الرأي

من القدس: رسالة للواهمين بالتطبيع

محمد سليم قلالة
  • 1966
  • 7

أكد الشعب الفلسطيني مرة أخرى أنه غير مُفرِّطٍ في قضيَّته ولا مُستسلم لظلم الظالمين أو تحالف المتواطئين. لقد أصرّ، رغم القتل والتضييق والخناق والاعتداء والسجن، على أن يُرابط ويعتكف في مسجده الأقصى في ليلة من ليالي القدر وفي يوم مشهود من أيام شهر رمضان المبارك.. وقد كانت بحق ليلةً خيرا من ألف شهر، كشفت للمُطَبِّعين المُتحالفين مع مغتصب الأرض والعرض أنهم واهمون في مسعاهم، صغارٌ في مواقفهم، غير قادرين على أن يَصدحوا بكلمة حق لنصرة أقدس مقدسات شعوبهم، ولا أن يقفوا موقف شرف في وجه مَن ظَلَم وتَجبَّر وطغى وسعى في الأرض فسادا.

لم تتمكن وسائل إعلامهم هذه المرة حتى من التنديد الشكلي كما اعتادت لسنوات، لم يتجرأوا حتى كَذِبا على رفع شعار نصرة الأخ المظلوم، لم تُسعِفهم الكلمات لكي يجدوا ما يبروا به خذلانهم وثمن تطبيعهم الأعمى مع كيان مغتصب. فشلوا في أول اختبار بعد عام التطبيع الأخير…

قال سادتهم الأمريكيون إنهم منشغلون بالصين وروسيا وبكورونا ولا يهمهم ما يجري في فلسطين. فماذا يقولون؟

أين ذلك الزهو المفرط بالتواطؤ مع الصهاينة؟ أين ذلك التعالي بأنهم حلفاءُ القوة؟ أين ذلك الافتخار الكاذب بأنهم أصبحوا من المُقرَّبين إلى القوى الديمقراطية والعصرية بتزلفهم للكيان المزعوم يفرشون لزبانيته البساط الأحمر ويفتحون له السفارات والممثليات؟

لقد راهنوا وخسروا الرهان بحق، راهنوا على موت الفلسطيني، على قَبر قضيته، على حقبة الانكسار التي تعيشها الشعوبُ العربية والإسلامية مرحليا، واعتقدوا أنهم وضعوا أيديهم في يد رمز القوة المالية والعسكرية، عنوان التقدم والديمقراطية في المنطقة، فإذا بهم يكتشفون في لحظة من لحظات القدر أنهم واهمون.

لم يعد الكيان الإسرائيلي هو ذاك الكيان الذي يستطيع احتلال أراض شاسعة في أيام، ولا ذاك الذي يستطيع شنَّ حرب واسعة النطاق على ثلاث أو أربع جبهات، بل ذلك الذي عندما يستنفر كل قواه، ويجمع مجلسه القومي للأمن، كل ما يستطيع هو الاعتداء على مواطنين في بيوتهم بحيّ الشيخ جراح وإخراجهم من ديارهم بغير وجه حق، أو تدنيس مسجدهم الطاهر، وحرق مصاحفهم الشريفة… وعندما يتلقى الضربات الموجعة من المقاومة بعد إنذار لا يزيد عن ساعتين يردُّ بهستيرية وخوف على المدنيين العزل فيقتل ويجرح منهم العشرات…

أين هي القوة في كل هذا؟ أين هي الديمقراطية المزعومة وحقوق الإنسان؟ أين هو هذا الكيان “المُتحضِّر” الذي يزهو المطبِّعون بالتزلف إليه وتقبيل الأرض بين يديه؟

إنه الوهم حقا بأن القادم هو الزمن الإسرائيلي والأمريكي في المنطقة.. إنه الرهانُ الخاسر على عدو اقتربت مرحلة أفوله رغم ما يُظهر من عناصر قوة.. إنه فشل القوة أمام الحق، إنه فشل الخيانة والغدر أمام الصدق مع الله والقضية.. إنه زمنُ بداية انتصار الشعب الفلسطيني على عدوه الغاشم وليس أبدا زمن الهزيمة والانكسار.. لقد انتصرت قوة الموقف هذه المرة على موقف القوة في القدس الشريف، والأهم من ذلك كشفت محدودية ووهم مشروع المُطبِّعين. 

مقالات ذات صلة