-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

من أجل بلديةٍ عصرية التوجّه عقلانية التسيير

بشير فريك
  • 480
  • 1
من أجل بلديةٍ عصرية التوجّه عقلانية التسيير

تحتفل المجموعات المحلية في الجزائر سنويا باليوم الوطني للبلدية المصادف للثامن عشر جانفي من كل سنة منذ ترسيم هذا التاريخ الموافق لإصدار أول قانون للبلدية في جزائر الاستقلال في 18 جانفي 1967.
ولأن البلدية هي الخلية القاعدية لبناء الدولة والتجسيد العملي لمبدأ اللامركزية الذي نصت عليه كل دساتير الجمهورية، وبمرور ما يقارب ستة عقود من ذلك، وبهذه المناسبة نقف وقفة تأمل وتفحص لواقع بلدياتنا بما لها من أجل تثمينه وما عليها للعمل على إحداث نقلة نوعية للأداء البلدي استجابة لأهداف السلطات العمومية وتطلعات المواطنين في القاعدة.
ولعله من الأهمية بمكان التسجيل أن التقسيم الإداري لسنة 1984 الذي رفع عدد البلديات إلى 1541 قد تجاوزته الأحداث بصرف النظر عن الاختلالات التي شابته، إذ لم يُعتمد أي معيار موضوعي علمي إحصائي دقيق في عملية إنشاء البلديات الجديدة، ما جعل جل البلديات عاجزة تعيش على كاهل الدولة منذ إنشائها والى اليوم.
ومن هنا نرى أنه من المهمّ فتح ملف التقسيم الإداري بالنسبة للبلديات وضبط المعايير على أساس الكثافة السكانية والقابلية للعيش على توفر الموارد الفلاحية أو الصناعية أو التجارية والسياحية والمنجمية أو أي معيار ير ى الخبراء والمختصون انه يمكن الاعتماد عليه لإنشاء بلديات جديدة .
والحديث عن التقسيم الإداري للبلديات لا يفترض بالضرورة زيادة العدد هنا وهناك، ولكن في ضوء التقييم الدقيق للواقع المحلي يمكن إنقاص العدد أو دمج بلديات صغيرة في بعضها أو الارتقاء بالأحياء والتجمعات السكانية الكبرى إلى مصاف البلديات استجابة لتطلعات سكانها، وهي التطلعات التي كثيرا ما كانت مهملة من البلدية الأم، مما جعل مواطنيها يعانون التخلف في أبسط ضروريات الحياة، والأمثلة كثيرة جدا.
إن حجم مساحة الجزائر الكبير وانتشار التجمعات السكانية عبر المدن والأرياف بالآلاف والتي ظلت من دون تغطية إدارية وتنموية وأمنية واجتماعية إذ كان ومازال الكثير من قاطنيها يعيشون على هامش الحياة المحترمة ، وقد أبرزت مبادرة التكفل بمناطق الظل عمق الهوة بين هذه المناطق المنسية وباقي التجمعات السكانية الحضرية والريفية على السواء .

الملاحظ أن اعتماد نظام القرى وتقنينه وهيلكته أخذت به عديد البلدان على غرار انجلترا ومصر وغيرهما، وبالتالي فإن الاستئناس بالتجارب العالمية من شأنه أن يوسِّع ويعمق الرؤية الاستشرافية لمستقبل بلدياتنا التي ظلت أسيرة النموذج الفرنسي الذي عفا عليه الزمن وتجاوزته جل المجتمعات العصرية شرقية كانت أو غربية. كما نرى أنه لابد من التكفل الجدي بتسيير المدن الكبرى لاسيما وهران وقسنطينة وعناية وسطيف وباتنة… بجعل المقاطعات الحضرية بها بلديات كاملة الصلاحية على غرار وضع ولاية الجزائر حاليا بصرف النظر عن تحويلها فيما بعد إلى ولايات.

وللتكفل بهذ المناطق تلقائيا، فإنه من الممكن التفكير في أسلوب هيكلة القرى والأحياء السكنية وتنظيمها بشكل يجعلها كيانات قانونية أو تنظيمية متفاعلة مع واقع البلديات الأم بشكل تلقائي من خلال ممثلين لها في المجالس المحلية البلدية والولائية .
والملاحظ أن اعتماد نظام القرى وتقنينه وهيلكته أخذت به عديد البلدان على غرار انجلترا ومصر وغيرهما، وبالتالي فإن الاستئناس بالتجارب العالمية من شأنه أن يوسِّع ويعمق الرؤية الاستشرافية لمستقبل بلدياتنا التي ظلت أسيرة النموذج الفرنسي الذي عفا عليه الزمن وتجاوزته جل المجتمعات العصرية شرقية كانت أو غربية. كما نرى أنه لابد من التكفل الجدي بتسيير المدن الكبرى لاسيما وهران وقسنطينة وعناية وسطيف وباتنة… بجعل المقاطعات الحضرية بها بلديات كاملة الصلاحية على غرار وضع ولاية الجزائر حاليا بصرف النظر عن تحويلها فيما بعد إلى ولايات .
ولأن قانون البلدية على ما يبدو في مراحل متقدمة من إعداده على مستوى الحكومة قبل عرضه على البرلمان، فإننا نرى أنه من المفيد التأكيد مرة أخرى على جملة من الأفكار والنقاط الهامة التي من شأنها أن تساهم في إثراء النقاش بشأن مشروع القانون الموعود به منذ سنوات .
إن تخفيف عبء الوصايات الصورية على المجالس البلدية يجب أن يجسّده القانون الجديد، سواء تعلق الأمر بدور الوالي أو الولاة المنتدبين أو رؤساء الدوائر وحتى مديريات المجلس التنفيذي وتقسيماتها على مستوى الدوائر والمقاطعات الإدارية؛ إذ ينصبّ دور هؤلاء على رقابة مشروعية عمل هذه المجالس من دون محاولة رقابة الملاءمة أو الحلول محلها بطرق ملتوية، على أن ينصبّ عمل المديريات التقنية على مساعدة البلديات غير المؤطرة والعاجزة عن التكفل بمهامها التنموية التي تتطلب إطارات كفأة من ذوي الاختصاص في شتى قطاعات النشاط.
ثم إنه لابد من إيجاد النصوص القانونية والتنظيمية لضمان التوازن المالي للبلديات من خلال فك لغز جدلية الجباية المحلية وإعطائها مفهوما عمليا يعطي حدا مقبولا من الموارد الجبائية لمختلف البلديات، بالإضافة إلى تمكين المنتخبين المحليين من الأدوات القانونية لتشجيع الاستثمار في القطاعين العامّ والخاص، وفي السياق ذاته يمكن مراجعة قانون الأملاك الوطنية بما يسمح بتمليك أو منح بدل الإيجار أو الامتياز للبلديات والتنازل عن بعض الأملاك الخاصة للدولة لصالح المجموعات المحلية. كما يمكن تحديد بعض الأنشطة التجارية والخدماتية أو الصناعية وتحويل ضرائبها ورسومها للبلديات، في حين يمكن تصوُّر تخصيص نسبة معينة من الجباية البترولية تصبُّ مباشرة لصالح البلديات الفقيرة، وهذا كله لا يتم إلا عن طريق القناعة السياسية التي تجسّدها نصوص قانونية أو تنظيمية حسب الحالات.
ولأن المجالس البلدية هي ثمرة العمليات الانتخابية، فإنه يجب أن ينص القانون البلدي والانتخابي على ضوابط لاختيار المترشحين للمناصب النوعية بالبلدية من ناحية المستوى والخبرة والنزاهة والتشبع بثقافة خدمة الدولة والشأن العامّ.
وعلى المستوى الحزبي لابد من الاجتهاد ولو بالتنسيق مع الإدارة على ضمان الرسكلة لمختلف الأصناف الوظيفية في البلديات.
إن البلديات هي الواجهة الأمامية للدولة في مواجهة المواطنين بانشغالاتهم وتطلعاتهم ومشاكلهم غير المتناهية التي تفرضها المهام المنوطة بها قانونا وتقليديا، وبقدر ما تتمكن البلدية من احتواء المشاكل والاهتمامات المحلية تكون قد وفرت أرضية الاستقرار الاجتماعي المحلي ومن خلاله الوطني .
ومن هنا، فإنّ على السلطات العمومية المركزية إيلاء أهمية أكثر جدية لواقع البلديات في تسييرها وتأطيرها ومرافقتها في الاضطلاع الأمثل بأعبائها لأنها بذلك تخفف العبء عن السلطات المركزية بشكل واضح .
من ذلك أنه على القانون الجديد للبلدية ونصوصه التنظيمية أن يعالج بعض الإشكالات المطروحة في الإدارة البلدية من خلال الفصل في وظيفة وصلاحيات الأمين العام للبلدية وتعيينه وقانونه الأساسي واعتباره الرئيس الفعلي للإدارة البلدية، مع اشتراط حدود معينة للشهادات والتكوين والخبرة بصرف النظر عن النزاهة والنظافة .
وتبقى عملية التأطير والرسكلة لدى الموظفين محورية، لاسيما في المناصب النوعية من مديرين ورؤساء المصالح…
ولعل تسريع الرقمنة في الإدارة البلدية من أولى الأولويات في المصالح التي لم تشملها حاليا، خاصة المصالح التقنية والمالية والاجتماعية والصفقات العمومية، وذلك من أجل تحجيم الأخطبوط البيروقراطي، وبالتبعية محاربة الفساد من رشوةٍ واستغلال السلطة ومنح الامتيازات غير المبررة، وغيرها من المظاهر والسلوكات السلبية.
ولعل تمكين البلديات من سلك الشرطة البلدية يوضع تحت المسؤولية المباشرة لرئيس البلدية ونوابه والأمين العام عند الضرورة من شأنه أن يمكّن البلديات من آلية تنفيذ قراراتها الإدارية التنظيمية في العمران والنظافة العامة وحفظ النظام…
إنّ إصلاح البلديات الجزائرية أمام فرصة تاريخية قد لا تكرر، فالسيد رئيس الجمهورية أفنى شبابه في الجماعات المحلية ويعرف همومها وانشغالاتها واختلالاتها وتطلعاتها، والسيد وزير الداخلية كأقدم والي في الجزائر بنحو 30 سنة خبرة في الميدان، من شأنه أن يساهم بفعالية في إعطاء دفع قوي لهذه الكيانات التي تتولى كل شيء ومُنتقَدة في كل شيء.
أخيرا نرى أن التفكير في إنشاء وزارة مستقلة عن الداخلية مكلفة بالجماعات المحلية من شأنها أن تفتح آفاقا واسعة للتقييم والتقويم للبلديات والولايات باعتبارها حجر الزاوية في التنمية والنهضة الوطنية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • الامين شريط

    معاينة صحيحة لواقع الجماعات المحلية و مقترحات ممتازة....لكن الجقيقة المعروفة ان السلطة المركزية في الجزائر ترفض توزيع او تقسيم الوظيفية الادارية و ترفض وجود مصادر قرار اخرى و همها الاساسي التحكم في كل كبيرة و صغيرة بما في ذلك تعيين ابسط الموظفين في البلدية...