-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مكانة العرب في التكنولوجيا

أوحيدة علي
  • 1691
  • 0
مكانة العرب في التكنولوجيا

إن الكلام عن مصطلح (التكنولوجيا) الذي ظهر في القرن الثامن عشر، يُدهش القارئ العربي، ويوهمه بأن هذا الموضوع أخرجه من بيئته الطبيعية، ومحيطه الاجتماعي، وأصالته التاريخية، إلى بيئة ومجتمعات أخرى أكثر تطورا بفضل التقدم السريع في ميدان التكنولوجيا، المعبِّرة في مفهومها الإيديولوجي عن الاختراعات الحديثة، والتقنية الدقيقة التي توصل إليها العالم الأوروبي، والمعسكران الشرقي والغربي، ولذا أصبح العلم والتكنولوجيا مقرونين في أذهان كل مثقف عربي بالحضارة الغربية دون سواها.

سبب هذا الاعتقاد يرجع في أساسه إلى عاملين:
عامل المصطلح: إن الثورة الصناعية التي شهدها العالم الأوروبي، ولدت مصطلحا جديدا يتمثل في (التكنولوجيا) الذي ينحصر مفهومه العلمي في علم الآلات، والوسائل، وتقنيات وطرق الانتاج البشري، وعلى هذا الأساس يمكن القول إن مفهوم التكنولوجيا ظهر منذ ظهور الإنسان على سطح الكرة الأرضية، أي ظهر مع أول مخلوق استعمل الحجر أو الغصن وسيلة من وسائل الدفاع عن النفس، أو البحث عن الغذاء والحصول عليه، وتطوَّر بتطوُّره، وقدرته على التحكُّم التدريجي في الوسطين الطبيعي والاجتماعي.
أما المفهوم الثاني الذي ينحصر في تطور العلم والتكنولوجيا فهو مفهومٌ إيديولوجي أرادته الدول المستعمِرة لسببين:
أولهما حضاري: أي صراع بين حضارتين، حضارة المستعمِر وحضارة المستعمَر، وهذا ما أدى إلى فكرة فصل العلوم عن حضارة الشعوب لتربط تراثها بالآداب، والتاريخ، والدين، في جميع برامجها التعليمية، لتصبح رهينة للماضي، أسيرة للمستعمِر، أثناء الاحتلال وبعد الاستقلال، وهذا ما دأبت عليه برامج التعليم في جميع أقطار العالم العربي بعد التحرر، إذ ربطت التراث العربي وحضارته بالآداب، والتاريخ، والدين، وأهملت العلوم وتطورها اعتقادا منها بأن هذا العلم من اختصاصات رجالات الغرب الذين يتميزون بمواهب عقلية عن غيرهم.
ثانيهما عنصري: والهدف منه تقوية الشعور بالنقص والتأخر عند الشعوبالمستعمَرة (بفتح الميم)، وتثبيت نظرية التفوُّق الجنسي الذي ينتقل بالوراثة من السلف إلى الخلف، والثقافات التي تؤمن بالعنصرية وتطبقها، هي الثقافة الأمريكية، وبعض الأقطار الأوروبية وجنوب إفريقيا، وروسيا، ولم تتوقف العنصرية عند هذا الحد، بل تعدت إلى الطبيعة إذ نرى بأن المناخ أثر على سلوك الفرد ونشاطه، ونوع الأعمال التي يقوم بها، وسببا في انتشار الزراعة هنا، والتكنولوجيا هناك، أما اللغة فتنقسم إلى قسمين: لغة علم، ولغة أدب.
إلا أن (جاكوب) يرى عكس ذلك بقوله: «لا الجنس البشري وحده، ولا المنطقة الجغرافية وحدها تعتبر من العوامل الإستراتيجية للتقدم التكنولوجي أو الثقافي أو المادي».
ثم يستنتج بأن الوراثة لا علاقة لها أيضا بالتقدم أو التأخر، وكذلك الجنس البشري ويستشهد بالعرب فيقول:
«إن العرب الذين كانوا مبدعين في الفلسفة، والرياضيات، والفنون الأخرى في حقبة من الزمن نراهم اليوم غير مبدعين في المواضيع نفسها» وهذه حقيقة سجلها التاريخ بين صفحاته.
عاملٌ تاريخي: إن جهل التاريخ، وعدم الاستفادة منه، وتجاهل غيره ودروسه في الحياة العملية، والمواقف الاقتصادية، والسياسية ظاهرة حضارية تميز العالم الثالث من غيره، وهذا ما جعل البعض منا يؤمن ويصدق بأن: (التكنولوجيا) تعبيرٌ عن التقدم الأوروبي دون غيره، إلا أن هذا المفهوم غير صحيح، لأن العرب سبقوا أوروبا في ميدان العلم والمعرفة، فهذا:
-جابر بن حيان: حُجَّة في الكيمياء.
-ابن يونس: مخترع رقاص الساعة قبل العالم الإيطالي بستة قرون كاملة.
-ابن النفيس: مكتشف الدورة الدموية الصغرى، وأول من تحدث عن تنقية الدم في الرئتين بثلاثة قرون قبل العالم الإنجليزي هارفي.
-ابن الهيثم: أكبر مكتشف لعلم المناظر حسب دائرة المعارف البريطانية وما بدأه ابن الهيثم أكمله نيوتن.
-البتاني: أحد العشرين فلكيا المشهورين في العالم كله كما يلقب بـ(بطليوس العرب).
-ابن سينا: طبع كتابه (القانون) في القرن الخامس عشر ست عشرة مرة، وأعيد طبعه في القرن السادس عشر عشرين مرة، وظل المرجع الأساسي في جامعات أوروبا حتى أواخر القرن السابع عشر.
-البيروني: أعظم عقلية عرفها التاريخ، نجهلها نحن، ويعرفها المستشرقون الذين احتفلوا بالذكرى الألفية لمولده سنة 1973 بقرار من منظمة اليونسكو.
-أبو بكر الرازي: يلقب بـ(أبو الطب العربي) حُجَّة في الطب إلى القرن السابع عشر ظلت موسوعته الطبية أربعة قرون المرجع الأساسي للتدريس، كما أقيم له نُصبٌ تذكاري في كلية الطب الفرنسية في باريس، وخصصت له جامعة برنستون الأمريكية أجمل بناء لمآثره وأطلقت عليه اسمه.
-ابن البيطار: هو أشهر علماء النبات والصيدلة في العالم الإسلامي، وقد اعتمد الأوروبيون مراجعه في نهضتهم الأخيرة في علم الصيدلة والنبات.
-أبو القاسم الزهراوي: طبيبٌ وجراح من أعظم جراحي العرب، وقد تُرجمت كتبه إلى لغات عديدة ودرِّست في جامعات أوروبا واقتفى الجراحون الأوروبيون أثره من أوائل القرن الخامس عشر إلى أواخر القرن الثامن عشر، ونقل الأطباء الغربيون صورا للأدوات الجراحية العربية.
-أبو العوام: عالم في الزراعة والنبات.
-الجلدكي: أول عالم نبَّه إلى خطر الغازات، والأبخرة الناتجة عن التفاعلات الكيميائية على صحة الإنسان.
الصيدلة: لقد خطا العرب فيها خطوات سريعة، وكانوا مجلين في اختراع الأدوية، واكتشاف العقاقير الطبية، فمن الصيادلة نذكر: جابر بن حيان، الرازي، ابن سينا، ابن رشد، ابن النفيس، ابن أبي البيعة، ابن البيطار، سابور بن سهيل، ابن بطلان، ابن التلميذ، البخاري الطبري، ابن الجزار، ابن جلجل الأندلسي… وغيرهم.
أما في علم الكيمياء فقد اشتهر العرب فيها شهرة واسعة، حتى أن المؤرخين والعلماء يسمُّونها “علم المسلمين”، يقول العالم الإيطالي: لويجيرينالدي إن العرب كانوا أول من أنشأ مصانع الورق في الأندلس وصقلية، وهي كيميائية، ومنها انتشرت هذه الصناعة في أوروبا.
هذه المعلومات قطرة من أمواج بحر الكتب والمراجع، فهل يبقى شك في ريادة العرب وفي جحود العالم الغربي الذي أنكر فضل الإسلام وعلمائه، وإلا كيف نفسر النص التالي: «وتدفقت جموع العرب المتوحِّشين بوجوههم السوداء، وخيلهم الكئيبة فوق أرض إسبانية التي تركها أهلُها فزعا، وانثنت الأرض ألما تحت وقع سنابك خيولهم التي خرّبت الحقول، وهدّمت المنازل، ولم تترك نباتا ولا زرعا». هذا هو النص الذي يقرأه أطفال المدارس في الغرب عن فتح المسلمين للأندلس، فهل هذا النص يصور الحقيقة؟!
لماذا لم يستطع الغربيون القول لأبنائهم إن للمسلمين دورا ايجابيا في تطور أوروبا في شتى الميادين العلمية؟ وأن قرطبة كانت زينة الدنيا سنة 950م بفضل المسلمين الذين فتحوا الأندلس، لأنها تضاء ليلا بمصابيح تثبَّت على حيطان المنازل، وتباشَر فيها أعمال النظافة عن طريق عربات تجرها الثيران، وقد اتخذت (عاصمة النور) باريس قرطبة مثالا بعد قرنين؟
لماذا لم ينقل الغربيون الحقائق لأبنائهم كما هي من دون تشويه أو تزييف؟
مما سبق ندرك أن الأصالة هي الحصن المنيع للنجاح في المستقبل، وأن أسباب التأخر لا تكمن في الجنس البشري، أو الموقع الجغرافي، أو لغة المجتمع، كما ادَّعى المستعمِر بل تنحصر أساسا وأخيرا في المجتمع، بل تكمن في نخبه ومسؤوليه وأولي أمره. ومن له رأيٌ غير هذا فليُنِر به القراء، ولا يستحي من الحق.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!