-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

من أجل تطهير المجتمع المدني

من أجل تطهير المجتمع المدني
ح.م

قرار السلطات العمومية العليا مؤخرا بمكافأة المنظمات التطوعية التي نشطت بفعاليّة خلال أزمة كورونا، واعتمادها قريبا من طرف وزارة الداخلية بصفتها جمعيات ذات منفعة عامّة، هو خيار في الاتجاه الصحيح، يعيد ملف المجتمع المدني المتعفن منذ ثلاثة عقود إلى الواجهة.

يجب الإقرار أن ميلاد المجتمع المدني في الجزائر منذ بداية الانفتاح والتعددية السياسية نهاية الثمانينات من القرن الفائت، وعلى غرار نشأة الكثير من الأحزاب، كان في سياق وظيفي لخدمة السلطة، خارج الأسس الأصلية للمفهوم الذي يتجسّد عبر نشاط مدني مستقل عن الحكومة بكل أجهزتها التنفيذية، بل يمارس الرقابة الخارجيّة على أعمالها.

لكن ما وقع في بلادنا هو أن السلطة نفسها هي التي صنعت واجهة المجتمع المدني في الغالب، وجعلته مرتبطا بها ماديّا وإداريّا إلاّ في حالات نادرة، لأنها تعتبره مجرد امتداد للمنظمات الجماهيرية على عهد الحزب الواحد، والذي لم تكن مهمته سوى الدعاية لأيديولوجية وقرارات السلطة السياسية، أما من خرج بعد 1989 عن طاعتها فقد حاصرته بكل الطرق، أو بقي على هامش الحياة العامة يعاني التضييق والتمييز السلبي. بمعنى أن السلطة السياسية تعاملت مع المجتمع المدني وفق مقاربة الجهاز، فهي تستعمله وقت الحاجة، وتتعامل معه كملحق وظيفي، أو وفق مقاربة الاحتواء من خلال رهن حريّة تحركاته بالمساعدات الرسميّة، لكنها رفضت في كل الأحوال أن ينشأ ويترعرع مستقلا فعليا عن إرادتها.

هذا الواقع المنافي لشروط حيوية المجتمع المدني الأصيل أفرز طبقة من النشطاء الصوريّين، ولكنهم منتفعون ماديّا وشخصيّا، صاروا يُعرفون منذ التسعينات في الدوائر الإعلامية والسياسية بالمجتمع المفيد، وقد سيطروا على المشهد الجزائري في العقدين الأخيرين، بسبب سياسة التدجين والإلحاق التي أمعن فيها النظام السياسي على عهد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، جعلت المجتمع المدني الواسع مُختزلاً في لجان مساندة موسميّة تقتات على فضلات الفساد الانتخابي.

اليوم تُحصي الجزائر وفق الأرقام الرسمية ما يقارب 90 ألف جمعية في مستويات وطنية ومحليّة، لكن الأكيد أنّ حضورها النشطوي الفعلي لا يتجاوز بضع مئات من الجمعيات، والباقي مجرد وثائق اعتماد ومكاتب فارغة وأختام جاهزة في المحافظ وفواتير لتحويل الأموال العمومية، تمنح أصحابها جاها ونفوذا وعلاقات عامة، مقابل تقديم عرابين الولاء والتزلّف للمسؤولين، وإن تعذر عليهم ذلك، تحوّلوا إلى وقود معركة وجوديّة ضدّ المسؤولين، يحاربون مع معسكر بارونات المال والمصالح من جماعات الضغط.

بتوجّه وزارة الداخلية نحو الفرز والتمييز الإيجابي، إنصافًا لرجال الميدان وإبعادا لجماعات الأضواء، من الضروري أن يتعزز هذا الخيار بحزمة آليات إدارية مركزيّا ومحليّا، لتطهير المجتمع المدني من الطفيْليّين والانتهازيّين، لأجل توجيه الدعم المادي الحكومي حصريّا لمن يقدم الخدمة العموميّة.

بل يجب كذلك فتح ملفات تمويل الجمعيات الوطنية الكبرى على مدار سنوات والتي التهم بعضها الملايير من وزارة التضامن وقطاعات أخرى، في صورة “عقود برامج” وهميّة، تمّ استعمالها كغطاء للاستحواذ على المال العام دون حسيب ولا رقيب.

كما أن تشديد الرقابة والتدقيق المالي في نفقات الجمعيات المستفيدة من الدعم، لتبرير كافة المصاريف بكل شفافية، بات أمرًا ضروريّا لأخلقة النشاط المدني.

بالمقابل وجب على السلطة السياسية أن تفتح المجال أمام المجتمع المدني الفاعل للنشاط بحرية كاملة في إطار قوانين الجمهورية، والتوقف عن التعامل السياسي مع أطيافه بمنطق الولاء والبراء، بحيث تقدّم حليفها وخادمها، بينما تعرقل من يرفض الدوران في فلكها، إذ نسجّل حاليّا مئات الشكاوى من طلبات اعتماد  مجمّدة بمصالح الإدارة دون أسباب قانونية وجيهة، وفق تصريحات المعنيين.

إذا كانت الإدارة جادّة في تنقية النشاط المدني خدمةً للصالح العام وللنفع الاجتماعي، فعليها تطبيق قواعد العدل والمساواة والتنافسية في العلاقة بمكونات المجتمع المدني، بحيث يكون معيار التفاضل الوحيد بينها هو العمل في الميدان والأداء التطوعي، بعيدا عن مقياس التحيّز السياسي، لأنّ الدولة الحديثة في زمن الرأسماليّة وتراجع تدخلها في النشاط العام إلا بقدر ما يفرضه التنظيم والتأطير، صارت بحاجة ماسّة إلى مجتمع مدني وطني وقوي التمثيل والاقتراح والأداء.

واستكمالاً لمسار التحرّر، على الجمعيات كذلك السعي الجدّي في توفير بدائل تمويل لأعمالها ضمن شركاء المحيط الاقتصادي والاجتماعي حتى تكون في حلٍّ من أمْرها مع السلطة السياسية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • عبد الرحمن

    ما يسمى جمعيات مدنية ، و بدون استثناء ، هي في الحقيقة ، كولون جديد ، يعبث بخزينة الشعب الجزائري، وينهبها نهبا رهيبا ، ويذل الشعب الجزائري أيما إذلال . فهذه الجمعيات بدون استثناء، همها النهب و السلب باسم الشعب الجزائري .هذه الجمعيات بدون استثناء ، تمارس الظلم و القهر و العبودية على الشعب الجزائري ، فهي جمعيات تمارس كل شيء إلا فعل الخير ، فهي بعيدة كل البعد عن ذلك، فهمها التربح و اللحاق بأرباب العمل . ولكن نستأهل أكثر ، لأننا رحبنا بالراسمالية المتوحشة واعتبرناها الفردوس المفقود. وينطبق علينا المثل القائل: يداكا أوكتا وفوك نفخ . وشكرا جزيلا.

  • نمام

    لقد دفع المناضلون الكثير ليصبح المجتمع المدني جزءا من الخطابات الحكومية والاعتراف به شريكا كامل الحقوق في وضع خطط التنمية والاحتكاك مع السلطة والمواجهة بتبادل وتراشق الاتهمات حول المشاريع و فشلها او بشان التخطيط لعدم التنسيق وفي العراك الاخير اثبتت الجمعيات انجازات فشلت الاحزاب فيها ما يثير مخاوف الساسة والسلطة وقد نرى فيه مشاكسا يحد من هيمنتها على الشان العام ولذا التصالح معها ضرورة وقد راينا تنازلات من النظام السابق لقوى خارجية لضمان استمرار السلطة رجل مقعد يحكم وتضييق الحريات ويبقى المازق في التموين لهذه الجمعيات فالدولة قد تقلص العون بدعوى تخصيص المال للامن محاربة ارهاباو لمشاكل طارئة