الرأي

معاناة الباحثين في إيران!

ح.م

صدر في المجلة العلمية الأمريكية “ذي ساينتيست” (The Scientist) خلال هذا الشهر مقال بعنوان “العلم تحت الضغط الأقصى في إيران” (Science under maximum pressure in Iran) يتناول فيه كاتبه الوضعية المزرية للعلماء والباحثين في إيران.

وكاتب المقال هو البريطاني الدكتور ديفد أدامDavid Adam ، المتخصص في الهندسة الكيميائية الذي عمل في عدة صحف ومجلات. وقد شغل منصب محرر رئيسي في أرقى مجلة علمية، وهي مجلة “نيتشر” (Nature). ثم استقل الآن، وأصبح كاتبا علميًا حرًا، يقول إنه منذ حصوله على الدكتوراه في التسعينيات، كان يهوى الكتابة عن شؤون العلم بدل البحث فيه!

تَبِعات الحظر الغربي

من تبعات الحظر الغربي –سيما الأمريكي- المفروض على إيران ومؤسساتها حظر قلّ من يتفطن إليه من الجامعيين، وهو القيود التي تطال العلماء المتمثلة في منعهم من نشر بحوثهم ليس لتدني مستواها العلمي بل لخشية المجلات من العقوبات التي يمكن أن تلحق بها إذا ما نشرت بحوثا بأقلام إيرانية.

فقد صار العديد من الباحثين الإيرانيين في المجال العلمي والطبي يتلقون ردًا -عندما يرسلون أبحاثهم إلى مجلات أكاديمية غربية- يفيد بتعذر نشر تلك الأبحاث بسبب جنسيتهم، أو لأنهم يعملون داخل إيران. وبهذا الصدد، روى صاحب المقال ديفد أدام عدة حالات في تحقيقاته تثبت أن العلماء الإيرانيين صاروا، في عيون رؤساء تحرير المجلات العلمية الغربية، باحثين “غير مرغوب فيهم”.

وينقل الكاتب على لسان باحث من جامعة طهران قوله : “بعد يوم من إرسال بحث لمجلة غربية، أخبروني أني من إيران، ولذا لا يمكنهم نشر هذا البحث … نحن معتادون على وجود موقف غير عادل في السياسة. لكن أن يحدث هذا في العلم فأمر غريب للغاية”.

وأشار خبير إيراني آخر، غزير النشر، مختص في الأمراض النفسية، وهو مُحكِّم في عديد المجلات المتخصصة الغربية، أنه لا يُعتبر الإيراني الوحيد الذي كان ضحية هذا النوع من الرفض… بل إن المجلات الطبية في جميع أنحاء أوروبا والولايات المتحدة تَرُدّ على من يرسل إليها أبحاثا من إيران بنفس العبارة، وهي : “بسبب العقوبات، لا يمكننا معالجة بحثك”.

والغريب أن العقوبات الغربية ضد إيران المنصوص عليها رسميا تعفي من القيود على أنشطة البحث العلمي، مثل نشر المقالات الأكاديمية، ما لم يكن مؤلفوها موظفين بصفة مباشرة لدى الحكومة الإيرانية، غير أن ناشري المجلات لا يراعون هذه الحيثيات، إما لجهلهم بتفاصيل العقوبات أو لأنهم غير مستعدين لتحمّل المخاطر التي قد تترتب عن أي قراءة مخالفة لنصوص القيود والمضايقات.

عَقَبات بنكية

ومن العقبات الأخرى التي تحول دون تمكّن الباحثين الإيرانيين من نشر أعمالهم قضية ذات علاقة بالبنوك: في نوفمبر 2018، تم فصل البنك المركزي الإيراني عن النظام العالمي الرئيسي المستخدم لتحويل الأموال خارج الحدود. فترتّب عن ذلك امتناع البنوك الدولية عن تحويل الأموال من إيران وإليها.

وهكذا أصبح العلماء الإيرانيون لا يستطيعون دفع رسوم النشر المطلوبة من قبل العديد من المجلات. وليس هذا فحسب بل تسبب ذلك أيضا في حرمان هؤلاء الباحثين بشكل متزايد من فرص المشاركة في المؤتمرات العلمية عبر العالم. كما يُحرَمون من الحصول على تجهيزات ومستلزمات مخابر البحث، وكذا من الوصول إلى مصادر المعلومات في قواعد البيانات العلمية عبر العالم.

وفي هذا السياق، علينا ألا ننسى أيضا الحرمان من دفع اشتراكات مكتبات الجامعات الإيرانية ومراكز البحث في المجلات الأكاديمية. والأدهى من ذلك أن بعض هذه المكتبات لها رصيد مالي مخصص لتسديد ديون الناشرين الأجانب لكن الحظر الغربي لا يسمح بتحويل الأموال إلى هؤلاء الناشرين!

من جهة أخرى، ترتبط فِرَق بحث إيرانية باتفاقيات مبرمة مع مخابر بحث في الخارج ينبغي أن يتم بموجبها تحويل أموال إلى تلك الفِرَق داخل إيران، وبسبب الحظر حرمت فِرق البحث المذكورة من التمويل ومن مواصلة القيام بالتزاماتها، وعُلقت تلك الاتفاقيات، وبوجه خاص مع المعهد القومي للصحة في الولايات المتحدة.

وضرب صاحب المقال مثالا من نوع آخر يوضح هذا الوضع المزري : فمن المنافسات العلمية العالمية، ثمة منافسة تدعى “أولمبياد العالمي للبيولوجيا” (IBO) لتلاميذ المدارس، مقره في ألمانيا. وتنظم منافسات كل دورة في دولة من دول العالم. وقد احتضنت إيران هذه المنافسات عام 2018. ومن القواعد التي تسيّر النشاط العلمي أن الدولة المنظمة تُحول إليها الهيئة العالمية المذكورة مبلغ رسوم المشاركة المقدرة بـ 130 ألف دولار. لكن هذا المبلغ لم يتم تحويله إلى المنظمين في إيران -رغم توفّره في ألمانيا- بسبب الحظر المضروب على التعامل البنكي مع إيران.

تنقل العلماء

وفيما يخص السفر إلى الولايات المتحدة بوجه خاص، تعقدت وضعية العلماء الإيرانيين أكثر جراء القرار الأمريكي القاضي بفرض قيود بخصوص استقبال المقيمين في عدد من البلدان الإسلامية. كما لاحظ الباحثون في إيران أن حظر السفر إلى بلدهم يؤثر بطريقة غير مباشرة على إنتاجهم العلمي.

ذلك أن الباحثين الأجانب (سيما الأوروبيون) صاروا يحجمون عن زيارة إيران لأنهم يخشون من أن يزيد ختم السلطات الإيرانية في جوازات سفرهم من صعوبة دخولهم إلى الولايات المتحدة. وهذا ما يجعل عزلة الباحثين الإيرانيين تتفاقم : فلا هم يستطيعون زيارة مراكز البحث المتقدمة في البلاد الغربية، ولا بوسع الغربيين زيارة مراكز البحث الإيرانية.

وكشف أحد الباحثين البيولوجيين من جامعة طهران أن أقرانه يلجؤون إلى زملاء في جامعات خارج إيران ليقوموا بدور الوسيط من أجل الحصول على خدمات المخابر الأجنبية (مثل تسلسل الحمض النووي). كما يطلبون من الأصدقاء المسافرين إلى الخارج أن يأخذوا معهم عيّنات من هذه المادة، ثم إرسالها من بريد أجنبي إلى الشركات الدولية المختصة لمعالجتها. ورغم ذلك، تظل عراقيل قائمة بسبب الحظر ومخاوف تلك الشركات من العقوبات الظالمة.

الباحث غلين شويتزر Glenn Schweitzer من المشرفين على فرع التنمية والأمن والتعاون في هيئة الأكاديميات الوطنية للعلوم والهندسة والطب الأمريكية التي يوجد مقرها بواشنطن. وقد فضل الدكتور ديفد أدام اختتام مقاله بمقولة لغلين شويتزر جاء فيها : “العالم كله يعاني من الانسداد السياسي، والإيرانيون إخصائيون ممتازون في العلم والهندسة، والعلم في العالم سيفقد قطعة منه ما لم يتم إشراكهم في تطويره”.

مقالات ذات صلة