الرأي

من المستفيد ؟

حسن خليفة
  • 880
  • 3
ح.م

أعتقد أن المسألة ليست في حاجة إلى إثبات وبرهان؛ فهي من الوضوح بحيث يستطيع المتابع، فضلا عن الدارس والمحقق أن يلحظها بوضوح ونعني هنا بصورة خاصة: قلة عنايتنا بأعلامنا بصفة عامة، سواء تعلق الأمر بأعلام الفكر والأدب والثقافة، أو بأعلام التاريخ أو بالأعلام بصفة عامة…

يمكن أن نستعرض عشرات من الأسماء والألقاب من هؤلاء الأعلام ونسأل: ماذا نعرفُ عنهم، وماذا تعرفُ عنهم أجيالنا الصاعدة من الشباب بصفة خاصة، سواء في مراحل التعليم الأولى أو في الجامعات وفي مرحلة ما بعد التدرج حتى …دعنا نذكر مثلا هنا بـ: صالح بن مهنا، عمر الصائغي، عبد الرحمن باش تارزي، محمد الصالح بن العنتري، محمد بن كوجك، عبد القادر الراشدي،عبد الكريم بن الفقون، وعشرات أمثالهم هنا وهناك في مناطق الوطن وجهاته شرقا وغربا، شمالا وجنوبا، ومثل ذلك يمكن قوله عن المخطوطات والكتب والأسانيد والمنظومات والشروح والتعليقات والحواشي في موضوعات شتى، في الفلك، والفيزياء، والطب، والصيدلة، وسائر العلوم الحيوية، كما في الشريعة والفقه والأصول، والتربية والتزكية….

تُرى ماذا يمكن أن يعني ّ كل ذلك؟ ولمَ تبد حالنا على هذا النحو البائس من الإهمال لتاريخنا عموما وتاريخنا العلمي والثقافي خصوصا. وأتصوّر أنه لو لم يوفق الله تعالى شخصية فائقة الإخلاص عظيمة الجهد كالكاتب والمؤرخ أبي القاسم سعد الله ـ عليه رحمة الله ـ … الذي يسّر الله له جمع أشتات التاريخ الثقافي للجزائر، في موسوعته الكبيرة التي يجب تقديرها كل التقدير …لو لم يكن ذلك لكان محمول أكثر من ثمانين من المائة من تاريخنا في مهبّ الريح، تتآكله عوارض النسيان والإهمال حتى يندثر كلية.

الأمر هنا يتعلق بأكثر من مسألة..مسألة التاريخ، مسألة الربط بين الماضي والحاضر، مسألة تقدير صانعي الدولة الجزائرية الحديثة، مسألة مفهوم الامتداد في مسار الدولة والربط بين أجيالها بصورة طبيعية، مسألة الحرص على “تشريب” القيم والحقائق ونقلها إلى الأجيال، جيلا بعد آخر…

من يسرُّه أن تكون الجسور مقطوعة ـ تماما تقريبا ـ بين ماضينا وحاضرنا، والذي سيؤثر لا محالة على مستقبلنا من حيث نريد أو من حيث لا نريد؟.
من المستفيد من “حفر” هذه الهوة العميقة بين الأجيال الحاضرة ـ التي لا تعرف شيئا عن تاريخها وتوجد في حالة قطيعة تامة مع ماضيها القريب والبعيد ـ وبين تاريخ ماجد وحقائق إنسانية واجتماعية وثقافية كبيرة؟ .

لا يمكن بالطبع أن يكون المستفيد جزائريا مسلما متشبعا بحب وطنه مشرئبا إلى استئناف الدور الحضاري للمجتمع الجزائري بشكل أفضل وأجدى. ولا يمكن أن يكون المستفيد جزائريا له إدراك بمدى الخسارة الفادحة التي نعاني منها اليوم بسبب ضمور هذا الجانب (التاريخي /القيمي) في معاشنا وحياتنا التي لا نكاد نعرف حقيقة انتمائها بالفعل.. هل نحن مسلمون؟ هل نحن نصارى؟ هل نحن بلا ملة؟ هل نحن مجرد بشر لا تاريخ لهم؟ هل نحن…؟

ومن يتشكك في هذا يمكن أن يتعاطى مع الأجيال الجديدة ويتعرّف على ما تحمله من أفكار وتصوّرات، وكيف تعيش في فراغ كامل في أكثر من مجال: المجال الروحي، المجال الثقافي، المجال التاريخي، المجال الديني، مجال الانتماء الحضاري. إنه أمر غاية في الخطورة والأهمية؛ لأن نتائجه وخيمة وعواقبه جسيمة …وبالتالي من الواجب التفكير في تجسير هذه الهوّة ومدّ اللحمة بين الأجيال.

مقالات ذات صلة