-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
رحلة مع ذي القرنين

معرفة الدّاء لا تجلب الشّفاء

أبو جرة سلطاني
  • 503
  • 0
معرفة الدّاء لا تجلب الشّفاء

وجد ذو القرنيْن أقواما يتقنون الحديث النّظري ويجادلون في كلّ صغيرة وكبيرة، ويعرفون الأسباب التي تنغّص عليهم حياتهم، ويدركون أنّ الحلّ يكمن في بناء سدّ ضخم يحجز ما بينهم وبين يأجوج ومأجوج.

 ـ فهم يعرفون عدوّهم ويسمّونه باسمه.

 ـ ويعرفون أنّه جار فاسد يشنّ عليهم الغارات كلّما استأنسوا منه سلاما.

 ـ ويعرفون طريقة صدّه وحجز ما بينه وبينهم.

ولكنّهم عاجزون عن المبادرة بإنجاز ما يعرفون. عاجزون عن نقل القول إلى فعل، وربط المعرفة بالإنجاز وتحويل “فقههم البارد” إلى حيويّة فعل متحرّك. فقد كانت أرضهم غنيّة بالمعادن، ووهبهم الله بيئة مناسبة كثيرة التّضاريس والفجاج والأوديّة والشّعَب ممّا يسهّل عليهم إقامة سدّ بين فجوتيْ جبليْن، ولكنهم كانوا لا يكادون يفقهون ما تسمعه آذانهم من وحي رسلهم أو ما يصلهم من نصائح علمائهم أو ما يقْزع أسماعهم من توجيهات المصلحين.

فلما أرسل الله إليهم ذا القرنيْن تعلّموا منه ما لم يكونوا يفقهون من أسرار بناء المدنيّة وإقامة الحضارة وصناعة الحياة. فكان أبدع ما تعلّموه منه وأروع ما فقهوه عنه أربعة دروس عمليّة تحتاجها البشريّة جمعاء، في كلّ عصر وفي أيّ مكان، لتدرك أنّ الله -جل جلاله- قد وزّع الأرزاق في ملكه بعدل وتكافؤ. وجعل لطلبها أسبابا محايدة لا تحابي أحدا ولا تتأبّى عن أحد. فهي متاحة لهؤلاء وهؤلاء. لكنّ البشر منقسمون أمام أرزاق الله إلى ثلاثة أقسام:

 قسم آخذ بالأسباب لاستكمال أدوات التّمكين وشروط الغلبة والتّفوق.

 وقسم قاعد عن الأخذ بالأسباب بانتظار أنْ تمطر السّماء عليهم ذهبًا وفضّة، ولو أمطرت ذهبا لعجزوا عن تجميعه وسبْكه وإعادة صياغته وتحويله ثروة نافعة؛ فهم ينتظرون أنْ يرسل الله لهم من يقوم بجمعه وتخزينه.

 وقسم متحرّك مع الأسباب بمقدار ما يتحقّق لهم من ضرورات العيش، فإذا حصلوا على الكفاف لم يمدّوا أيديهم إلى أبعد ما لا يتمّ واجب العيش إلاّ به، بزعم أنّ الدّنيا دار فناء ونحن فيها ضيوف ننتظر الإذن بالرّحيل! وهو تصوّر فاسد وزهد مغشوش.

فالله -جل جلاله- خلق الأسباب وسخّرها وذلّلها ويسّر للنّاس سبل الأخذ بها حتّى يصل كلّ قوم إلى حدّ المستطاع من الوسع والطّوق المتاح بالقدرة البشريّة التي أمدّ الله بها كلّ فرد وزوّد بها جميع عباده من عطائه على قدر أخذهم بالأسباب.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!