الرأي

من “البوحمرون” إلى الكوليرا!

قادة بن عمار
  • 2732
  • 12
أرشيف

من يطالع أو يشاهد كيفية تعامل وسائل الإعلام عندنا “سواء الصحافة المكتوبة أو القنوات التلفزيونية” مع خبر انتشار وباء الكوليرا في بعض الولايات لن يعثر سوى على مفردات صادمة، ومثيرة للقلق، مثل “حالة هلع، خوف، عودة الكوليرا..احذروا، أمراض الفقر تهدد صحة الجزائريين…إلخ” باستثناء التلفزيون العمومي طبعا، فقد سوّق هذا الأخير نبرة اطمئنان رسمية، بل كان لافتا بدء نشرة أخباره الرئيسية (الثامنة) خلال اليوم الأول، بتغطية نشاطات المؤسسة العسكرية والرئاسة، في حين جعل من خبر الكوليرا ثالثا؟!
وسائل الإعلام تنقل أحاسيس الناس أو لنقل “أحاسيس” من يعملون بتلك القنوات التلفزيونية الخاصة، وهم مثل غيرهم من المواطنين ” تحت صدمة الخبر”، خصوصا بعدما اكتشفوا أنه بعد ساعات فقط من إعلان وزارة الصحة، عن انتقال وباء الكوليرا، سارع الناس لشراء المياه المعدنية رغم ارتفاع ثمنها وقللوا من احتكاكهم ببقية الجيران والأقارب،(رغم أننا في موسم أعياد) وبات الجميع يتساءل عن طرق تجنب العدوى، فهل ساهم أسلوب التخويف والترهيب في زيادة جرعة الوقاية لدى المواطنين؟ أم تم تضخيم القضية بحثا عن نسبة مشاهدة عالية، ترتفع تلقائيا في مثل هذه الظروف الطارئة؟
في كل الحالات، فإن الكوليرا ليست جديدة على الجزائريين، فقبل 15 سنة شهدنا الحدث والخوف ذاته، لكن لم تكن هنالك قنوات تلفزيونية خاصة لتناول القضية، في الوقت الذي يجب على الكل أن يتذكر الدور السلبي الذي لعبه الإعلام خلال حملة التلقيح التي شنتها وزارة الصحة بمعية وزارة التربية لصالح الأطفال قبل سنتين، بعدما تناقلت بعض الفضائيات مأساة وفاة أو وفاتين لتقول إن وقوعهما تسبب فيه لقاح فاسد، فقاطع معظم الأولياء تلك العملية مما انجر عنه عودة “البوحمرون” مرة أخرى!
وإن كانت وسائل الإعلام تتحمل جزءا من مسؤولية نقل الخبر وكيفية تناوله فإن الجهات الرسمية تتحمل النصيب الأكبر من تلك المسؤولية، و”الفضيحة”، فوزارة الصحة “غضت الطرف” عن العائلة الأولى التي أصيبت في عين بسام بالبويرة وسمحت لعائلات أخرى بزياراتهم فانتشر المرض، كما تماطل معهد باستور في تأكيد التحاليل وإظهار نتائجها بفعل عطلة الكثير من إطاراته، ثم خرجت علينا وزارة حسبلاوي بندوة “نخبوية” لتتهم المواطنين بقلة النظافة رغم أن الإصابات وانتقالها وقعت بفعل غياب الرقابة داخل المستشفيات والتهاون مع الوباء وحالات الإصابة الأولى!
كل هذا “التسيّب”، ثم يخرج علينا أحد المختصين في علم الأوبئة ومسؤول رسمي ليتغنى بشفافية وزارة الصحة التي قال إنها تستحق التهنئة بفعل جرأتها وشجاعتها السياسية في إعلان الوباء!
بالله عليكم، أليس هذا الكلام أشد خطرا على صحة الجزائريين من الوباء نفسه ومن الكوليرا في حد ذاتها؟ كيف يتحدث مسؤول رسمي عن “شجاعة سياسية” في الوقت الذي كان من المفترض فيه الاعتراف بفضيحة سياسية وبكارثة يجب أن يتم التعامل معها بمنطق الحساب والعقاب، وليس بمنطق القضاء والقدر كالعادة!

مقالات ذات صلة