-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

 من افريقيا إلى أوروبا.. الجزائر تحلّق!

 من افريقيا إلى أوروبا.. الجزائر تحلّق!

من محطة إلى أخرى يتأكد أن الجزائر في عهدها الجديد اختارت المبادرة الخارجيّة لفرض نفسها كدولة محورية إقليميا وقاريّا وعربيّا، تريد إثبات مكانتها المستحقة بين الآخرين، بما يناسب رصيدها التاريخي ومقوّماتها الاستراتيجية على كافة المستويات، أداء لرسالتها القومية والإنسانية ودفاعا عن مصالحها العليا في كل مكان.

لقد كان بارزا منذ 2020 أنّ الرئيس عبد المجيد تبون قد سلك عمليّا خيار “الدبلوماسية الاستباقية” قبل أن يكون شعارا ضمن مرتكزات الالتزامات الانتخابية التي عرضها على الجزائريين في الرئاسيات، حيث انخرط سريعا في معركة الجبهة الخارجية، تأمينا للمصالح الحيوية للبلاد في جوارها الجغرافي والمتوسطي، ومساهمة منها في تحقيق التقارب البيني العربي.

رفض الرئيس تبون سياسة ردّ الفعل وانتظار الأزمات تلقي بتداعياتها على الجزائر، ليرمي بثقلها في الملفات الإقليمية، وعلى رأسها المأزق الليبي، حيث وقف ندّا عنيدا لمخطط الأطراف الأخرى الساعية للتأزيم، خدمة لمصالحها القُطرية الضيّقة على حساب الشعب الليبي ووحدته الترابية، ويوم قال: “طرابلس خط أحمر”، سقط مشروع حفتر ومن وراءه.

وفي الجوار الغربي، فرضت الجزائر منطقها على نظام تآمري تجرّأ على اللعب بالورقة الصهيونية، فوجد نفسه يتخبط تحت وقْع القطيعة وقطْع أنبوب الغاز، دون أن يحقق مُراده من خيانة القضيّة الفلسطينية، لأن الحق الصحراوي لن تلغيه تغريدة على موقع “تويتر” سرعان ما مرّ عليها الأمريكيون بالممحاة.

ونفس المصير لقيته مدريد بانقلابها على القضية الصحراوية، حيث تواجه اليوم حكومة سانشيز أفقا انتخابيّا مسدودا، وكل المؤشرات ترشحها لهزيمة مدوية تحت صدمة الخسائر الاقتصادية للمصدرين والغضب الاجتماعي من تكلفة الغاز، ولم تفلح مساعي استعمال الاتحاد الأوربي في الضغط، لإثْناء الجزائر عن قرارها السيّد تجاه إسبانيا.

ولا شكّ أن وضع باريس مع الجزائر لا يختلف عن مأزق الرباط ومدريد في شيء، حيث تورّطت في لعبة لم تحسب عواقبها بالاقتراب من حدود السيادة الوطنية، ناهيك عن تلكئها في تسوية ملف الذاكرة الذي أوْلاه الرئيس تبون المرتبة العليا في إحياء التعاون مع فرنسا، لأن المستقبل في تصوّره لا يبنى على حساب الماضي الأليم.

ولا شكّ أن موجة الرفض الأفريقي المتنامية تجاه باريس، تتغذّى على النديّة الجزائرية التي ترسم قواعد جديدة وعادلة في ضبط العلاقات مع المستعمر القديم، بشكل يحقق التكافؤ والمصالح المشتركة، بعيدا عن منطق الوصاية والاستغلال.

أمّا “ضربة لمْعلم” فكانت تلك التي وجهتها الجزائر، بالتحالف مع شركائها المركزيين في القارّة، إلى الكيان الصهيوني، منْعا لتسلّله إلى هياكل الاتحاد الأفريقي بدعم مغربي، وقد شهد العالم كلّه كيف خرج مندوب الخارجيّة الإسرائيلية يشتكي دورها الحاسم ضدّ تواجده بالقمّة الافريقية الأخيرة.

وفي غضون ذلك، تتوجه بلادنا بكلّ ثقة وإرادة للالتحاق بالقطب الاقتصادي العالمي “بريكس”، في وقت تصرّ على مراجعة اتفاقيات “الإذعان” للشراكة مع الاتحاد الأوروبي، ضمن رؤية استشرافية مرتكزة على علاقات متعددة الأقطاب دون ارتهان لأي طرف، ومن التلقائي أن تندرج في هذا الاتجاه زيارات الرئيس تبون المرتقبة إلى موسكو وبكّين.

وفي خضّم الحرب المشتعلة في شرق القارة الأوربية، نجحت الجزائر في الاحتفاظ لنفسها بموقع متوازن بين الجميع، كما عزّزت قدراتها الطاقوية على فرض موقفها متحرّرا من الضغوط الدولية لصالح هذا الطرف أو ذاك، وهو الوضع الذي دفع بالاتحاد الأوروبي إلى دعوة الجزائر رسميّا للعب دور في حل الأزمة الأوكرانية، ما يعني اعترافا آخر بمصداقية الدبلوماسية الجزائرية والإيمان بقدرتها على تفكيك الأزمات الكبرى.

صحيح أنّ الرئيس تبون ليس خريج مسار دبلوماسي لكنّ الرجل حقّق بهذا الصدد ما عجز عنه غيره في ظروف أحسن، فقط لأنه مارس الدبلوماسية بروح وطنية ثوريّة، تؤمن بالإقدام والمبادرة وإعلاء مصالح الجزائر فوق كل اعتبار، ناهيك عن أداء رسالتها العربية والأفريقية والإنسانيّة في تحقيق السلام، تجسيدا لأدبيات ثورة نوفمبر الحضاريّة وأهداف بيانها الخالد.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!