-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

من الخوف إلى التخويف

من الخوف إلى التخويف

كان الزعيم فرحات عباس في بعض مراحل حياته “أرأف” بفرنسا من الفرنسيين أنفسهم، وذلك نتيجة “الفكر القاتل” الذي غرسته في ذهنه “المدرسة الفرنسية” التي أسستها فرنسا في الجزائر لمن كانت تسميهم Indigènes، ومع ذلك قال عن الفرنسيين ما يجعلك تتساءل عن هذا “النوع من المخلوقات من أي شيء خلق”- لأن أعمالهم في الجزائر تؤكد أنهم لم يكونوا من عالم البشر، قال فرحات عباس في (ص 130 من كتابه “ليل الاستعمار”: “فمن العبث أن نميز بين الفرنسوي الصالح والفرنسوي الطالح، فكلهم في ظلم العربي سواء، وإن مسئوليتهم لواحدة”.. لقد زرع الفرنسيون المجرمون الخوف في قلوب الجزائريين وعقولهم إلى درجة أن بعضهم صاروا يعتقدون أن الموتى في قبورهم يخشون الفرنسيين ويرهبونهم.. ولذا كان أهم ما أنجرته “جمعية العلماء” هي “تحرير أذهان الجزائريين قبل تحرير أبدانهم”، وقد وفقها الله – عز وجل- في ذلك، ثم نصر عباده الجزائريين بعدما تخلّصوا من عقلية “الأنديجان” على طغاة العالم، وهم الفرنسيون وأحلافهم.

لقد كان للإمام عبد الحميد ابن باديس دور كبير في تحقيق هذه “الحرية النفسية”، وقد رأى نتيجتها في السنوات الأخيرة من حياته القصيرة.. ووقف عدة مواقف تجاه الفرنسيين تشير إلى هذه “الحرية النفسية” التي “نسخ بها” “عقد الخوف” من “القاوري”، ومن هذه المواقف ما رواه تلميذه الشيخ باعزيز بن عمر في كتابه “من ذكرياتي عن الإمامين الرئيسين عبد الحميد ابن باديس ومحمد البشير الإبراهيمي” (ص22).

قال الشيخ باعزيز: “زار – ابن باديس- مرة بلدة أزفون.. وكنت بصحبته، فما كاد حاكم البلدة يسمع بحلولنا بها حتى أرسل أحد رجال الدرك في طلبنا.. فقال له الرئيس: ماذا يريد منا حاكم بلدتكم؟ إننا من الجزائريين، ونتجول في أرض جزائرية، فبلغ ما قلت ولا تخف، فقد مضى زمن الخوف، وآن لنا أن نخيف بعدما كنا نخاف”، وأضاف الشيخ باعزيز قائلا: “وخاف الدركي – وكان جزائريا-، وتأثر كثيرا بصراحة ابن باديس، وقال: من الخير مقابلته”. ويشهد الشيخ باعزيز وهو ابن المنطقة – أن هذا الحاكم “كان لا يدع أحدا من الجزائريين يمر أمامه، أو يقترب من مقر حكمه إلا بعد المبايعة – أي التحية- العسكرية المعروفة، ولكنه نسي هذه الغطرسة مع ابن باديس فأصبح “ديمقراطيا” يجامل، ويلاطف، ويرحّب”..

وسمع الناس بموقف الإمام ففرحوا، واقبلوا عليه مسلّمين، مرحبين، ورجوه أن يطيل مقامه بينهم، فشكرهم، واعتذر بكثرة أشغاله، وقال لهم: “إذا سمعتم يوما منهم أي الفرنسيين-، أو من أعوانهم، أننا، ومن كانوا مثلنا، أجانب فقولوا لهم: أنتم الأجانب، ولا تخافوا، فالخوف قد ولّى، ولن يعود” (ص23).

لا شك في أن الإمام ابن باديس قد استحضر في ذهنه قول رسول الله -عليه الصلاة والسلام- بعد غزوة الأحزاب، وهو “الآن نغزوهم ولا يغزوننا”. (صحيح البخاري). رحمه الله ابن باديس، كان فنا في الرجولة” كما يصفه أخوه الإمام الإبراهيمي، ومتم جهاده بعد وفاته.. ولعائن الله على كل فرنسي عاش في الجزائر من 1830 إلى 1962، أو كان لعمله – وهو في فرنسا- علاقة بالجزائر شعبا، وأرضا، ودينا، ولسانا..

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!