-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

من أجل ميدالية ذهبية للكفاءة العلمية

من أجل ميدالية ذهبية للكفاءة العلمية

وأخيرًا، وبعد مدّ وجزر، وكر وفرّ، وما مسّنا من الضّر، تمخضّت امتحانات البكالوريا عن نتائجها، وكان ذلك نهاية الحصاد العلمي للسنة الدّراسية، فكانت أفراحٌ هنا، وأتراحٌ هناك، وكانت زغاريدٌ وشموعٌ هنالك، وتعاويذٌ ودموعٌ لدى أولئك.

كانت السنة المنصرمة، من أصعب وأتعب السنوات الدراسية، أذاقت الأبناء والأولياء أسوأ معاني الابتلاء، بالإضرابات، والمسيرات والتلويح “بالإصلاحات” وشتّى أنواع التحدّيات المهدّدة للثوابت والهوّيات.

لقد تنفّس الجميع الصّعداء، بعد كلّ هذا العناء، وبقي أن نعي درس الأمس، بالصوت العالي، وبعيدًا عن الدّس، والكيد والهمس.

إنّ من الدّروس الهامّة التي يجب التأكيد عليها، هي أنّ منظومتنا التربوية مريضة، وحصاد المريض مريضًا، وإنّ من أعراض مرض منظومتنا، فقدان الوضوح والشفافية في ما يعدّ من مناهج وإصلاحات، وعدم إسناد الأمور للمخلصين من الكفاءات، وهو ما فتح الباب واسعًا أمام الإشاعات، والتأويلات، والتقوّلات.

فتحتَ غطاء الأجيال من الإصلاح أقحِم ما هو متاح، وما هو غير مباح، وتحت عنوان التقشّف في الصرف، تتجّه منظومتنا التربوية إلى ما لا ينصرف.

فإن صحّ ما تتداوله وسائل الإعلام من خلخلة النظام، وإعادة النظر في كلّ ما هو إسلام، بدءا باللباس الشكلي، وانتهاء بالتربية والتاريخ، والأحكام، فأين يكمن الخلل، وأين يتجلّى الإصلاح والنّظام؟.

وإذا صدق ظنّ الفاعلين في السّاحة التربوية، من”تطهير” الكتاب المدرسي الجديد من الآيات القرآنية، والأحاديث النّبوية، وإنّ بعض الظنّ ليس بإثم، ما لم تفنِده الوزارة الوصيّة، إذا صحّ ذلك فإنّنا نتساءل إلى أيّة أمّة يتجه هذا الكتاب، وأيّ جيل سيكوِّنه مثل هذا الكتاب؟.

ويزيد العارفون في الشأن التربوي، فيقولون بأنّ التربية الإسلامية ستُحذف في الامتحان القادم للبكالوريا، من بعض الاختصاصات، كالشعبة العلمية، وتُترك للاختيار بينها وبين الأمازيغية، وكأنّ الإسلام والأمازيغية دخيلان على الطفل الجزائري، وأنّ الجمع بينهما هو جمع بين المتناقضين.

إنّ ما خفِي مما لا تزال تفاجئنا به منظومتنا التربوية، ومما يُحاك ويطبَخ في دهاليز المخابر الغريبة والغربية، ليجعل الحليم حيرانا.

فبأيّ حديث نؤمِن؟ وإلى أيّ منطق نحتكم؟ ولنا أن نتساءل: إذا كان ما يروّج من إشاعات صحيحًا، فأين هم القائمون على الشأن الوطني من زعماء، وحكماء، وعلماء، وعقلاء؟.

وإذا كان مجرّد إشاعة فلماذا لا يتّم التّصدّي للإشاعة، بوسائل القناعة عبر الصّحف، والإذاعة، وتصحيح دقات القلوب وعقارب السّاعة؟.

إنّ الجميع ليتساءل، وهو محّق في تساؤله، لماذا عرفت منظومتنا التربويّة هذه الاضطرابات البيداغوجية منذ وصول الوافدة على القطاع؟ ولماذا تُحاط كلّ أعمال الإصلاح بالغموض، والكتمان، والظلامية البيداغوجية، في حين أنّ من متطلبات الحقيقة في العلم والبيداغوجيا الوضوح والبداهة كما يقول فيلسوف المنهجية “روني ديكارت”؟.

إنّنا نكرر للمرّة الألف، أنّه ما هكذا تُساس المدرسة الوطنية السليمة؟ وما بهذا الأسلوب يعدّ مستقبل الأجيال خصوصًا إذا كان هذا يتّم في غياب أولي الأمر من المتخصّصين وأولياء التلاميذ والرّاسخين في العلم التربوي؟.

لقد بحّ صوتنا من تكرار أنّ الغلّو والتطرّف والتشدّد لا تصنعه التربية الإسلامية ولا اللّغة العربية، ولا التاريخ، وإنّما إفراغ المنظومة التربوية من الثوابت الوطنية، هو الذي يجرّ علينا الويلات، والفواحش، ويزيل الحواجز بيننا وبين الدّواعش.

فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثًا؟. فيا قومنا! إنّ الإصلاح يبدأ بإصلاحِ عقل الإنسان، وقلب الإنسان، وذاكرة الإنسان، ووالله يمينًا برّة لا حنث فيها، إنّ الإنسان الجزائري السليم لا يمكن إصلاحه إلاّ بعقيدته، ولغته، وتاريخه، فمتى أمكن فكّ هذه المعادلة أمكن تخليص الفتى الشاب عندنا من كلّ العقد.

وإنّ من أهّم إعادة الإنسان إلى الإصلاح إعادته إلى الذات الصحيحة، وتبدأ هذه الإعادة بإعادة الثقة إليه في ذاته وفي نفسه، وفي هويته، وفي انتمائه.

وأبرز مثال على ذلك أنّنا نميّز بين المتفوقين في الأقدام، والمتفوقين في الأحلام، فنسلّط الضوء على اللاّعب في الملاعب، ونقدّم له الميداليات الذهبية والفضية والنحاسية، ومختلف التكريمات السّخية، ونسلّط العتمة على الدّارس في المدارس، وكأنّه لم يكن شيئًا مذكورًا.

إنّ الأمّة الحيّة، تمنح الأولوية في البناء الإنساني للكفاءة العلمية، لأنّها اللّبنة الصحيحة المضاءة لكلّ الزلازل، والزعازع، إذْ هي المادّة الخام التي منها تنبثق كلّ العبقريات والنبوغ في شتّى الاختصاصات.

إنّنا ندعو من هذا المنبر، الذي هو اللّسان الناطق باسم العلم والعلماء: أن كفى تمييزًا بين الأقدام والأقلام، فنخصص للكفاءة العلمية بدءا بمتفوقي البكالوريا –على ما شابها من اضطراب- وانتهاء بالجامعة في شتّى الاختصاصات، ميداليات ذهبية، وفضية وبرونزية، تشجيعًا للدارسين والباحثين، فنخصص جامعة أو ملعبًا لتوزيع هذه الميداليات على من أبدعوا في الاختراع، وأبلوا بلاء حسنًا في امتحان البكالوريا، والجامعة، بمختلف الأضلاع والأوضاع.

نرجو أن لا تبقى صرختنا في وادٍ، وأن يبعث الله لمنظومتنا من يصلح لها أمرها ويقوّم شأنها، ويجبر كسرها، اللّهم فاشهد… اللّهم إنّي قد نصحت.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • سحوان رضوان

    يا استاذي الموقر انا لم اهضم فكرة محاربة القيم العربية من لغة و دين و عادات و تقاليد هل هذه القيم في نظرهم عائق امام الحداثة ام هي التخلف بعينه ؟ .

  • مواطن

    من جعل دولة الجزائر فاسدة هم أولئك الذين كذبوا على شعبهم وشتموه في نواديهم أولئك الذين أسسوا الجهوية والعنصرية واستعملوا التزوير لترقية ذويهم ومنعوا الفقراء والمعوزين من رؤية نور العلم واعتبروه مخصصا لهم فقط.لقد تكتل هؤلاء الجهلة تحت لواء العلم وطعنوا فيمن رفعوا صوت الحق والحرية ليحتكروا هم الصدارة في الحكم.وما أفسد المنظومة التربوية إلا الذين أدخلوا فيها تفكير الجهوية والتاريخ المزور مما جعل المدرسة ميدانا يمرح فيه الأغبياء الذين لقن لهم الاستعمار وسائل الفساد والتجهيل.لا يمكن أن نصغي للكذابين.

  • محمد

    السلام عليكم،
    بارك الله فيكم أستادنا على هذا المقال الهادف ...والله لن يصلح حال البلاد والعباد مالم تصلح منظومتنا التربوية التي في محتواها ومنهجها ... لابد أن يعلم الدين يريدون أن يطمسوا هوية الشعب الجزائري أن يدركوا أن الإستدمار الفرنسي لم يفلح-ولن يفلح- لمدة تزيد عن القرن في طمس ولو شعرة من هوية هذا الشعب وهذا بفضل الله ثم رجال ونساء وهبوا أنفسهم في سبيل الله والوطن...
    رحم الله شهدائنا ...وألهمنا طريقهم ...
    تحياتي