-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
نيشان

مصر الصمود .. قاهرة الانبطاح!

محمد عباس
  • 8210
  • 0
مصر الصمود .. قاهرة الانبطاح!

عندما نتحدث عن مصر الشقيقة -بمنطق المقاومة- ينبغي أن نميز دائما بين مصر التاريخ والصمود وقاهرة الخذلان والانبطاح.

  • مصر التاريخ المعاصر هي مصر التحرر الوطني والقومي. مصر مصطفى كامل وسعد زغلول، وجمال عبد الناصر، مصر التضامن العربي المجسد -رمزيا وفعليا- في جامعة الدول العربية التي جعلت -فيما مضى- من القاهرة قبلة لحركات التحرر العربي مشرقا ومغربا.. فالثوار المغاربة -من أمثال عبد الكريم الخطابي والحبيب بورڤيبة والشاذلي المكي- مثلا عندما لجأوا إلى القاهرة غداة الحرب العالمية الثانية، فعلوا ذلك بحثا عن التضامن العربي، وليس حبا في نظام الملك فاروق الذي كان يومئذ من رموز التيه والفساد في الوطن العربي. فالتضامن العربي هو بمثابة السلاح النووي الرّادع، وقد أثبت هذا التضامن نجاعته في أكثر من مناسبة، ويمكننا نحن المغاربة خاصة أن نذكر أمجاد هذا التضامن بكل فخر واعتزاز.
  • فقد كان مجرد الحديث عن مشروع “جيش تحرير المغرب العربي” كافيا غداة ثورة فاتح نوفمبر 1954، لحمل فرنسا على الإسراع بالتفاوض مع الوطنيين بتونس والمغرب، لأنها باختصار لا تملك القدرة الكافية لمواجهة الموقف -سياسيا وعسكريا- على صعيد جبهة واسعة من خليج قابس إلى المحيط الأطلسي.
  • وكان التضامن العربي مع الوطنيين المغاربة والثورة الجزائرية على وجه الخصوص معنويا أكثر منه ماديا وعسكريا، لأن الأقطار المستقلة -أعضاء الجامعة العربية- كانت ضعيفة على هذا الصعيد.. كما تدل على ذلك بوضوح الحادثة التالية:
  • في أكتوبر 1948 نزل الدكتور محمد الأمين الدباغين بالقاهرة -باسم الثوار الجزائريين- بنية تفعيل تضامن الجامعة العربية عند اندلاع الكفاح المسلح بالجزائر.. وقد استقبله أمينها العام عبد الرحمان عزام بحفاوة، لكن عندما طرح عليه الدكتور موضوع الدعم المادي بادر بمصارحته: المساعدة المالية ممكنة أما العسكرية فلا مجال للحديث عنها، لأن الجيوش العربية -بعد هزيمتها في فلسطين- أحوج ما تكون إلى أسلحة! والطريف أن الدكتور طمأن الأمين العام بقوله: بالمال يمكننا الحصول على أسلحة بواسطة شبكات التهريب العالمية، وهنا فاجأه محدثه بالرد التالي: في هذه الحالة اشتروا ما تيسر من سلاح لكم وللجيوش العربية!
  • هذه الحقيقة أكدها أخيرا المناضل الكبير عبد الحميد مهري بمناسبة الذكرى الـ 55 لثورة فاتح نوفمبر، عندما نوه بالتضامن العربي -والمصري- لكن نبه في نفس الوقت بأنه مقارنة بإمكانيات فرنسا والحلف الأطلسي.
  • ومع ذلك لا يمكن نكران فضل التضامن العربي مع الثورة الجزائرية، فقد كان عاملا هاما في كسب المعركة على الصعيدين المعنوي والدبلوماسي، لا سيما بعد استكماله بتضامن إسلامي وأفرو آسيوي فعال.
  • والملاحظ أن التضامن العربي -قنبلتنا النووية- أصبح منذ 36 سنة عرضة لعملية تخريب منظمة ومنسقة من قبل الكيان الصهيوني وحلفائه، وفي طليعتهم عرابه الأكبر الولايات المتحدة الأمريكية.
  • ترى لماذا 36 سنة تحديدا؟
  • هذا الرقم يشير إلى مضاعفات حرب أكتوبر 1973 التي كانت نصرا واعدا وصورة مشرفة للتضامن العربي، بعد أن تجرأ العرب أول مرة على استخدام سلاح النفط. لكنها للأسف ما لبثت -نتيجة الحسابات القطرية الضيقة- أن تحولت إلى نكسة جديدة، تضرب في الصميم التضامن العربي حول قضايا التحرير القومي وفي طليعتها قضية فلسطين.
  • فوجئت خلال حرب أكتوبر -التي كان لي شرف تغطيتها كمبعوث خاص لأسبوعية المجاهد- بموقف غريب من بعض الأوساط الإعلامية في القاهرة: هم سبب بلاوي الشعب المصري! هذا الموقف الغريب جعلني أتساءل: كيف يتصدون للعدوان الصهيوني ويشتمون فلسطين؟!
  • هذا الموقف الغريب ما لبثت الأيام أن سحبت القناع عن وجهه القبيح: الإنسحاب من صف التضامن العربي حول القضية الفلسطينية بمقابل طبعا!
  • يمكن أن نتفهم نوعا من الانسحاب التاكتيكي لاستعادة الأجزاء الباقية من سيناء -بعد اقتحام “خط بارليف” الشهير وتحرير أجزاء منها- أما أن يصبح الانسحاب استراتيجية قائمة بذاتها فهذا ما يصعب تفهمه عربيا.. وربما فئات واسعة من مصر التاريخ والصمود يصعب عليها أن تتفهمه كذلك.
  • والأدهى أن يتحول هذا الانسحاب الاستراتيجي إلى حلقة نشيطة في استراتيجية العدو القائمة على ضرب التضامن العربي بمختلف الوسائل والأساليب، وقد لاحظنا ذلك للأسف الشديد أثناء حرب الخليج الأولى التي كانت طعنة رهيبة للتضامن العربي، نتيجة حماقة الرئيس الراحل صدام حسين من جهة، وتخاذل وانبطاح حكام القاهرة -وأمثالهم في أقطار عربية أخرى- من جهة ثانية…
  • ويمكن اعتبار إثارة الشارع المصري وتهييجه قبل مباراة العودة في تصفيات كأسي إفريقيا والعالم، ثم الفضيحة -السابقة- المتمثلة في الاعتداء على الفريق الوطني الجزائري يوم 12 نوفمبر الفارط.. طعنة جديدة للتضامن العربي بمقابل أيضا!
  • إن مثل هذه الحقائق المؤلمة من قاهرة الخذلان والانبطاح، لا يمكن للإعلام المأجور أن يخفيها أو يضلل الجماهير العربية عن إدراكها.. وسعي هذا الإعلام في هذا الاتجاه، يعني أنه مأمور بمهمة شبه مستحيلة: أن يجعل من الانبطاح قضية!
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!