-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مسلمو فرنسا، والبحث عن حق المواطنة

مسلمو فرنسا، والبحث عن حق المواطنة
ح.م

كان مسلمو فرنسا، على موعد مع تجمعهم السنوي المعتاد، من يوم12 رجب 1439هـ، الموافق لـ: 30 مارس 2018م، إلى 15 رجب 1439هـ، الموافق لـ: الثاني من أبريل 2018م.
فهذا هو التجمع الخامس والثلاثون، الذي يعقده مسلمو فرنسا بنجاح كل سنة، في ضاحية باريس الجميلة، لو بورجي «Le Bourget»، حيث يحشدون له كل الطاقات والإمكانات البشرية، والثقافية والاقتصادية.
وقد انعقد تجمع هذه السنة وسط ظروف بالغة التأزم، سواء على الصعيد الفرنسي أو على الصعيد الإسلامي.
فعلى الصعيد الفرنسي سبقت تجمع هذه السنة أحداث إرهابية مؤلمة، سممّت الجو الإسلامي، كما سبقت التجمع محاولة ماكرة، لتنظيم تجمع ضرار قبل أسبوع من الموعد وفي نفس المكان..! وإعلان مجانية الدخول إليه، والعرض فيه، وكل ذلك لإجهاض التجمع الحقيقي. كما دُعي إلى هذا التجمع الضرار، بعض الأئمة الإمعيين، المعادين لاتحاد مسلمي فرنسا، للتشويش على العلماء المحاضرين في التجمع المعتاد، غير أنّ المحاولة، باءت بالفشل الكامل، وعاد المناوئون “بدون خفي حنين”.
كما أنّ الإعلام الفرنسي المعادي، هو من صبّ الزيت على النار، فوصفت بعض الصحف لقاء مسلمي فرنسا، – بعنوان بارز- بأنه “تجمع الحقد”، هذا إضافة إلى التضييق على بعض العلماء، بعدم منحهم تأشيرة الدخول، على أنه وبالرغم من كل هذه المحاولات البائسة، عرف التجمع الحقيقي الخامس والثلاثون، إقبالا جماهيريا عظيما، قدّر عددهم بما يزيد عن المائة والخمس وستين ألف زائر، خلال أربعة أيام.
كما تميز التجمع بالمشاركة النوعية للعلماء، سواء على الصعيد العلمي أو على الصعيد الجغرافي فقد حضر من كل أنحاء العالم دعاة وعلماء من أمريكا، آسيا، إفريقيا ومعظم أقطار أوروبا، كروسيا، بريطانيا، بلجيكا، سويسرا، إيطاليا، هولندا وألمانيا، إضافة إلى معظم مناطق فرنسا.
أما من حيث المستوى العلمي للعلماء المشاركين، فقد عرف التجمع عددا كبيرا من الدعاة – قد يضيق المقام لو أننا حاولنا ذكر كل أسمائهم- وحسبنا أننا، نقدم عينة منهم.
هذا وقد ظل الغائب الأكبر عن هذا التجمع هو المفكر المسلم الكبير طارق رمضان، الذي خُصص له جناح باسمه في المعرض، وحظي بالتنويه والتضامن من طرف رئيس مسلمي فرنسا، الأستاذ عمر الأصفر، كما تميز الملتقى العلمي، بحضور العالم الداعية الكبير الدكتور عصام البشير، والمفكر الفرنسي طارق أوبرو، والأكاديمي المغربي الأستاذ عبد الحميد يويو، والمفكر الفرنسي إيريك جوفروا، والداعية التونسي محسن أنقازو المساكني، مدير ثانوية ابن خلدون بمرسيليا، والدكتور العربي البشري، عميد كلية العلوم الإسلامية، بمدينة شاطو شينون، والدكتور أحمد جاب الله، عميد المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية بباريس، والدكتور أنيس قرقاع مدير الدراسات بنفس المعهد الأوروبي، وعضو المجمع الأوروبي للفقه، والأستاذ عبد الله بن منصور، وغيرهم.
أما من الجزائر، فقد حضر ثلة متميزة من الدعاة والمفكرين، منهم الوزير السابق والداعية الإسلامي المفسر للقرآن الأستاذ أبو جرة سلطاني، والباحث الاقتصادي والرئيس الشرفي للنادي الاقتصادي، الوزير السابق الأستاذ عبد القادر سماري، وكذلك الناشط الإسلامي ونائب رئيس جمعية الإرشاد والإصلاح، الشاب إسماعيل بن خوخة، والإعلامي المتميز من قناة الجزيرة للأخبار الأستاذ عبد القادر عياض، وأخيرا كاتب هذه السطور رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
ولا ننسى أن نذكر بأن الملتقى عرف مشاركة أخوات داعيات مرشدات، تناولن قضايا بالغة الأهمية، كما شارك بعض الباحثين المنتمين إلى السلك الديني المسيحي، أو الأكاديميين الباحثين من مختلف الطوائف.
إنّ هذا العرس الثقافي الاقتصادي الإسلامي الذي ينتظره الجميع كل سنة بفارغ صبر، قد عرف تطورا في حسن تنظيمه، وطريقة تعامله، واختياره للمواضيع المقترحة للبحث، وقد نجح المنظمون في ذلك، إذ كان القائمون على الشأن الإسلامي في فرنسا، يؤكدون في كل مرة، على انتمائهم للبلد الفرنسي، الذي آواهم، أو ولدوا فيه، والعمل على التمتع بحق المواطنة، إلى الحد الذي جعل رئيس مسلمي فرنسا، الأستاذ عمر الأصفر يقول بأن مسلمي فرنسا، بحكم مواطنتهم هم على استعداد للتضحية بأرواحهم، إذا داهم بلادهم أيّ خطب.
وفي سياق محاولة التأقلم مع المحيط الفرنسي الذي يعيشون فيه، هم مصرون على توضيح ما يمكن أن يكون عائقا في سبيل اندماجهم، من أجل التمتع بحقهم الكامل في المواطنة.
لذلك، وجدنا التجمع يتناول قضايا ذات خطورة في نطاق موضوع الملتقى لهذه السنة، والذي خصص لموضوع: “في ضوء القرآن”، أي كيف نقرأ القرآن؟ وكيف نفهمه؟ وكيف نطبقه؟
ومن المواضيع الحساسة: “مفهوم الإنسان في القرآن”، و”مكانة المرأة في القرآن”، و”النظام الاقتصادي في الإسلام”، و”مفهوم الجهاد في القرآن”.
ولعلّ أخطر المواضيع التي عولجت في هذا الملتقى، “موضوع الجهاد في القرآن” لما يثيره هذا الموضوع من حساسية، داخل المجتمع الإسلامي عموما، وداخل المجتمع الفرنسي على الخصوص.
ولقد أسندت معالجة هذا الموضوع إلى جزائريين بالذات، ولا نعلم لماذا؟ فقد أسند الموضوع إلى كل من الدكتور العربي كشاط، والدكتور العربي البشري، والدكتور عبد الرزاق قسوم، كاتب هذه السطور.
ولظروف خاصة غاب الأخ الدكتور العربي كشاط عن الندوة، فعالجها الأخ العربي البشري والأخ عبد الرزاق قسوم، ونشطها أحسن تنشيط الأستاذ التونسي محسن أنقازو المساكني، لقد بذلنا جهدنا، في الاعتماد على الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الصحيحة، فعملنا على نزع كل الألغام، وإزالة الغموض عن هذا الموضوع الخطير، وخلصنا إلى النتائج الآتية:
1- إنّ الجهاد في الإسلام ليس حربا أو عدوانا، وإنما هو دفاع عن النفس، ضد الظلم، والاحتلال والاستيلاء على حقوق الشعوب، لقوله تعالى: “أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا” [سورة الحج: 39].
2- إنّ الحرب منبوذة في الإسلام، ولا يمكن أن تكون مقدسة، لقوله تعالى: “كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ” [سورة المائدة: 64].
3- إنّ الجهاد في الإسلام هو ضد العدوان، لقوله تعالى: “وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ” [سورة البقرة: 190].
4- إنّ الجهاد في المفهوم الإسلامي، تجاوز القتل إلى الجهد والجهاد ضد النفس، وضد الفساد، وضد التخلف، من أجل استتباب السِّلم.
5- إنّ إعلان الجهاد هو من حق الحاكم المسلم، وليس من حق الفرد.
هذه – إذن- تأملات في تجمع مسلمي فرنسا كما بدت لنا؛ فندعو الله عز وجل لإخواننا المسلمين في فرنسا، وفي كل أنحاء العالم أن يمن عليهم بالأمن والإيمان، والأمان في ظل الأخوة، والتضامن والسلام.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • فوضيل

    وجدنا في أوروبا ما عرف بالإسلام السعودي الجزائري المغربي المصري بحسب مصادر الدعم والتمويل،وفي وقت ليس ببعيد انتشرت فتاوي دينية معينة مثل تحريم المواطنة أو التجنيس، نظر إلى المواطنة باعتبارها كفرا لأنها تناقض مبدأ الانتماء إلى الأمة الإسلامية،إذ إن طريق المواطنة بما يعنيه سيكون له نتائج سلبية على أنظمة الدول الأصلية للمهاجرين،بعد أحداث سبتمبر صار كل شيء تحت المراقبة وصارت كل الخطب والندوات ودروس المشايخ والدعاة تسجل، وأصبح المسلمون في الغرب وظهورهم إلى الحائط وصاروا الآن يتحدثون عن حقوق المواطنة إذ لم يعد أمامهم بديل أمام الريح العاتية سوى ذلك أو العودة إلى أوطانهم الأصلية إذا كانت تقبل بهم!