-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
رغم تقدم العمر وأمراض الشيخوخة

مسنون يحرصون على أداء التراويح في الصفوف الأولى

عبد الرحمن محامدية
  • 362
  • 0
مسنون يحرصون على أداء التراويح في الصفوف الأولى
أرشيف

يحرص الجزائريون عموما وكثير من الجزائريات، خلال شهر رمضان الفضيل على أداء صلاة التراويح في المساجد، طمعا في نيل أجر هذه السنة المحببة، فبمجرد الانتهاء من الإفطار، قبل أذان العشاء، تشد انتباهك تلك الجموع من المواطنين والمواطنات وهم يخرجون من بيوتهم راجلين أو راكبين، ووجهتهم الرئيسة المساجد التي يتسابقون إليها فرادى وجماعات لحضور وأداء صلاة التراويح مع الجماعة.
وهذا الإقبال على صلاة التراويح لا يقتصر على فئة عمرية معينة، بمن في ذلك كبار السن من الرجال والنساء، فهذه الفئة ورغم بلوغها من العمر عتيا، ورغم سنهم المتقدمة جدا ورغم أمراض الشيخوخة إلا أن هؤلاء يحرصون أكثر من غيرهم على أداء الصلوات عامة في المسجد ومنها صلاة التراويح كلما حلّ شهر رمضان الفضيل وينافسون على الصفوف الأولى.
فهؤلاء المسنون ومنهم من قارب القرن من عمره، تراهم يتنقلون إلى المساجد بأنفسهم إمّا راجلين إذا كانوا أصحاء أو محمولين على السيارات أو الكراسي المتحركة بالنسبة للعاجزين والمرضى، فلا العجز ولا المرض ولا بعد المسافة ولا الحرارة والبرد، يثني هؤلاء عن التنقل إلى المساجد وأداء صلاة التراويح فيها، فهذه الصلاة وكغيرها من الصلوات المفروضة لا يمكن الغياب عنها بالنسبة لهؤلاء.

الالتزام على طريقة الآباء والأجداد
فالحاج عبد الغني، صاحب الثمانين عاما، من أولاد جلال، يؤكد لـ”الشروق اليومي”، أنه ورغم تقدمه في السنّ لا يطمئن باله ولا ترتاح نفسه إلا بعد أداء التراويح في المسجد القريب من مسكنه بعاصمة الولاية أولاد جلال، فهو كما قال ومنذ أن كان طفلا في السابعة من عمره يتذكر جيدا كيف كان يرافق والده وجده، إلى نفس المسجد الذي يقصده هو حاليا، ومنذ ذلك التاريخ وهو كما قال يحرص على أداء صلاة التراويح في المسجد بانتظام، كما أنه يتذكر جيدا أن حضوره كان منتظما ودائما وهو لا يذكر كما قال غيابه عن هذه الصلاة إلا نادرا جدا ولظروف قاهرة، وكلما تقدم به السن وتضاعفت متاعب مرض الروماتزم الذي يعاني منه، ازدادت رغبته في أداء هذه الصلاة في المسجد، وهو كما قال لا يتصور مرور رمضان عليه دون تأديته لهذه الصلاة سواء واقفا عندما كانت صحته تسمح بذلك أم على الكرسي الآن، وقد أتعبه المرض، ولم تعد قدماه قادرتين على تثبيته واقفا.
وغير بعيد عن هذا الشيخ، شدّ انتباهنا من بعيد شاب في عقده الثالث وهو يصحب شيخا تثاقلت به الخطى وتمايل جسده النحيف بين الخطوات، وعندما توقفنا عند هذا الثنائي المثير للإعجاب، أكدا لنا أنهما عائدان من مسجد قريب جدا بعد أدائهما صلاة التراويح، حيث أكد هذا الشاب أن والده تجاوز 87 سنة، وهو في كل ليلة يأمر أحد أبنائه بمرافقته إلى المسجد لأداء التراويح، كما أن هذا المسن، وبحسب ابنه، يحرص على الذهاب راجلا رغم متاعبه الصحية وتقدمه الكبير في السن، وحجة هذا الشيخ، بحسب ابنه، هي نيل أجر أكثر بحسب اعتقاده، فالخطوة إلى المسجد أفضل لديه، حتى وإن كان ذلك على حساب صحته والوقت الطويل الذي يقطعه من البيت إلى المسجد، كما أضاف هذا الشاب بأن والده وبعد إفطار بسيط يبدأ استعداده مبكرا للذهاب إلى المسجد كل ليلة في رمضان لأداء التراويح، فقبيل أذان العشاء يخرج هو أو أحد إخوته مع والدهم المسن لتبدأ كما قال الرحلة الليلية بين المنزل والمسجد.
ويقول الابن بأنه لا يذكر ولا مرة أنه سمع أو رأى من والده تعبا أو ترددا، بل في كل ليلة إصرار متزايد، كما أن هذا الوالد المسن يؤدي صلاة التراويح كاملة في زاوية من المسجد اختارها منذ أن كان كهلا، وقبل أن تتقدم به السن لهذه الدرجة، ومع كثرة مرافقة هذا الوالد أحسّ الابن بعذوبة صلاة الجماعة وصلاة التراويح في كل رمضان، وهو كما قال يعتبر والده قدوة له ولغيره من الشباب من أمثاله، وهو بذلك يفتخر عندما يرافق والده إلى المسجد في كل مرة، ليخرج مع مرور الوقت بحكمة حياتية ودينية مفادها أنه لا التقدم في السن ولا المرض يمكن أن يحرم الإنسان من أجر صلاة التراويح في المسجد جماعة في هذا الشهر الفضيل.

حضور الكبار تحفيز للصغار
إلى ذلك، أكد بعض الشبان الذين التقت بهم وتحدثت معهم “الشروق اليومي” في أحد مساجد ولاية أولاد جلال أن رؤيتهم لكبار السن وهم يحرصون على أداء التراويح في المساجد تعطيهم طاقة إيجابية، وتحفزهم أكثر على المواظبة على هذه الصلاة في بيوت الله، على غرار بقية الصلوات المفروضة، فهذا الشاب أحمد، صاحب 22 سنة، يقول بلا تردد، إنه في كل مرة يريد أن يتوقف عن مواصلة الصلاة في التراويح بعد ركعات معينة لشعوره بالتعب، ينظر إلى بعض كبار السن حوله وأحيانا بجنبه، فيستحي ويتشجع أكثر لمواصلة الصلاة، وفعلا كما قال يزيده حضور هؤلاء المتقدمين في السن إرادة وإصرارا وهكذا الحال في كل مرة.
وفي نفس السياق، أكد الشاب عبد الستار، الذي لم يبلغ العشرين من العمر بعد، أنه لا يتصور رؤية صلاة، ومنها صلاة التراويح، دون كبار السن، فهم، على حدّ وصفه، بركة المسجد، وحضورهم له خصوصيته المعنوية المؤثرة، التي تزيد الشباب قوة، وهذا الشاب يروي لـ”الشروق اليومي” كيف أنه أحيانا، وعندما يقف في الصلاة، بجنب أحد المسنين، أنه يشعر بالراحة والاطمئنان في الصلاة خشوعا، مضيفا أنه تعلم الكثير من هؤلاء المسنين في بعض الأذكار والأدعية التي كان يسترق إليها السمع منهم، وهم يرددونها في كل ركعة وسجدة، إضافة إلى أنه كشاب كان يأخذ القوة والإصرار من هؤلاء، فيستحي كما قال أن ينسحب من الصلاة وهو شاب يافع فيما بجنبه مسن يحرص على إتمام الصلاة دون توقف. إنه إذن إصرار المسنين والعجائز من رجال والنساء، فهؤلاء ورغم تقدمهم في السن، ورغم أمراضهم المزمنة وغير المزمنة، تراهم يزينون المساجد بحضورهم في صلوات التراويح، وكأنهم يوجهون رسائل عديدة ظاهرة ومبطنة للأبناء والأحفاد، مفادها أنّ الرغبة والإرادة تقهران كل شيء بما في ذلك التقدم في السن وتأثيرات المرض.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!