر السفن المتخصصة نحو الموانئ الأروبية الإسبانية والبرتغالية المجهزة لإعادة ”تغييز” الغاز المميع فتعلو تكلفته كثيرا وكمياته محدودة، نظرا للالتزامات التجارية القطرية على المدى البعيد تجاه الأسواق الأسيوية ومنها السوق الصينية العملاقة.

وتنضاف إلى هذه الكميات من الغاز، كميات المحروقات المتأتية من المخزونات الاحتياطية الكبيرة للغاز والبترول التي تزخر بها المناطق الحدودية الجزائرية-المالية-الموريتانية والتي لا منفذ اقتصادي لها لتحويلها إلى إروبا سوى المررور على التراب الجزائري وشبكتها من القنوات الغازية والبترولية القائمة أو تلك التي هي بصدد الإنجاز المتقدم.

أما بخصوص أولئك الذين يكتشفون فجأة فضائل الأنبوب الغازي القديم العابر للتراب المغربي والذي بإمكانه توفير طاقات إضافية ملموسة لنقل الغاز الجزائري بمقدار 10 إلى 12 مليار متر مكعب نحو أروبا، فيظهر أنهم يدخلون في تناقض مع أطروحتهم ضعيفة المنطق لكونها مهلهلة بالتناقضات المستقاة من هذه الأطروحة نفسها والتي يزهون خطأ باستعراضها بخصوص انبوب الغاز الروسي العابر للأراضي الأوكرانية والذي لا يزال شغالا رغم حالة الحرب القائمة. فهذا الأنبوب (الأخير) مهدد حاليا بخطورة الغلق من قبل منظمة الحلف الأطلسي بنفس الخطورة التي تهدّد حاليا بجد، أنبوب الغاز الروسي الجديد لبحر البلطيق (السيل الشمالي 2) الذي يتحاشى الأراضي الأوكرانيا والذي استلمته روسيا، كما أسلفنا، في أكتوبر 2021. وقد كان، تعاقدا، مبرمجا لنقل حوالي 55 مليار متر مكعب من الغاز سنويا نحو ألمانيا، احتياطا من كل مكروه وتأمينا للإمدادات من الغاز لألمانيا وتلبية للطلب الألماني المتزايد.

وللعلم، فإن الخط العابر لأوكرانيا لا يزال شغالا حتى هذا اليوم، رغم الظروف الأمنية المتردية، إلا أنه يبقى تحت التهديد الدائم للغلق من قبل منظمة الحلف الأطلسي لأدنى ترد استراتيجي في العلاقات بين هذا الحلف وروسيا أو بإيجاد بديل للغاز الروسي لكون الغرب يسعى اليوم جاهدا لتحقيق هذا الهدف. فالتهديد بغلق الأنبوب وبإيجاد البديل له سريعا، إنهما يرفعان كوسيلة تهديد جيوإستراتيجية حربية عالية البشاعة Institute for Security Studies .Publié le 22 mars 2022 ; 44 CET

أما وإن الجزائر قد حفظت الدرس، فلا يحق لها بالمخاطرة بصادرتها من الغاز نحو أوروبا عبر الأنبوب القديم العابر للتراب المغربي، في انتظار صفاء الأجواء بعيدا عن التصرفات المزاجية للفاعلين السياسيين من كل الأصناف والتي، غالبا، ما تحركها أطماع أو تصفية حسابات أو تبريرات للفشل في المأموريات أو تسخيرا لجيوستراتيجيات أكثر من إقليمية ينسجها بلد أو مجموعة بلدان لأطماع الهيمنة، دائمة الشعلة الخافتة تحت الرماد.

ورغم ذلك، لا يستبعد مستقبلا، استعمال هذا الأنبوب في إطار علاقات تجارية بحتة لحاجات خاصة بالمغرب، عندما تزول، نهائيا، الحواجز الكبرى ذات الصلة بالأمن القومي الجزائري. وفي انتظار ذلك، فرفع طاقات نقل الغاز الجزائري إلى أوروبا في خضم البحث عن الحلول الممكنة على المدى الطويل للتقليص من متاعب أوروبا المنتظرة في مسألة الغاز، فالاستثمار الجديد لرفع طاقات الأنابيب، بين أوروبا والجزائر، يصبح من الضرورات الملحة، لا سيما وأن 30 متر مكعب من الغاز النيجرياوي على الأبواب بالإضافة إلى الكميات المتزايدة التي ستنتجها الجزائر بالنظر إلى المتوفر والمكتشف والمأمول.

وتكتشف هكذا الجزائر نفسها أكبر من يسعى إلى ضمان التوازن في منطقتها وأكبر الساعين إلى إرساء التهدئة فيها. هي أدوار أكسبتها إياها جغرافيتها وقوتها العسكرية الإقليمية المعترف بها وثرواتها الاقتصادية القائمة والكامنة وثرواتها البشرية المشهود لها وحيادها أو عدم انحيازها الواجب تسويته من الأعلى في الفوائد والامتيازات. وهذا في فائدة اقتصاد منتظر أن يتنوع وأن يتقوى ضمانا لتوفير كل الشروط المطلوبة لبناء قوة اقتصادية إقليمية تكون ركيزة تدعم دوام قوتها العسكرية الإقليمية في مستويات أعلى لتضمن دوام مناعة أمنها القومي.

حينئذ، تنتقل الجزائر مرتاحة إلى مرحلة التنميق الرفيع. فتبيح فيها للروس والأمريكان امتياز التحليق في أجوائها: من أجل استتباب الأوضاع في ”مالي” بالنسبة للشريك الأول (روسيا). وفي إطار عملية ”براخان”وأمن الساحل والصحراء ضمن المهام الموكلة للقيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا بالنسبة للشريك الثاني (أمريكا).

وتمنح الجزائر نفسها كذلك، الامتياز لتضمن مع المصريين أمن الشرق الليبي من أجل دعم أمنها في غرب ليبيا على الحدود الجزائرية لضمان مساهمة أحسن، غدا، في إعادة بعث الاقتصاد الليبي، في خضم المساعي الأممية لإعادة بعث الدولة الليبية.

أما فيما يتعلق بحظر تحليق الطيران العسكري الفرنسي في الأجواء الجزائرية، فسيجد حلوله الكاملة في الاحترام المتبادل والدائم الذي تكرسه القوانين والأعراف الدبلوماسية وكذا في الاحترام المتبادل للمصالح الاقتصادية المتوازنة وفي الاعتراف بجرائم الحرب المرتكبة ضد الجزائر مشفوعا بتقديم الاعتذار للشعب الجزائري.

إما معالجة مسألة تحليق الطيران الفرنسي العسكري في الأجواء الجزائرية، فلم تكن مستبعدة بصفة انتقالية حتى قبل زيارة الرئيس الفرنسي الأخيرة للجزائر، على غرار ما تم حديثا خلال إجلاء الجيوش الفرنسية من ”مالي” نحو مواطن أخرى في بلدان أخرى، من قواعد عسكرية فرنسية حيث كانت تقيم هذه القوات (الفرنسية).

أما العلاقات مع المغرب، من جهتها، فتستوجب إيجاد حلول لها في إعادة فتح كل الملفات بشأنها ومنها على وجه الخصوص، الملف ذو الصلة بالتهديدات بشأن الأمن القومي للجزائر، لا سيما منذ اتفاق المغرب مع إسرائيل في ميدان التعاون الأمني بتاريخ 24 نوفمبر 2021 مما يعقد ملف العلاقات الجزائرية-المغربية (6). أما قضية الصحراء الغربية فهو ملف تصفية الاستعمار من اختصاص الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي دون فتاوى تضليلية تمييعية.

وهكذا، فخيبة الأمل كبيرة لدى أولئك الفاعلين من ذوي الأدوار الجيوسياسية المهملة، من دول أوروبية وعربية أو ممن يتميزون بالتحالفات الظرفية المقيتة كالاستدارة الإسبانية المفاجئة في قضية الصحراء الغربية التي استعمرتها سنة 1884 في إطار اقتسام إفريقيا بين الأوربيين في اجتماع برلين في نفس السنة و”تخليها عنها مقايضة” في 1975 والمحاولة، عبثا، خنق أنفاسها في مارس 2022، أو بالتحالفات العسكرية الزائفة السخيفة، كالاتفاق المغربي-الإسرائيلي للتعاون الأمني بمفهوم الدفاع المشترك.

أولئك وهؤلاء هم الذين ”يتلذذون” برؤية الجزائر تهدي نفسها متهورة كحقل مجابهة بين الشرق والغرب، علما أن كلا من الروس والأمريكان، كل خدمة لصالح جيوستراتيجيته الخاصة، يعمل لإزعاج الاتحاد الأوربي، أو، ”وهو أضعف الإيمان”، للنيل من مناعته.

هو فشل هؤلاء وأولئك الذين يسعون، على الدوام، لإلهاء الجزائر في الهوامش المبتدعة وطنيا وفي الخصومات ”القبلية” في المغرب العربي، مما يشغلها عن تحقيق طموحاتها المشروعة في الشموخ في آجال معقولة.

المـــــــراجع:

(6عبد القادر عبد الرحمان . معهد الدراسات الأمنية

Instute for Security Studies .Publié le 22 mars 2022 ; 44 CET

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!