محترفون أو محترقون
منذ دخل الاحتراف المفتوح ساحات كرة القدم بشكل واسع النطاق في ثمانينات القرن الماضي، أصبح استقدام النجوم الأجانب إلى صفوف الأندية المحلية مسألة تقليدية، ومع مرور الوقت ازداد عدد اللاعبين الأجانب في كل ناد حتى كان قانون بوسمان، الذي سمح لأي لاعب من دول الاتحاد الأوروبي باللعب في أندية كل دول الاتحاد دون اعتباره أجنبيا.. وتفاقمت الأمور حتى أصبحنا أمام أندية تلعب مبارياتها الرسمية بلا أي لاعب محلي.. وهو أمر تكرر كثيرا في انجلترا لاسيما من تشيلسي وأرسنال.
الأندية العربية لم تقف مكتوفة الأيدي وبادرت إلى الدخول في سباق الاحتراف.. وكانت أندية الخليج لاسيما في السعودية الرائدة في ذلك السباق منذ نهاية السبعينات.. ولا ننسى تألق البرازيلي ريفيلينو والتونسيين تميم وعقيد في أندية السعودية.. ويعود لهؤلاء النجوم فضل ارتفاع مستوى اللعبة والدوري في المملكة وإقبال الجماهير الغفير على مبارياتها.
ولكن ماذا عن الجزائر؟.. هل لدينا لاعبون محترفون فعلا؟.. أو أنهم محترقون في مجال الاحتراف؟ هل استفادت الجزائر من المحترفين الأفارقة أو غيرهم؟.. هل ترك أي لاعب محترف بصماته المحفورة على جدران اللعبة أو في عقول الجماهير؟ هل خرج أي محترف إفريقي أو عربي تألق في أحد الأندية الجزائرية إلى ناد أوروبي كبير؟
للأسف، الماضي بلا نجوم والحاضر بلا نجوم.. والمستقبل يبدو شاحبا إذا سارت الأمور على نفس الوتيرة، وبدلا من الاقتصار على الآراء والتعليقات، دعونا ننظر إلى ثلاثة نماذج في الكرة الجزائرية.. واخترنا الفريق المتصدر الحالي للترتيب بعد ثلاثة مراحل، وهو شباب بلوزداد ومعه وفاق سطيف البطل الحالي لدوري أبطال إفريقيا وكذلك اتحاد الجزائر المتأهل إلى نصف نهائي دوري الأبطال.. ويمكننا من خلالها الاستدلال على الحالة المؤسفة التي تعيشها ظاهرة الاحتراف واستقدام اللاعبين الأجانب للفرق المحلية.
شباب بلوزداد المتصدر لديه ثلاثة هم المهاجمان الجابوني بونافنتير سوكامبي والبنيني محمد أودو، ولاعب الوسط الكاميروني ميخا نجومو.. ووفاق سطيف بطل إفريقيا في صفوفه محترفان هما لاعبا الوسط أودي داجولو من افريقيا الوسطي وامادا من مدغشقر (والأخير ذو مشوار طويل بين الأندية الجزائرية)، وكلاهما لم يضع بصماته حتى الآن على شباك منافسيهما بالدوري، وأخيرا اتحاد الجزائر العاصمة المتأهل إلى نصف نهائي دوري الأبطال لديه لاعبان أيضا كاروليس اندريا من مدغشقر تواجد لزمن يقل عن الساعة في مباريات فريقه بالدوري.. وروستان كاكو من الكاميرون والأخير لم يعرف الطريق إلى الملعب في الموسم الحالي وفشلت صفقة إعارته إلى نصر حسين داي..و تفاقمت الأمور، حيث اتهم إدارة النادي قبل أسبوعين بالتزوير لإجباره على الرحيل بسبب تدني مستواه.. ومن المنتظر تصعيد الأمر إلى الفيفا والمحكمة الرياضية لتكون الصورة السيئة الثانية بين الكرة الجزائرية والكاميرون بعد عام من مصرع البيرت ايبوسي.
وأتحدى أن يكون أي لاعب من هؤلاء السبعة معروفا أو له شأن في الكرة الإفريقية وليس العالمية بالطبع.. أو أن يكون ذا دور في ترجيح كفة فريقه، لا خلاف أن أسعار اللاعبين المحترفين الأكفاء ارتفعت إلى أرقام فلكية.. وأن الأندية الجزائرية صاحبة الإمكانات المحدودة والمداخيل المتواضعة، ما يحول دون إقبالها على استقدام لاعبين على مستوى فني ومهاري مرتفع أو يمتلكون أسماء وشهرة كبيرة.. ولا مجال طبعا للمنافسة بين الأندية الجزائرية وأقرانها في أوروبا، ولا مجال أيضا للتنافس مع الأندية الخليجية في السعودية والإمارات وقطر والكويت في السباق لشراء النجوم المحترفين من إفريقيا.. حتى الصراع لاستقدام الأفارقة المحترفين أصحاب المستوى المتوسط لا يبدو متكافئا مع أندية مصر وتونس والسودان (خاصة الأهلي والزمالك والترجي والنجم الساحلي والهلال والمريخ) التي تدفع أموالا أكثر بلا ضوابط أو معايير.
إذن ما العلاج؟.. هل هو إغلاق باب الاحتراف أمام اللاعبين الأجانب سواء من إفريقيا أو أي مكان آخر؟.. بالطبع.. إغلاق باب الاحتراف يمثل ارتدادا للخلف لا نحبذه ولا نؤيده.
العلاج هو الاستفادة من الأموال المحدودة، التي تمتلكها الأندية الجزائرية وتخصصها لشراء اللاعبين الأفارقة في انتقاء المواهب صغيرة السن، لاسيما من الدول التي لا تنتشر فيها عيون واكاديميات الأندية الأوروبية.. ونعرف جميعا أن لكل أندية أوروبا الكبرى الآن مندوبون في كوت ديفوار والكاميرون والسنغال وغانا ونيجيريا لاقتناص أي موهبة فريدة حتى ولو كان عمره أقل من 14 عاما.. ولذلك يجب أن يكون للأندية الجزائرية عيون ومندوبون في الدول الأخرى الغنية بالمواهب مثل غينيا وزامبيا والكونغو والرأس الأخضر.. وهي بعيدة نسبيا عن عيون وقناصة أندية أوروبا.. والناشئ الموهوب الذي لا يزيد عمره عن 18 عاما ولم يجد مكانا في أي فريق من فرق بلاده الكبرى لن يزيد سعره عن خمسين إلى مائتي ألف دولار وسيكون راتبه محدودا أيضا.. وفي حالة التعاقد معه لخمسة مواسم يشارك خلالها الناشئ أولا مع فرق الشباب والاحتياطيين، ثم يتم تصعيده التدريجي إلى الفريق الأول مع تأقلمه على الحياة والتقاليد والأجواء الجزائرية الغريبة عليه.. وفي هذه الحالة سيكون له شأن كبير خلال ثلاثة أعوام أو أكثر على الصعيد الفني.. وسيرتفع سعره إلى عشرين ضعفا على الأقل.
دعونا نحاول النظر إلى المستقبل.. ولو لمرة واحدة.