-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مشاركتنا في أولمبياد الرياضيات، كيف كانت؟!

مشاركتنا في أولمبياد الرياضيات، كيف كانت؟!

إن أقدم المنافسات الأولمبية العالمية في مجال العلوم الأساسية والعلوم الإنسانية هي المنافسات في الرياضيات التي انطلقت عام 1959 من رومانيا، وصارت تنظم كل سنة. ومن المعلوم أنها بدأت بعدد محتشم من المشاركين أيام وجود القطبين الشيوعي والرأسمالي، في عزّ الحرب الباردة. ثم صارت تدريجيا عالمية تشارك فيها أزيد من مائة دولة من القارات الخمس. وفي هذه المنافسات يحق لكل دولة المشاركة بستة تلاميذ على الأكثر من المرحلة التعليم الثانوي. يعتبر المتتبعون أن المشاركين في هذه المنافسات النخبوية جلهم يصبحون فيما بعد من كبار الباحثين في الرياضيات على المستوى العالمي، بل هم أكثر حظا للفوز بميدالية فيلدز قبل بلوغ سن الأربعين، وهي السن القصوى التي تسمح بالترشح لنيل هذا الوسام الأول في الرياضيات.

الجزائر تشارك هذه السنة

تشارك الجزائر في هذه المنافسات منذ 1977، وقد بلغ عدد مشاركاتها 22 مرة لأنها غابت عن المنافسات فترات طويلة. وكان ترتيب الجزائر هذه السنة (من بين نحو 105 دولة مشاركة) 22… وكان ترتيبها على التوالي منذ 2015 كما يلي، 62، 82، 73، 92، 77، 100، 89، 74. من الواضح أن نتيجة هذا العام أفضل من ترتيب السنوات الأربع الماضية. لكن هناك من يرتب البلدان، ليس حسب مجموع علامات فريقها بل حسب عدد الميداليات والتقديرات التي ينالها الفريق. وإن تبنينا الطريقة الثانية نجد أن الفريق نال ميدالية برونزية و 3 تقديرات “مشرف”. ومن هذا المنظور يعد فريق هذه السنة من بين أحسن الفرق التي شاركت الجزائر بها منذ 1977.

وعلى كل حال ففريقنا يستحق التهنئة، سيما التلميذة شبيلة قرفي التي نالت المرتبة الأولى من بين الإناث المشاركات من إفريقيا. ولذا تم منحها جائزة مريم ميرزاخاني (1977-2017) الخاصة بإفريقيا. كما نالت تلميذة روسية نفس الجائزة الخاصة بالقارة الأوروبية. ومريم ميرزاخاني هي أول امرأة فازت بميدالية فيلدز، وكان ذلك عام 2014.

ومع كل ذلك، فإن وضع التحضير للأولمبياد في الجزائر لا زال بالغ السوء ويخبط خبط عشواء رغم أن الجزائر هي أول دول عربية تشارك في هذه المنافسات. ومن هذه الزاوية كان من المنتظر أن تكون الجزائر قدوة لبقية الدول العربية. ونحن نستغرب كيف أن سوريا مثلا شاركت لأول مرة عام 2009 ورغم ذلك ورغم وضعها الاجتماعي تحصد في كل مرة مرتبة أحسن من الجزائر. فهذه السنة مثلا كانت سوريا مرتبة 70 (والجزائر 74).

والأجمل من كافة البلدان العربية في هذا الموضوع هي السعودية حيث استقرت في تدريب تلاميذها منذ شاركت أول مرة في هذه المنافسات عام 2004 فكان ترتيبها في أول مشاركة هو 85 من 104 دول. ووصلت هذا العام إلى المرتبة 22 ! وليس هذا فحسب بل تحصل التلاميذ السعوديون على 4 ميداليات برونزية وميداليتين فضيتين. بمعنى أن كل تلميذ من التلاميذ السعوديين الستة تحصل على ميدالية برونزية أو فضية. وتلك هي ثمرة العمل الدؤوب والثابت والمنظم.

الارتجال ثم الارتجال

أما عندنا فالارتجال في كل دورة هو السائد. دعنا نكتفي بوصف مجريات السنتين الماضيتين. كان الوزير محمد واجعوط قبل توليه منصبه الوزاري ملما بموضوع الأولمبياد وحتى مشاركا فيهعلميا. ولذا كان حريصا أكثر من غيره على أن يضع لهذه المنافسة إطارا رسميا تسير ضمنه بطريقة لا ارتجال فيها.

وهكذا أسس لجنة أولمبياد كبيرة مكونة من 10 لجان فرعية (فرع لكل مادة). وبدأ بالرياضيات وعيّن فيها 10 أعضاء خلال مارس 2021. وبطبيعة الحال، كان من الصعب أن يتم ترتيب الأمور من الناحية التنظيمية والتدريبية بشكل مقبول قبل جويلية 2021 (موعد المنافسات العالمية) فارتجلت اللجنة وأخطأت أكثر مما أصابت، وشارك تلاميذنا ونالوا المرتبة 89 في المنافسات العالمية. وكنا نأمل أن تتدارك الأمور بعد انتهاء المنافسة. لكنالحكومة تغيرت تلك الأثناء،وعين وزير آخر على رأس التربية الوطنية، ونسيت الأولمبياد فقدم رئيس لجنتها الوطنية استقالته وبعد شهور، طُلب منه البقاء على أن يعاد النظر في تشكيل اللجنة الوطنية بتقليص عدد أعضائها. ولحد الساعة وبعد مرور سنة لا يدري أحد من هو عضو في اللجنة الوطنية ومن هو خارجها!! وهكذا تُرك الحبل على الغارب فلا أقيل أعضاء اللجنة ولا عين أعضاؤها الجدد.

من المسؤول عن هذا التسيب والإهمال في تسيير شؤون البلاد : وزير التربية الذي يعين الأعضاء ورئيس اللجنة الذي كان عليه الحرص كل الحرص لحل المشكل وتحديد المهام. ثم إن المشكل الرئيس في عمل اللجنة -المتمثلة في رئيسها بحكم عدم وجود أعضاء رسميين-يمكن تلخيصه في 3 مهام :

1) إيجاد المدربين الأكفاء : لم تؤد اللجنة دورها في البحث عن من يدرب التلاميذ ومن يدرب المكونين. رغم أنه كانت إمكانيات متوفرة خارج البلاد بوجه خاص.

2) التدريب المتواصل بعد انتقاء نخبة التلاميذ : هنا أيضا قصرت اللجنة في أدائها، إذ التدريب كان مرتجلا، ولم توضع له خطة محكمة لا من حيث المضمون ولا من حيث المدة. ولو تدربت النخبة خلال مدة أطول وبأكثر فعالية لكان من الراجح أن ينال أحدهم، وهو التلميذ محمد وسيل مدور، الميدالية الفضية أو الذهبية.

3) إيجاد التمويل اللازم للتدريب والمشاركة في المنافسات : نجحت اللجنة في الحصول على تمويل معتبر من قبل مؤسسة اتصالات الجزائر بعد تدخل السلطات العليا.

لكن ما بلغنا من تعقيب أنه كان هناك تبذير لا يليق في وضع البلاد المالي ووضع هذا النشاط. فعلى سبيل المثال لا الحصر، نذكر أن العادة في الأولمبياد جرت على أن تتم مرافقة التلاميذ إلى البلد المضيف (النرويج هذه السنة) من قبل مرافقين إثنين يتكفل بإقامتهما البلد المضيف. لكن عدد المرافقين الجزائريين هذه السنة يعادل تقريبا عدد التلاميذ (6 تلاميذ و 5 مرافقون)، ومن المرافقين من هو يدرس الطب في السنة الأولى! ومنهم من أوتي من الكويت ليلتحق بالمدربين بالجزائر وبالمرافقين في أوسلو. فمن هو هذا المسؤول الذي يسمح لنفسه بهذا التبذير في الوقت الذي كنا فيه قبل فترة نبحث عمن يدفع ثمن تذكرة لمدرب بارز ولم نجده؟

نتمنى أن توضع مشاركة الجزائر في المنافسات الأولمبية العلمية على السكة، وأن تتخلص البلاد من العبث والارتجال الذي طال أمده.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!