-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مقاومةٌ بـ.. حلقِ الرؤوس!

حسين لقرع
  • 1235
  • 0
مقاومةٌ بـ.. حلقِ الرؤوس!

كثيرا ما يُفاجئ الفلسطينيون العالم بابتكارهم أساليب جديدة وأسلحة غير متوقعة لمقاومة العدوّ؛ فمن انتفاضة الحجارة في ديسمبر 1987 التي دامت 6 سنوات كاملة وأعادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة بعد أن ظنّ الاحتلالُ أنه أخمد صوتها، إلى انتفاضة السكاكين والدهس بالسيارات في السنوات القليلة الماضية، وصولا إلى ظاهرة “عرين الأسود” التي برزت في الأشهر الأخيرة وانتفاضة مدن الضفة التي تجاوز بها الشعبُ الفلسطيني عمليًّا عار أوسلو.

في مخيم شعفاط الصغير بالضفة الغربية انطلق الشاب عُدي التميمي (22 سنة) يوم 8 أكتوبر الجاري باتجاه حاجزٍ لجنود الاحتلال، ثم نزل من سيارته وأخرج مسدسه الصغير وأطلق عليهم عدة عيارات نارية من المسافة صِفر، ما أدى إلى قتل جنديةٍ وجرحِ اثنين آخرين، ثم هرع الشابُّ الشجاع إلى سيارته وانسحب بسلام. وحينما حاصرت كتائب من جنود الاحتلال مخيمَ شعفاط وشرعت في البحث الحثيث عن عُدي، قام العشراتُ من شبان المخيّم بحلق رؤوسهم “على الصفر” تشبُّها به، حتى يشتِّتوا جهود العدوّ ويضلّلوه فلا يدري أيُّهم عُدي! وفي هذا السلوك شهامةٌ وأنفة ورغبة في حماية البطل بأيّ طريقة، واعتزازٌ بعمليته البطولية التي قام بها ردًّا على جرائم الاحتلال اليومية بحقّ الفلسطينيين، وفيه دلالة واضحة أيضا على توفّر حاضنة شعبية كافية للمقاومة في الضفة، بعد أن ظنّ العدوُّ أنّ “التنسيق الأمني” بين جنوده وشرطة السلطة الفلسطينية قد جعلتها في خبر كان.

ما أقلق العدوَّ أكثر في هذه العملية، فضلا عن خسائرها وحمايةِ السكان للشابّ عُدي وإخفائِه إلى حدّ الساعة، هو أنّ الحاجز العسكري كان يضمّ 15 جنديا، لكنّ لا أحدَ منهم استعمل رشّاشه للردّ على عُدي وهو يطلق الرصاص على الجندية واثنين من رفاقها ثم يمتطي سيارته وينسحب بسلام، لقد ذُهلوا جميعا وشلّهم الخوف خلال العملية فلم يطلق أحدُهم عليه رصاصة واحدة، وفي هذا السلوك دلالةٌ على مدى جبن الجنود الصهاينة الذين لا يقاتلون إلا في قرى محصّنةٍ أو من وراء جُدر، ولو كانت هذه الجُدر المحصَّنة الآن على شكل دباباتٍ ومدرَّعات وعربات مصفَّحة وطائرات لا تطالها المقاومة.. يختلف الشكلُ باختلاف العصر لكنّ الجوهر واحد وهو أن اليهودَ أجبنُ خلق الله، غير أنّ الخذلان العربي، وكثرة الهرولة والخيانة والانبطاح، والانقسام الفلسطيني، والتنازلات المذلّة والمتواصلة.. هي التي جعلتهم يتوهَّمون أنهم لا يُقهرون.

في جنين ونابلس والقدس وكذا مخيم شعفاط الذي دخل التاريخ مؤخرا، ينتفض الفلسطينيون يوميا ويُشعلون الأرض تحت أقدام العدو، وينهون عمليا عهد “الاحتلال الأرخص تكلفة في التاريخ” بسبب حالة الأمن التي وفّرها “التنسيقُ الأمني” لجيشه ومستوطنيه في الضفة منذ أوسلو 1993 إلى اليوم.. الآن ينبغي أن يدفع الكيانُ ثمنا غاليا لاحتلاله كما دفعته من قبل الدولُ الاستعمارية جميعا في مستعمراتها السابقة قبل أن تثور شعوبُها وتطردها إلى غير رجعة بالدماء والتضحيات.

وسواء تعلّق الأمر ببداية انتفاضةٍ ثالثة، أو بأعمال مقاومةٍ هنا وهناك، فإنّ الأهمّ الآنّ أنّ الضفة تشتعل تدريجيا وتضع حدا لـ29 سنة من الخضوع والخنوع واللهث وراء سراب “السلام” وماراطون المفاوضات العبثية التي جعلت العدوَّ يتغوّل ويُمعن في اضطهاد الفلسطينيين واستباحة أراضيهم ومقدّساتهم.. والفضلُ في هذه الانتفاضة يعود لشبّان شجعان سمّوا أنفسهم “عرين الأسود” ولحاضنةٍ شعبية قرّرت احتضانهم وإخفاءهم ودعمهم ولو بحلاقة الرؤوس على الصفر لحمايتهم، وحتى لو اعتُقل البطلُ عُدي غدا أو ارتقى شهيدا فالمقاومة لن تتوقّف، وطوبى لها من مقاومةٍ تبدع كل يوم في ابتكار الحلول لمواجهة الاحتلال العنصري وكسر عجرفته، ولا ريب عندنا أنّ مقاومةً مثل هذه ستنتصر مهما طال الزمن وبلغت جسامة التضحيات.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!