-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

محمد السعيد… الإصلاح والتجديد

محمد السعيد… الإصلاح والتجديد
ح.م

لعلّه من الصدف اللافتة أن يتزامن تعيين محمّد السعيد في منصب وزير مستشار للاتصال، ناطق باسم رئاسة الجمهورية أمس مع تحذير الأخيرة من تداول المعلومات المغلوطة، وتأكيدها أنّ الأخبار الرسمية تنشر حصريّا عبر وكالة الأنباء الجزائرية، دحضًا لكل أشكال الدعايات المغرضة والأنباء التضليليّة لإيھام الرأي العام، والتعدّي على القوانین وأخلاقیات المھنة.

وبغضّ النظر عن بعض التعابير الحادة في البيان الرئاسي، فلا شكّ أنّ مضمونه بهذا الخصوص صائب من حيث المبدأ، لأنّ حالة العبث التي طغت على الإعلام الجزائري في السنوات الأخيرة، بفعل السلوكيات التي كرستها العصابة ضمن “حرب العُصب”، قد حرّفت المهنة وحوّلتها من منبر حرّ لنقل انشغالات المواطن إلى منصة حربية قذرة في خدمة الأسياد على حساب الحقيقة، دون أدنى اعتبار للأخلاق والمروءة.
وتثمينا للخطوة يجب أن يتجاوز تصحيح الوضع الخاطئ ما يتعلق بحدود التعامل مع المعلومة الرسمية إلى ضبط كافّة جوانب القطاع الذي يعاني تداعيات الفوضى بعد ثلاثين عاما من إقرار تعددية لم تختلف كثيرا من الفكر الأحادي سوى في كثرة العناوين.

لكن التهديد والوعيد بالوضع تحت طائلة القانون والعقاب القضائي غير كاف وحده لفرز المشهد الإعلامي وتطهيره من الفساد، وحتى يكتمل المسعى الصادق في كبح دابر الإشاعات، وجب أوّلا قطع الطريق أمامها، باتخاذ الأسباب التي تصنعها وتوفر لها البيئة الخصبة، وتهيئ الأذهان لتقبلها، في ظل الفراغ والغلق الصحفي أمام المهنيّين المحترفين.

إذا كان الدستور الحالي في المادة 41 منه يؤكد أن “الحصول على المعلومات والوثائق والإحصائيات ونقلها مضمونان للمواطن”، فبأيّ حقّ يُمنع الصحفيّون من الوصول إلى الخبر؟

لقد دأب المسؤولون في بلادنا على كتم كلّ شيء عن الرأي العام، حتّى لو كان دون مستوى الأسرار الخاصّة للدولة، لأن ثقافتهم السياسيّة غير مبنية على الشفافيّة والتعامل مع الشعب من منطلق الخدمة العموميّة، بل يجتهدون في تغييب الحقيقة عن المواطن وتركه فريسة للتغليط والتضليل، سواء كان ذلك عن عمد مسبق أو عن سوء تصرف وتقدير فالنتيجة واحدة.

إنّ القوانين كرّست حق المواطن في الخبر، بينما المؤسسات الدستورية والحكومية وحتى الإدارات التنفيذية في مستويات أقلّ منها، لم تكلف نفسها في غالب الأحيان تعيين ناطقين رسميين معروفين باسمها، يتحدثون دوريّا وبصفة مباشرة لإبلاغ المواطنين بكلّ المعلومات الصحيحة التي تهمّ الشأن العام، بدل ممارسة الوزراء لتصريحات ترويجية كاذبة، والتي طالما ظهر زيفها وخداعها لكبار المسؤولين قبل عامّة الناس، بشهادة المستقيل عبد العزيز بوتفليقة في مناسبات عديدة.

عندما تصبح المعلومة متاحة للجميع دون لفّ ولا دوران لن تجد الأخبار الزائفة فرصة للرواج، لأنّ المصادر غير مجهولة ولا سريّة.
نعود إلى تسمية محمد السعيد كوزير مستشار للاتصال لدى رئيس الجمهورية، حيث نعتقد أن التكليف جاء في وقت مناسب، بل قدّم رسالة مطمئنة في الاتجاه الصحيح، تبشّر بإصلاح الاختلالات وإعادة تنظيم العلاقة مع المؤسسات الإعلامية والرأي العام الوطني والدولي على أسس احترافية، تواكب روح العصر المتسم بالانفتاح وهيمنة المعلوماتية في زمن “القرية الصغيرة”.

ودون مجاملة، فإنّ الرجل ذو نزعة إصلاحية على الصعيدين السياسي والإعلامي، واستقالته من الحكومة في وقت سابق جاءت على خلفية أفكاره ومواقفه ورؤيته للإعلام الديمقراطي، لذلك نأمل اليوم أن تكون الفرصة سانحة حتى يعيد محمد السعيد ترتيب البيت على قواعد سليمة ومتينة، ضمن مقاربة إصلاحية شاملة، تضع ترقية الاتصال والإعلام بكل أشكاله وخدماته ضمن الأولويات الوطنية الملحّة.
أكثر من ذلك، نأمل أن يندرج التعيين في إطار هيكلة جديدة للقطاع، تحرّره من الوصاية الحكومية التقليدية ليكون مؤطرًا عبر سلطات ضبط مستقلة، تكتفي فيها الدولة برسم السياسة العامّة وترسيم الحدود القانونية والتنظيمية بالتشاور مع الشركاء، بما ينسجم مع معايير الإعلام الحرّ، كرافد أساسي في الحياة الديمقراطية المعاصرة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • ابن الجبل

    من يعتقد أنه يمكن اصلاح القارب المعطل بأخشاب قديمة فقد أصابه مرض الوهم ... !!.

  • Dragados

    نعم...هكذا...نريد كفاءات و تيكنوقراط مثل بلعيد محند أوسعيد
    فالسيد ( بلعيد محند أوسعيد ) من مواليد 20 جانفي 1947 ينحدر من قرية بوعدنان بولاية تيزي وزو، متزوج وأب لثلاث بنات، وحامل لشهادة ليسانس في القانون الدولي العام وكذا ديبلوم في العلوم السياسية.
    وتولى الوزير المستشار للاتصال الناطق الرسمي لرئاسة الجمهورية عدة مناصب ومسؤوليات طيلة مساره المهني