مرضى يلاقون ربهم قبل أن يلاقوا الطبيب!
إذا اضطرتك ظروفك الصحية إلى إجراء عملية جراحية أو فحوصات طبية في مستشفى حكومي أو حتى عند طبيب مشهور، فعليك أن تعرّج على طبيب أعصاب ليوصي لك ببعض المهدئات حتى لا تطيش أعصابك وأنت في انتظار الموعد الطبي الذي لن يحين إلا بعد عدة أشهر وربما… بعد موتك!
-
أجل، فالمواعيد الطبية هي أحد الأمراض “المزمنة” التي تضاف إلى قائمة الأمراض التي تعاني منها الصحة في بلادنا، ومع ذلك تجد من يستميت في الدفاع عن “عرضها” و”شرفها” أمام شاشات التلفاز وصفحات الجرائد!.
-
-
مات قبل أن يحين الموعد!
-
يعتبر مرضى السرطان الذين يحتاجون في الغالب إلى العلاج الكيميائي، أكثر المرضى تضررا من تأخير المواعيد الطبية التي تمتد أحيانا إلى شهور عدة، حيث يكون المرض قد انتشر في كافة أنحاء الجسم، ويصبح السيطرة عليه بالعلاج الكيميائي أمرا غير مجد، مثل هذه الحالة تعرض لها مريض بالسرطان أصبح الآن في عداد الموت، فبعد أن خضع لعملية جراحية تبين انه مصاب بالسرطان على مستوى المعدة، وهو ما استدعى تدخل العلاج الكيميائي، ولكن متى.. انتظر المريض أكثر من ثلاثة أشهر ليتم إبلاغه بموعد العلاج الذي يتم في احد مستشفيات العاصمة بينما يقيم المريض بولاية سطيف، ولكنه تفاجأ لدى وصوله إلى المستشفى بتأجيل العلاج بحجة غياب الطبيب المختص، وعاد بعد شهر ليتم إبلاغه أن الدواء غير متوفر، وبعد مدة طويلة تمكن من اخذ حصتين من العلاج الكيميائي، لكن في المرة الثالثة تم صرفه لأن إحدى الشخصيات “المهمة” أخذت مكانه، وما كان عليه إلا أن يفوض أمره إلى الله، وشيئا فشيئا تدهورت صحته إلى أن سلّم الروح إلى بارئها. والجدير بالذكر أن هذا المريض ما هو إلا واحدا من عشرات المرضى الذين تم التلاعب بصحتهم والذين حتما لقوا نفس المصير.
-
-
”القلب” على القلب!
-
وتأتي أمراض القلب في المركز الثاني من حيث أهمية التعجيل بالعلاج، خاصة إذا كانت حالة المريض تستدعي تدخلا جراحيا، وبما أن مستشفياتنا تعمل بنظام “بني عميست” و”بني خاليست” فليس للمريض بد من الاستسلام للمرض، وقراءة الفاتحة على روحه التي ولا شك ستفارقه بين لحظة وأخرى قبل أن ترق قلوب “الملائكة” التي تكون قد تسبّبت في إصابته “بقلب” آخر على قبله المريض، في هذا الصدد يقول أحد مرضى القلب عن مريض كان معه في نفس الغرفة، انه مات قيل أن يحين دوره لزرع بطارية القلب.
-
-
العيادات الخاصة أيضا
-
وإذا كان هذا حال المستشفيات، فحال العيادات الخاصة ليس اقل سوءا، ومن باب الأمانة يجب أن نشير إلى أن الأطباء أحيانا ليس لديهم دخل في تأخير مواعيد المرضى، اللهم إلا إذا كان الطبيب خرج في إجازة دون أن يعلم المريض، فبعض الممرضين يتصرفون دون علم الطبيب، ويعطون مواعيد قريبة لأشخاص تربطهم بهم علاقة قرابة أو صداقة على حساب المرضى الآخرين، حتى وإن كانت حالتهم الصحية لا تحتمل كل هذا التأخير، ولكن من يسمع؟ تقول نبيلة: “دهشت عندما سمعت الممرضة تحدد للمريضة في عيادة لأمراض الغدد والسكري، موعدا مع الطبيب في شهر جانفي، ونحن في شهر جويلية، فهل ستصمد هذه المرأة التي أنهكها المرض حتى شهر جانفي؟!.
-
أما سامية فتقول: زرت يوما طبيبا للأمراض الباطنية وكنت حينها في حالة يرثى لها، وملامح وجهي تدل على ذلك، ولكن الممرضة لم تشفق على حالي، وطلبت مني أن أعود في السادسة صباحا لأخذ دوري، مع أن قاعة الانتظار كانت فيها أربع نساء فقط!
-
وهذه حياة تقول: “ذهب زوجي ليأخذ لي موعدا عند طبيب الروماتيزم، فأعطته الممرضة موعدا لأسبوع آخر، فقال لها زوجي: “حتى هذا التاريخ تكون زوجتي قد شلت”.
-
لم تكن هذه العينات إلا قطرة من بحر، فلا شك أن مئات، بل آلاف المرضى “الأحياء” يحتفظون بمواعيد طبية لا تنفع معها إلا الرزنامات، أما “الأموات” فأكثرهم لاقوا ربهم دون أن يلاقوا “الطبيب”، والظاهر أن الأطباء والممرضين المسؤولون على تحديد المواعيد الطبية، لا يمثل لهم المرضى إلا أرقاما تملأ حساباتهم، وإلا لما كان لسان حالهم يقول: “موتوا تصحوا …”!