-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

منع الآخرين من الانتخاب.. بأيّ حق؟!

منع الآخرين من الانتخاب.. بأيّ حق؟!
ح.م

إن حجر الزاوية الأساس والوحيد في البناء الاجتماعي والنهضوي والحضاري السليم هي: ممارسة فعل القراءة الراشدة الواعية العميقة والمتنوعة والدائمة، التي تُوَّلِدُ بشكل تلقائي وطبيعي أنوار وتوهج وروحانية وإشراقات الوعي الإيجابي والحقيقي الفاعل لدى مجموع أفراد المجتمع المنسجمين، وبها ومنها وعليها تتحقق وحدة وذاتية أفراد المجتمع البنيوية، وتبدو للملاحظ روعة وجمال أبنيته العميقة المتماسكة والمصهورة والمُبلورةً في بعدها: التصوري والإيماني والفكري والعقلي والوجداني والسلوكي والإنجازي..

ولا يتحقق ذلك كله إلاّ بفعل الاستفادة الحقيقية من ثمرات تلك الممارسة الحضارية البحتة، ومن دون ممارسة فعل القراءة المقدس، أو بما يتوهمه العقل الضال من أنه باعتقاد نقيضه، أو بممارسة غيره يمكن لأفراد المجتمع أن يحققوا خطوة واحدة في طريق النهضة السوية، لأنه بغير تلك الممارسة الإيمانية الفاعلة تتولد أصنافٌ من الوعي السلبي المدمِّر والقاتل، كما تتوالد الأفكار: المُثبطة والمُشِلَةُ والَميتة والُممِيتة والقاتلة.. فيصير ثمة وعيٌ سكوني خامل، ووعي سلبي مدمِّر، ووعي وهمي زائف، ووعي هجين متناقض، ووعي مَرضي قاتل، يُفضي بأفراد المجتمع إلى العُقد الوجدانية والأمراض القلبية والأسقام النفسية.. ويتحول الوعي السكوني السلبي الخامل جراء تلك الأسقام النفسية المتولدة عن عدم ممارسة فعل القراءة وتوالد الوعي الإيجابي إلى عقدة الُذهان، التي تشلُّ الإرادة شلا كليا في الإنسان المتأزم، وتُحوِّله إلى نقيضين في آن واحد، فهو صديق نفسه ومجتمعه ووطنه وقيادته وحكومته وبلده وماضيه وتاريخه وأمل مستقبله.. من جهة، وهو عدوها في الآن نفسه من جهة ثانية دون أن يدري.

وهذا الذي حدث –للأسف- للشعب الجزائري اليوم، إذ شلَّ الجهلُ والظلام وقلة المعرفة وضيق الاطلاع -على حقيقة ميلاد لحظة النهضة والتحوّل التاريخي التي كان يجب عليه أن يُحسن استثمارها- كامل طاقاته وبددها شذر مذر.. فلم يعد يُفرّق بين من يحبه ومن يكرهه، ومن معه، ومن ضده، ومن كان يهتف ويصفق ويصدح باسمه، وكيف صار يعدّه عدوا له ولطموحاته وآماله العِراض.. ودخل في دوامة الجهل والظلام الحقيقي عن وعي حقيقة الطفرة التغييرية التي أهداها الله إليه في لحظات غير مدروسة أو متوقعة، عندما صار يمنح لنفسه حقوقا، ويعطيها امتيازات دون علم ووعي وهدى ورشاد. وصار يعتقد بجهله وغيبوبته الفكرية أنه بإمكانه منع فئة أخرى من الشعب ممارسة حقوقها الطبيعية والاجتماعية والسياسية.. في الوقت الذي نفر فيه على الطرف النقيض قطاعٌ عريض من المجتمع غير المنسجم ليمارس –جهلا- حق دفع القسم الآخر من المجتمع ليتعاطف معه ويسير معه في ممارسة حقه الطبيعي في الحياة، ويتخلى قسرا عن ممارسة حقه الذي يعتقده الصواب..

ولكن السؤال المركزي هنا مفاده: (من هو المصيب من المجتمع؟ ومن هو المخطئ منه؟)

وللإجابة على هذا السؤال المفصلي هنا، نقول: إن الفيصل الفاروق في تحديد معسكر المصيبين من معسكر المخطئين هو: تحديد مدى فهم كل فصيل منهم لحقيقة باب الحقوق والواجبات وممارستها وفق مبدأ الحريات والعدل والمساواة.. وفهم مرجعية وآلية من يمتلك الحق في الحجْر على هذا الفصيل أو ذاك في ممارسة الحق. وهذا كله لا يتأتى إلاّ بركن القراءة والتعلم وتوالد الوعي الحقيقي، وهو ما يدفعنا إلى توضيح الصورة للمؤيدين لممارسة الحقوق بسلمية، وللمعارضين والمانعين لممارسة الحقوق ولو باستعمال القوة.

أهمية معرفة ركن ممارسة الحقوق والواجبات:

تشير تعاليم الدين الإسلامي قبل أربعة عشر قرنا إلى أهمية تمتُّع الإنسان بجملة من الحقوق والحريات الطبيعية كحق الحياة والغذاء والسكن والصحة والتعليم والتربية والتنقل والسفر والزواج.. وهي حقوقٌ طبيعية فطرية مضمونة لا تحتاج إلى قوانين تدعهما أو ترسمها، على العكس من  المواثيق والمعاهدات والبروتوكولات الدولية، ولاسيما ميثاق الـ10/12/1948م التي ترى أن الإنسان له الكثير من الحقوق الواجب التمتع بها وممارستها وفق شروط القانون الدولي والدستوري والإداري، وهي مقسمة وفق التقسيم التالي:

أولا- مجموعة الحريات الشخصية، وتشمل: الحرية الشخصية للفرد، وحرية التنقل، وحق الأمن على حياته وجسده، وحرمة المسكن، وسرية المراسلات.

ثانيا- مجموعة حريات الفكر، وتشمل: حرية العقيدة، وحرية التعليم، وحرية الصحافة، وحرية الرأي.

ثالثا- مجموعة حريات التجمُّع، وتشمل: حرية الاجتماعات، وحرية تأليف الأحزاب والجمعيات ذات الوجود المستمرّ.

رابعا- مجموعة الحريات الاقتصادية، وتشمل: حق الملكية والتملك، وحرية التجارة والصناعة واختيار وتغيير المهنة..

خامسا- مجموعة الحقوق والحريات الاجتماعية، وتشمل: حق العمل، وما يتفرع عنها من حقوق العمال، كحرية اختيار نوع العمل، والحق في الراحة والفراغ والتقاعد، والحق في المعونة عند المرض أو الشيخوخة أو العجز عن العمل..

سادسا- مجموعة الحقوق السياسية، وتشمل: حق الانتخاب، والترشح، وحق تقرير المصير.

وينتظم هذه الحقوق مبدأ (المساواة) لكل المواطنين أمام القانون، ويتفرَّع عن هذا المبدأ الحقوق التالية:

1– مساواة المواطنين أمام القانون.

2– مساواة المواطنين أمام القضاء.

 3– مساواة المواطنين في التقدم لوظائف الدولة.

4– مساواة المواطنين في التكاليف والأعباء العامة.

وهنا وجب على أفراد الشعب الجزائري أن يسألوا أهل العلم والذكر من النخب المتخصصة في القانون والعلوم السياسية والشرعية، أو أن يتعلموا بأنفسهم ويمارسوا فعل القراءة المقدس عن كيفيات ممارسة الحقوق وتأدية الواجبات دون اختراق للقوانين الساري والجاري العمل بها. ويتوصلوا بأنفسهم إلى امتلاك المعرفة الصحيحة والحقيقية التي تنتظم هذا الحقل الاجتماعي الحساس.. ويعلموا ويتعلموا أنه لا يحق لأحد، أيّاً كان، أن يمنع أحدا، أيّا كان، من ممارسة حقوقه في ظل القانون، كما لا يحقُّ لأحد أن يدفع أيا كان بأن يمارس حقوقه بأي طريقة مخالِفة للقانون، وكل ما في الأمر هو أن يلتزم أولو الأمر والنخب بتنوير الأمة وأفراد المجتمع بأهمية ودور ممارسة الحق والتمتع به في لحظته التاريخية، لِما في ذلك من خير ونفع يعود على الأمة. وعليه فلا يحقّ لمعارضي الانتخابات أن يتعسَّفوا في منع أو دفع الطرف الآخر المتحمس للتمتع بممارسة حقه، لأنّ في ذلك خرقاً للقانون والمتعارف عليه اجتماعيا، وكل ما في الأمر الاحتكام لممارسة هذا الحق يوم الانتخاب، فمن أراد أن ينتخب فلينتخب، ومن أراد ألا ينتخب فلا يحق له أن يمنع أحدا أيا كان أن يمارس حقه، وعليه الاكتفاء بذات نفسه والامتناع، أو المشاركة واختيار الطريقة المناسِبة له ولحالته بالاقتراع فقط.

والطرف الوحيد والمخول هنا فقط للحجر عن المتعسف في ممارسة الحق هي السلطة التي يحق لها الوقوف والحجر عن المتجاوزين للقوانين من كلا الطرفين. والله أعلى وأعلم.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • ابن تومرت

    دعوكم من الانتخابات الفارغة التي تكلف الاموال الباهظة... واهتموا بمشاكل مناطق الظل التي صدعتم راسنا بالحديث عنها...

  • الناصح الأمين

    أنا انتخب منذ سنة 1976م إلى حد كتابة هذا التعقيب.. أي حوالي 45 سنة فراغ.. ولم نحصل على شيء مهم لحياتنا الكريمة التي تعدنا ومازالت تعدنا بها السلطة للأسف الشديد إلى حد كتابة هذا التعقيب.. فإلى الله تعالى المشتكى؟؟؟؟

  • مروة بوطة

    صدق قوله،فلو كان البحر مدادا لكتابة مدحنا له لنفد البحر قبل أن ينفد مدحنا عنه،انه وريث الانبياء...