-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
رحلة مع ذي القرنين

من المناولة إلى الشّراكة

أبو جرة سلطاني
  • 564
  • 0
من المناولة إلى الشّراكة

هذه هي الرّسالة الأولى التي أراد ذو القرنيْن تحويل أنظار هؤلاء الأقوام “الذين لا يكادون يفقهون قولا” إلى سموّ ما في الأقوال من فقه، ونقْلهم بها من وضعيّة المناولة أو المقاولة من الباطن إلى الشّراكة لمّا عرضوا عليه أجرًا مقابل خدمة بظنّ أنّهم بالمال يشترون الحضارة: ((قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْن إنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسدُونَ في الْأَرْض فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا)) (الكهف: 94)، وهذه مناولة العاجزين عن فقه الأخذ بالأسباب: خدمة مقابل مال.

فأتاح المولى -جل جلاله- لهم ذا القرنيْن لينقلهم من القيل والقال إلى فقه صناعة الحياة، ويعلّمهم فنّ التّعاون وفضائل الشّراكة، ولو بالحد الأدنى، ويخلّصهم من ثقافة الأجر المدفوع والثّمن المقبوض ومن أوهام شراء الحضارة ومن ضلالة استيراد التّقانيّة. وهو ما بادر ذو القرنيْن بتصحيحه في تصوّرهم بردّ ما عرضوه عليه من مال وسؤالهم العوْن على ما هم عازمون على إنجازه: ((مَا مَكَّنّي فيه رَبّي خَيْرٌ فَأَعينُوني بقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا)) (الكهف: 95).

هذا هو الدّرس الثّاني الذي علّمه ذو القرنيْن لهؤلاء القوم، وهو الدّرس الذي يجب أن يفقهه كلّ قوم في كلّ وقت.

وأما الدّرس الثّالث فهو عبقريّة التّصنيع بالمواد المحليّة، أو ما يعرف بلغة الاقتصاد بـ”الاكتفاء الذّاتي” لتعليمهم أنّ العقل الفردي نعمة كبرى تتوسّع كلّما شارك الحاكم رعيّته عقولهم. وأنّ الفكرة المبدعة والخيال البنّاء هي ثروة كلّ أمّة؛ فقد كانوا يتوفّرون على جميع ما يتمّ به الإقلاع التّنمويّ، لو كانوا قومًا عمليّين، ولكنّهم بدّدوا أوقاتهم في نقاش نظريّ يجعل كلّ إنجاز مستحيلا، فلما قيّض الله لهم رجلا رشيدا اكتشفوا أنّ في أرضهم موادّ أوّليّة وتضاريس مناسبة ويدا عاملة وقدرة على بناء سدّ أو إحداث ردم بين الصّدفيْن.

لكنهم كانوا مبهورين بقوّة يأجوج ومأجوج، ومهزومين نفسيّا أمام ضخامة حجم فسادهم وقدرتهم على التّدمير. وعاجزين عن صدّهم بساعد وعن حماية أنفسهم بحاجز.. باختصار: كانوا عبيدا بحاجة إلى محرّر يخلّصهم من عبوديّة القابليّة للهزيمة مع ما بين أيديهم من ثروة وما في أرضهم من فرص.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!