الرأي

مقاربة براغماتية لإنعاش الاقتصاد الوطني

حبيب راشدين
  • 1366
  • 7
ح.م

البلد بخير، قادر على تجاوز أزمة أسعار المحروقات وما ترتب عن جائحة كورونا من تجميد للنشاط الاقتصادي للدخول المبكر في خطة انعاش سريعة ومجزية للاقتصاد الوطني، خصصت لها الدولة هذه السنة وحدها 1900 مليار دينار و12 مليار دولار، موجهة للاستثمارات الوطنية المؤهلة لخلق الثروة ولمناصب الشغل، وللتقليص من فاتورة الاستيراد، يقول رئيس الجمهورية في خطابه أمام الندوة الوطنية حول خطة إنعاش الاقتصاد الوطني.

وكما كان متوقعا، فإن رئيس الجمهورية قد اغتنم هذه الفرصة ليفصل برنامجه الاقتصادي الذي يريد أن ينجز قطيعة مع المقاربات الاقتصادية السابقة، التي أبقت البلد في تقديره رهينة لعوائد المحروقات، وأهدرت أكثر من فرصة لتحقيق الإقلاع الاقتصادي، في بلد يملك جميع مقومات التنمية المستدامة، وتكريس السيادة الوطنية على القرار، مع تجديد رفضه القاطع للجوء إلى الاستدانة من صندوق النقد الدولي، بل وحتى من الدول الصديقة، داعيا رجال الأعمال إلى التشمير على السواعد، والانخراط في برنامج الإنعاش بالاستثمار في المؤسسات الصغيرة، والمتوسطة، والمؤسسات الناشئة، في مشاريع الصناعة التحويلية القصيرة المدى، المتماهية مع خيار الاندماج الوطني، والاستعمال الواسع للمواد الأولية والخدمات المحلية، والتقليل قدر الإمكان من الضغط على احتياطات الصرف.

وقبل هذا التفصيل، استعرض الرئيس جملة من الاختلالات التي عوقت الاقتصاد الوطني وكانت سببا في اتلاف احتياطي وطني من العملة الصعبة كان قبل فترة وجيزة يزيد عن 200 مليار دولار، التهمها الفساد، وسياسات استثمارية كانت تعول على الاستيراد، مع وجود مقدرات وطنية هائلة، لا من جهة توفر المواد الأولية، ولا من جهة الخدمات المحلية، مع غياب الشفافية والتعتيم المقصود، الذي حرم البلد من بناء نظام جبائي مجز وقادر على لعب دور التحفيز والتوجيه، وضعف نظامنا المصرفي، الذي ما يزال غير مؤهل للعب دور القاطرة، والشريك الداعم للمستثمرين.

برنامج إنعاش الاقتصاد الوطني الذي فصله الرئيس أمام المتعاملين الاقتصاديين، مقيد بخيارات فرضتها ظروف البلاد الصعبة، وأزمة الموارد المالية، والضغوط الاجتماعية المتراكمة التي تكون قد فرضت على الرئيس الالتزام بقدر من البراغماتية والتواضع في تحديد طموحات البلاد، بالابتعاد عن الاستثمارات الثقيلة المكلفة، التي تحتاج في العادة إلى أكثر من خمس سنوات لإنضاجها، وهي فوق ذلك غير مندمجة مع السوق الوطنية، مرتبطة بالكامل باستدامة التعويل على استيراد مدخلاتها بما في ذلك الخدمات، التي بلغت في المتوسط قرابة 12 مليار دولار سنويا.

دعم الدولة المالي والجبائي يقول الرئيس: سوف يذهب من دون تردد للاستثمارات في المؤسسات المتوسطة، والصغيرة، والناشئة، في الصناعات التحويلية في قطاع الفلاحة الواعد كما في الصناعة وفي الخدمات المتصلة به، وفي تثمين وتنمية الأنشطة المنجمية، وما يرافقها من صناعات تحويلية، سوف تسمح مع الطفرة الفلاحية الحالية في تقليص حصة المحروقات، بدليل أن عوائد الفلاحة هذه السنة (حوالي 27 مليارا) قد تفوقت لأول مرة منذ الاستقلال على حصة المحروقات (حوالي 24 مليار دولار).

وفي مكان ما يكون الرئيس قد اختار “منزلة ما بين المنزلتين” بين الخيار السائد زمن المرحوم هواري بومدين، الذي كان يطمح لبناء صناعة مصنعة، وبين الخيارات اللاحقة منذ النصف الثاني من عهد المرحوم الشاذلي، والربع الأخير من عهد بوتفليقة، فباستثناء بعض المشاريع الكبرى التي أعيد إحياؤها مثل: استغلال منجم الحديد بغارة جبيلات، ومشاريع صناعة الفوسفات ومشتقاته، والمشاريع المبرمجة في مجال الطاقة الشمسية، لا ينتظر في السنوات الخمس دخول البلد في استثمارات كبيرة مكلفة، لا تمتلك لها البلد ما يكفي من الموارد المالية والخبرات الخدمية.

وربما لأن العين بصيرة واليد قصيرة، فإن الرئيس لم يفصح عن طموحاته وطموحات البلد في بعث تنمية مستدامة، تستند إلى مخزون المقدرات الهائلة في مجال الطاقات المتجددة والفلاحة، وفي الموقع المتقدم للجزائر في طريق الحرير الصينية والغربية نحو السوق الإفريقية الواعدة، خيار يحتاج إلى إنضاج استراتيجيات تعاون مثمر مع شركائنا في الإقليم وفي العالم قد لا تتضح معالمه قبل حسم المعركة الدائرة حول إعادة رسم معالم الاقتصاد العالمي الجديد.

مقالات ذات صلة