-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مستشفى “الدمار الشامل”

مستشفى “الدمار الشامل”

“ما نقدِّمه لكم هي حقائق واستنتاجات مبنية على استخبارات قوية، تؤكد امتلاك العراق أسلحة دمار شامل”.. هي عبارةٌ وردت في خطاب لوزير الخارجية الأمريكي الراحل كولن باول، أمام مجلس الأمن يوم 5 فيفري 2003، لتبرير قرار بلاده غزوَ العراق. وبعد عشرين سنة تكرر المشهد ذاتُه في غزة من سلطات احتلالٍ تبحث منذ شهر من الجرائم عن صورة نصر وهميةٍ في غزة، ووجدت ضالَّتها في أكبر مستشفيات القطاع، بإعلان مجمع الشفاء مركزا لقيادة المقاومة من أجل توفير الغطاء لمحاصرته واقتحامه والتنكيل بالمرضى والطواقم الطبية.
وقامت إدارة جورج بوش الابن عام 2003 بتضليل العالم من خلال أنبوب يحوي مسحوقا أبيض (الجمرة الخبيثة)، باعتباره دليلا ملموسا على امتلاك العراق أسلحة دمار شامل، وكانت هذه الكذبة غطاء لتدمير بلد عربي وتركه غارقا في الفقر والإرهاب والصراع الطائفي إلى اليوم.
ورغم أن لجنة تحقيق رسمية كشفت زيف هذه المزاعم، كما أن عرّاب الغزو كولن باول خرج بعد عامين ليعبِّر عن ندمه على “كذبة” إدارته وأنها ستظل “وصمة عار في مسيرته السياسية”، لكن الذي حدث أن عجلة التاريخ لم تعُد إلى الوراء والولايات المتحدة الأمريكية بقيت فوق المحاسبة على هذه الحرب الظالمة، وعادت اليوم مرة أخرى إلى رعاية طفلها المدلل في الشرق الأوسط، والذي يرتكب جرائم لم يسبق أن شهدها التاريخ الحديث بحق شعب أعزل محاصَر منذ عقدين.
وكانت آخر حلقات هذه الجرائم أن إدارة جو بايدن منحت ضوءا أخضر لمحاصرة مجمع الشفاء واقتحامه، وهو أكبر مستشفى في غزة، وزكّت من دون تحقيق مزاعم حكومة نتنياهو بأنه مركزُ قيادة عمليات المقاومة الفلسطينية ومكانٌ لاحتجاز الأسرى، كما تبنَّى هذه الرواية مفوِّضُ السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، رغم عدم وجود دليل واحد لتبرير استهداف أماكن محمية بموجب القانون الدولي.
وقبل الاقتحام، استهدف جيش الاحتلال الصهيوني ساحة المستشفى ومداخله عدة مرات وظل يهدد باقتحامه وسط صمت دولي مريب، وهو ما شجَّعه على الاستمرار في جرائمه، وكما فعل باول قبل عقدين، ظل نتنياهو وقيادة جيشه يرددان أن هناك معلومات استخباراتية مؤكدة حول وجود أسرى ومراكز قيادة العمليات بالمشفى، فيما وجهت حماس نداءات للأمم المتحدة والمجتمع الدولي لإرسال لجان تحقيق مستقلة للتأكد من زيف هذه الادِّعاءات، لكن بلا جدوى.
لكن الذي حدث بعد الاقتحام أن وسائل إعلام عبرية نشرت معلومات حول عدم وجود رهائن أو أنفاق في المكان، كما لم تحدُث اشتباكاتٌ مع مقاومين داخله، رغم أن أهمّ هدف للعملية البرية كان الوصول إلى مجمع الشفاء الذي سوَّقه نتنياهو ومعه إدارة بايدن للرأي العام في صورة ثكنة كبيرة للمقاومة.
والأكيد في كل هذه السردية أن سلطات الاحتلال جهّزت مسبقا مسرحيةً جديدة للتغطية على اقتحام المستشفى، من خلال بثِّ صور مفبركة حول وجود أسلحة ومراكز للمقاومة، وحتى نشر “شهادات” تحت الإكراه لمعتقلين تم توقيفهم داخله.
وذهب متابعون لتطوّرات الحرب إلى التأكيد على أن استهداف أكبر مجمع طبي بغزة والذي يأوي آلاف النازحين من القصف في ساحاته أيضا، يدخل ضمن مخطط تهجير سكان شمال القطاع نحو الجنوب، بعد رفضهم دعوات سلطات الاحتلال لإخلاء المنطقة.
لكن الثابت بشأن هذه الهمجية الصهيونية أن من يوصف بأقوى جيش في المنطقة، وبعد أكثر من شهر من إلقاء آلاف الأطنان من القنابل والصواريخ واجتياح القطاع من مختلف الجهات، لم ينجح في اعتقال أيِّ مقاوم أو تحرير أسير واحد أو الوصول إلى منظومة أنفاق المقاومة ومراكزها لإدارة المعركة، مع استمرار الصواريخ في دكِّ عدة مدن ومستوطنات بما فيها تل أبيب، بل أكثر من ذلك تحولت غزة إلى مقبرة لمدرَّعاته ودبَّاباته، وهو الآن يبحث عن نصر وهمي في المستشفيات لتسويقه للداخل الذي يعيش حالة غليان، فضلا عن البحث عن ورقة للتفاوض من موقع قوة بشأن ملف الأسرى والهدن الإنسانية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!