-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
في كواليس التاريخ

مذكرات محمد مشاطي (2 / 2)

محمد عباس
  • 7372
  • 0
مذكرات محمد مشاطي (2 / 2)

يقول المناضل محمد مشاطي إنه كان في ربيع 1954 مع اللجنة المركزية لحركة انتصار الحريات الديمقراطية، من موقفها الداعلي إلى طرح الخلاف مع زعيم الحركة الحاج مصالي على مؤتمر استثنائي للبت فيه، والواقع أن الاحتكام إلى المؤتمر الاستثنائي لم يكن يومئذ وقفا على اللجنة المركزية وحدها، بل كان موقف جميع الفرقاء في الحركة، من مصاليين ومحايدين وثوار فضلا عن المركزيين طبعا (*).

وبحكم احتكاك مشاطي بمحمد بوضياف وأركان “المنظمة الخاصة” بالعاصمة، دعي للمشاركة في اجتماع الـ 22 الذي انعقد بالمدنية (صالامي) في 25 يونيو من نفس السنة، ويقدم في هذا الصدد الملاحظات التالية:

1 ـ أنه جاء الاجتماع ـ الذي استضافه المناضل إلياس دريش ـ وهو يجهل موضوعه، مفترضا أن يكون خلاف القمة محور اللقاء.

2 ـ أن بوضياف كان في استقباله بمقر الاجتماع، واختار له مكانا للجلوس بين بوشعيب بالحاج (أحمد) وبوجمعة سويداني ـ كلاهما طريد راسخ الاقتناع بالاختيار الثوري.

3 ـ أن مكتب إدارة الاجتماع كان جاهزا، ويضم الأسماء التالية: بوضياف، بن بولعيد، بن مهيدي، ديدوش، بيطاط، أي نفس الأسماء التي شكلت لاحقا أمانة الحركة المنبثقة عن “مجلس الـ 22” عقب هذا الاجتماع التاريخي الذي اتخذ قرار إعلان الثورة في أجل مسمى، وجد مشاطي نفسه مع ما أصبح يعرف “بجماعة قسنطينة” رفقة صديقه عبد السلام حباشي واثنين من أعضاء قسمة قسنطينة ـ من الجناح المحايد ـ هما السعيد بوعلي وسليمان (رشيد) ملاح.

 

رفض قرار.. الأغلبية

 

جارى هؤلاء الأربعة الأغلبية في الاجتماع المذكور بشأن إعلان الثورة، لكنهم عادوا “ليطعنوا ـ حسب الشاهد ـ في هذا الاجتماع ونتائجه جملة وتفصيلا”! فقد اجتمعوا بقسنطينة على حدة، ليتفقوا على ضرورة التريث بهدف التحضير للثورة تحضيرا أفضل، والبحث عن وجه سياسي مقبول لحمل رايتها..

وفي هذا الإطار قاموا في صائفة 1954 بزيارة العلمة بنية عرض الأمر على الدكتور محمد الأمين الدباغين ـ المسحب من حركة الانتصار منذ ديسمبر 1949 ـ لكنهم لم يجدوه… وقد دفعهم ذلك إلى الاتصال بمسؤول “المنظمة الخاصة” السابق على مستوى منطقة قسنطينة عبد الرحمان ڤراص الذي كان آنذاك مسؤولا لناحية “ليون” لاتحادية حركة الانتصار بفرنسا.

جاء ڤراص فعلا واجتمع مع المنسحبين الأربعة من “مجلس الـ 22″، وقرروا معاودة الاتصال ببوضياف ورفاقه في الأمانة المنتخبة باسم هذا المجلس، وعقد اجتماع فعلا بقسنطينة حضره الأربعة مدعومين بڤراص ويوسف حداد مسؤول القسمة من جهة، وحضره ديدوش بصفته المسؤول الأول على إعلان الثورة في الشمال القسنطيني ـ وقوفا بمختار الباجي وبن طبال والساسي بن حملة من جهة ثانية.

وكانت خلاصة مطلب ڤراص ورفاقه “عقد اجتماع ثان بالعاصمة للتخطيط للثورة بطريقة أفضل”.. لكن ديدوش ـ حسب الشاهد دائما ـ رفض هذا المطلب، داعيا إياهم إلى الالتحاق بقطار الثورة الذي كان على أهبة الانطلاق.. وفي لقاء ثان بالعاصمة مع بوضياف، طلب ڤراص ـ باسم “جماعة قسنطينة” ـ عقد اجتماع موسع لقادة “المنطقة الخاصة” سابقا في العمالات الثلاث.. غير أن بوضياف ورفاقه اعتبروا مثل هذه المطالب ضربا من المماطلة والتعطيل، فواصلوا مشوار التحضير للثورة غير آبهين بمطالب “الجماعة”.

 

مرض.. عشية الثورة..

 

وفي أكتوبر 1954 طلب مشاطي من البشير شيحاني أن يجمعه ببن بولعيد، فاعتذر له عن عدم إمكانية الاستجابة لطلبة.. فما كان منه إلا أن سلمه عددا من الصواعق كانت بحوزته، قبل أن يبحر باتجاه فرنسا للعلاج، بعد أن أنهكه مرض صدري خطير.

إلتحق في البداية بصديقه عبد الرحمان ڤراص، مسؤول ناحية ليون باتحادية حركة الانتصار في فرنسا الذي ساعده في الالتحاق بمصحة متخصصة، مكث بها للعالج شهرين كاملين. وعند مغادرة المصحة في منتخب فبراير 1955 كان قطار الثورة قد انطلق.. فبحث عن صديقه ڤراص فلم يجد له أثرا، بعد أن فرضت عليه حياة السرية، اثر انضمامه إلى النواة الأولى لاتحادية جبهة التحرير الوطني في فرنسا بقيادة مراد طربوش. وفي مارس الموالي تجدد اللقاء بين الرجلين فالتحق مشاطي بدوره بالاتحادية…

في يونيو من نفس السنة تمكنت مصالح الأمن الفرنسية من تحييد النواة القيادية الأولى للاتحادية ما عدا ڤراص، وذلك باعتقال طربوش وكل من محمد العربي ماضي وزروقي. فبادر العضو الناجي بتكوين قيادة جديدة، باستدعاء صديقه مشاطي وكل من أحمد الدوم ونور الدين (فضيل) بن سالم، وبعد تقسيم التراب الفرنسي إلى أربع مناطق تقاسم الأربعة المهام فيما بينهم على النحو التالي:

ـ منطقة ليون ـ مرسيليا، احتفظ بها ڤراص

ـ منطقة الشمال، تولاها بن سالم

ـ منطقة باريس، تولاها الدوم

ـ منطقة الشرق، تولاها مشاطي

 

المصاليون.. سبقوا بالعدوان

 

اعترض سبيل مشاطي أول وهلة صعوبة انحياز معظم مناضلي المنطقة من العمال الجزائريين إلى جناح زعيم الحركة الحاج مصالي، وأكثر من ذلك اقتناعهم عن بكرة أبيهم بأن “الزعيم” و”الحركة الوطنية الجزائرية”(1) هما من أعلن ثورة فاتح نوفمبر 1954.

ويؤكد الشاهد أن أنصار مصالي كانوا سباقين لاستعمال القوة مع عناصر جبهة التحرير، ويبدو ذلك طبيعيا ومنطقيا نظرا لكثرهم وقناعتهم كذلك، فقد اعتدوا عليه شخصيا إثر اجتماع قيادة الاتحادية “بليون”، كما اغتالوا صديقه وسماعده بوشمال في باريس.

وأمام تكرر مثل هذه الاعتداءات، قررت الاتحادية في أواخر 1955 أنشاء أفواج هجومية لحماية عناصرها.

ومن منجزات الاتحادية تأسيس صحيفة المقاومة الجزائرية (الطبعة أ) التي صدر العدد الأول منها غداة الذكرى الأولى لثورة فاتح نوفمبر.

ومن ذكريات المناضل مشاطي أنه صادف بأحد مطاعم الحي اللاتيني المفتش الشهير الشريف الواعر (بن خرخار) الذي كان يطارد مناضلي الحركة الوطنية بقسنطينة. ويخبرنا الشاهد بالمناسبة أن فدائيي المدينة استهدفوه وأصابوه بجروح استدعت نقله إلى باريس، حيث لقي حتفه لاحقا بمحطة “سان لزار”… 

 

“لا حق لكم .. في المحاكمة”!

في أواخر أوت 1956 اعتقل مشاطي بساحة “لاناسيون” في باريس رفقة المناضلين شبلي وعبد الكريم السويسي.. وأمام قاضي التحقيق أعلن أنه يتحمل المسؤولية وحده، مخففا بذلك عن مرافقيه الذين تم الإفراج عنهما بعد فترة قصيرة.

سجن بعض الوقت في “لاصنتي”، لكن بعد اختطاف طائرة بن بلة ورفاقه في 22 أكتوبر نقل إلى سجن “أفران”. وبعد أقل من شهرين أعيد إلى السجن الأول إثر إضراب عن الطعام، مطالبة بنظام السجناء السياسيين الذي استفاد منه القادة ضحايا عملية القرصنة الشهيرة.

لم يحاكم مشاطي أسوة ببن بلة ورفاقه.. لأن وكيل الجمهورية أفهمهم باختصار أنه لا يمكن أن ينتظروا منه منحهم منبرا يتداولون عليه لشتم فرنسا! مضيفا بصراحة: “انتظروا ما شئتم! لن تغادروا السجن إلا بعد نهاية الحرب!”.

في أواخر فبراير 1957 تمكن الأمن الفرنسي من أسر عناصر هامة في قيادة الاتحادية، يتقدمهم رئيس الاتحادية الجديد محمد لبجاوي، مرفوقا بصالح الوانشي والدكتور أحمد طالب الإبراهيمي. وقد سجنت هذه العناصر في “لاصنتي” حيث أسندت تهمة الاتصال بإدارة السجن إلى لبجاوي.

ويخبرنا الشاهد بأن الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي كان يدرّس العربية بالسجن، وأنه كان من بين تلامذته.

مكث المناضل مشاطي بالسجن حتى صائفة 1961، عندما أفرج عنه لأسباب صحية مع الإقامة الجبرية في مدينة “ران”، وقد وجد بجامعتها طالبين في الطب هما زيدان شارف ومصطفى مزوني اللذين ساعداه في الهروب من المدينة إلى باريس،ومنها إلى بروكسل، قبل أن يستقر به المقام في مدينة “كولن” الألمانية.

وجد بهذه المدينة طالب الطب عمار بن عدودة، فنصحه بالذهاب للعلاج في سويسرا الفرنكوفونية، وهناك أدركه الاستقلال، فكان من المشاركين في تأسيس “ودادية الجزائريين بفرنسا” بطلب من وزير الخارجية محمد خميستي ومحمد لبجاوي الذي كان من المقربين إلى الرئيس أحمد بن بلة، أول رئيس جمهورية في الجزائر المستقلة.

في يناير 1963 عاد إلى الجزائر ليعمل في السلك الدبلوماسي، وكانت أول مهمة له فتح سفارة الجزائر بألمانيا الاتحادية (بون). وتقاعد سنة 1984، بعد آخر منصب له كسفير للجزائر لدى جمهورية المجر التي لم يمكث بها سوى سنة واحدة.

 

(*) طالع الشروق اليومي عدد الثلاثاء الماضي

(1) أسس مصالي وأنصاره هذه الحركة في ديسمبر 1954، بأمل انتزاع زمام المبادرة من جبهة التحرير الوطني.

 

 

فاتح نوفمبر بسطيف

هل حرم مشاطي المنطقة من شرف المشاركة؟!

هل حرم المناضل محمد مشاطي منطقة سطيف من شرف المشاركة في عمليات ليلة الفاتح من نوفمبر 1954؟ 

هذا ما يفهم من شهادة (*) مناضلين مرموقين من المنطقة هما محمد نذير امعيزة ورابح حربوش، كانا من المشرفين على تأسيس “المنظمة الخاصة” بسطيف، تحت الإشراف المباشر لمحمد العربي بن مهيدي. يقول المناضل امعيزة أن بوضياف زار المنطقة في ربيع 1954، بهدف معاودة الاتصال بالأعضاء السابقين في “المنظمة الخاصة” علما أن خلايا هذا التنظيم السري شبه العسكري بسطيف وضواحيها لم تكتشف عقب حادثة تبسة في أواخر مارس 1950. وقد طلب منا بالمناسبة تجديد الاتصال بهؤلاء الأعضاء، والشروع في شراء ما أمكن من أسلحة.

وفي صائفة نفس السنة استدعاني إلى العاصمة، بصفتي مسؤول ناحية سطيف لحركة الانتصار، واجتمع بي في محل المناضل عيسى كشيدة بحضور مراد ديدوش وبن مهيدي، وأخبرني يومئذ بتعيين ديدوش مسؤولا على (شمال) الشرق الجزائري. وبالمناسبة أكد لي ديدوش ذلك، متعهدا بإرسال مبعوث إلى سطيف في حالة تعذر حضوره شخصيا.

وفعلا ما لبث أن أوفد إلينا محمد مشاطي الذي اجتمع بنا في إطار التحضير العملي لإعلان الثورة في أجل قريب.

ويضيف المناضل رابح حربوش أن 45 مناضلا كانوا جاهزين عشية فاتح نوفمبر 54 ينتظرون إشارة الضوء الأخضر في سطيف والعلمة وعموشة والعين الكبيرة وأولاد علي بن ناصر.

لكن هذه الإشارة لم تأت لأن المعول عليه – أي محمد مشاطي- اختفى، ما جعل الاتصال ينقطع بقيادة المنطقة.. وبالتالي عدم مشاركتها في ذلك الموقع التاريخي المصيري، لأن التعليمات الأخيرة من ديدوش ومساعديه لم تصلها.

هذه الصفحة المجهولة في مسيرة مشاطي النضالية لم يتناولها في مذكراته، ولعله لم يطلع كذلك على شهادة هذين المناضلين -وإضرابهما، لذا نتطوع في هذه العجالة لتذكيره بها، حتى يوضح للقارئ الكريم هذه النقطة الهامة. 

(*) وردت هذه الشهادة الهامة في العدد 88 / 89 من مجلة أول نوفمبر، الصادرة عن المنظمة الوطنية للمجاهدين

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!