-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
4 تكتُّلات كبرى تكتسِح التحالُفات الاقْتصادية الدولية

من “بريكس” إلى “السوق المشترَكة”.. طريق العرب لتجاوز تداعيات كورونا والحرب

إيمان كيموش
  • 2552
  • 0
من “بريكس” إلى “السوق المشترَكة”.. طريق العرب لتجاوز تداعيات كورونا والحرب
الشروق
العالم العربي ما بعد الوباء والحرب.. إلى أين؟

مُنذُ عامٍ مضى، تتحرّك العديد من دول العالم، خاصة ذات الاقتصادات الصّغيرة والمتوسّطة، بالسُّرعة القصوى نحو الانخْراطِ في تحالفات قويّة، لضمان حلول فعّالة لمشاكِل نقص الغذاء والدّيون وغلاء الأسعار، وتتسابق الحكومات العربية بدورها في مرحلة ما بعد كورونا إلى وُلوج تكتُّلات، تقيها مخاطر الأزمة الاقتصادية وانعكاسات تقلُّبات الأسواق الخارجية.

وتعدُّ “بريكس” أكثر مجموعة اتجه إليها العرب بعد بداية الحرب الروسية الأوكرانية شهر فيفري 2022، إذ أودعت الجزائر والسعودية ومصر طلباتٍ رسمية للعضوية، وأبدت تونس والبحرين رغبتهما في ذلك، كما أكّدت الإمارات العربية المتحدة علاقتها الممتازة بالتجمّع.
وبالموازاة مع ذلك، طفا إلى السطح مشروع “السوق العربية المشترَكة” خلال اجتماع لجنة الشؤون الاقتصادية والمالية للبرلمان العربي بالقاهرة بتاريخ 29 أفريل 2023، وظلّت هذه السوق حبيسة أدراجِ الأنظمة المُتوالية على الحكم في الدول العربية قُرابة الستين عامًا، وتحوّلت إلى حُلم شعوبها، التي ترى أنه حان الوقت ليخرج هذا المُصطلح من دفاتر توصيات القممٍ والاجتماعات المُغلقة إلى الميدان، فقد يكون الحلَّ الأحسن لمجابهة نكبات الوباء والحرب!

وأمام كلّ هذه المُتغيّرات، نطرح التساؤل حول واقع الاقتصادات العربية اليوم، بعد إعلان منظّمة الصحّة العالمية رسميا عن بداية اختفاء وباء كورونا، مقابل استمرار حرب روسيا- أوكرانيا للسنة الثانية على التوالي، فما هي الحلول المُتاحة لتجاوز مخلّفات الوباء والحرب؟ وهل يمكن إعادة إحياءِ مشروع السّوق العربية المُشتركة”؟

7 مخاطر تُحاصر العالم

يقولُ نائب رئيس الوزراء لشؤون الاقتصاد والاستثمار بالأردن سابقا، جواد العناني في إفادة لـ”الشروق اليومي” إنّ الاقتصاد العالمي، وخلافا لما كان ينتظره الكثيرون، ازداد تعقيدا بعد إعلان منظمة الصحّة العالمية بداية اختفاء وباء كورونا بشكل رسمي شهر ماي 2023.

ويحصي المتحدث 7 مخاطر تترصّد الشعوب خلال المرحلة المقبلة، أوّلها استمرار الحرب الروسية- الأوكرانية، وإمكانية دخولها مراحل خطيرة في النصف الثاني من سنة 2023، في حال تسليم الغرب أسلحةً جديدة طلبتها أوكرانيا خلال الصائفة، وأيضا مخاوف وقف تصدير القمح والحبوب عبر البحر الأسود.
ويكشف العناني: “هناك قضايا جديدة بدأ يواجهها الناجُون من كورونا في العالم، على غرار سُخونة الحربِ الباردةِ بين الصّين والولايات المتحدة الأمريكية اللتين دخلتا مرحلة فحصِ عضلات عبر مُناورات عسكرية تحمل رسائلَ ضمنيةً، إذْ تقوم الأخيرة بإرسال سفن حربية إلى بحر الصّين كما تردّ عليها الصّين بإرسال سفنها المُسلّحة إلى حدود إيران”.

جواد العناني: الاقتصاد العالمي ازداد تعقيدا بعد إعلان منظمة الصحّة العالمية بداية اختفاء كورونا في ماي 2023

وبمنطقة الشرق الأوسط، يتحدّث الوزير الأردني السابق عن الحرب المُشْتدّة على الحدود السّورية، واستمرار نفس الأوضاع في فلسطين المحتلة، وتواصُل جوّ النّزاعات بالعديد من الأراضي العربية، ما قد يؤثر على فرص تموين هذه المناطق بالغذاء.
ويحذّر الدكتور العناني أيضا من مخاطر وانعكاسات اشتداد حرب العُملات بين الدول، وسعي الولايات المتحدة الأمريكية إلى الاحتفاظ بريادة الدولار وهيمنته على التعاملات المالية العالمية، وعملها على خفض أسعار النفط قبيل موسم الانتخابات الأمريكية، في وقت بدأت بعضُ البلدان تُعلن تخلّيها عن العملةِ الخضراءِ في تعاملاتها الخارجية، ومعرُوف أنّه أحد انعكاسات حرب العملات، لهيب أسعار الغذاء والطاقة.
ومن المخاطر التي يرصدها السّياسيُّ والاقتصادي الأردني، تباطُؤ نموّ الاقتصادات العالمية، وارتفاع نسبة البطالة بالولايات المتحدة الأمريكية، التي اختارت مواجهة أزمةِ التضخم برفع سعر الفائدة بالبنوك، وهو ما انعكس سلبا على الوضع الاجتماعي هناك، نتيجة إحالة العديد من العمال إلى البطالة، إذْ أسفرتْ عمليةُ رفع سعر الفائدة عن بروز ما يُصطلح على تسميته “الكساد التضخُّمي”، ويُقصد به بطء التنمية الاقتصادية وارتفاع البطالة بشكل نسبي، وهو أسوأُ الظواهر الاقتصادية التي يمكن أن تمُرّ بها أي دولة.
وباتت كل هذه العوامل تُنذر بتعقّد الوضعِ الاقتصادِي بشكل أكبر على مستوى الدولِ النّامية خلال المرحلةِ المقبلة، حسب جواد العناني، فمن المعروفِ أنه “حينما يعطِس الاقتصاد الأمريكي يصابُ العالم بالزُّكامِ”.

العرب بعد كورونا وحرب أوكرانيا

وليست الدّولُ العربية بمنأى عمّا يحدث في العالم، إذْ يُقسّم الوزيرُ الأُردني السابق الاقتصادَ العربي الذي يصفه بـ”غير المنتظم وغير المتشابه”، إلى أربعة أصناف، فأوّلا، هناك دولٌ عربيةٌ ثريّةٌ بالمحروقات، على غرار بلدان الخليج كالإمارات العربية المتحدة وقطر والمملكة العربية السعودية، سجّلت قصص نجاح هامّة، لكنها بحاجة إلى وقت أكبر لتؤدي دور قاطرة الانطلاقة للعالم العربي.
كما يسردُ العناني ثانيا، نجاحاتِ دول حقّقت قفزاتٍ ملحوظة وتحسنًا في الأداء الاقتصادي خلال الأشهرِ الأخيرة وتستحق التشجيع كالجزائر، ودولا عربية في تصنيف ثالث، تواجه ظروفا صعبةَ بعد جائحة كورونا بسبب أخطاء التخطيط وعدم اختيار الأولوياتِ الصحيحة ونقص الأموال وأزمة السيولة وانخفاض الموارد الأجنبية وغرقِ عُملاتها في التضخّم.
أما الصنف الرابع من الدول العربية، فهي التي تعاني الدمار رغم ثرواتها الضخمة كالعراق وسوريا وليبيا، ودولٍ اصطدمت مُؤخّرا بحروبٍ جديدة كالسودان المعروفة بثرواتها الفلاحية التي تُؤهّلها لتكون “سلة غذاء العرب”.

ويَحمل وزير التجارةِ الجزائري الأسبق مصطفى بن بادة الرّأي ذاته، إذْ يؤكّد: “في أعقاب 3 سنوات من تفشّي فيروس كورونا، ونتيجة استمرار الحرب الروسية الأوكرانية للسنة الثانيةِ على التوالي، انبثق عن الظرف الأمني الصعب، أزمةٌ غذائيةٌ حادةٌ مسّت العديد من الدّول، جرّاء نقص إمدادات القمح”.
ويعتقد بن بادة أن دولا عديدة باتت اليوم على أبواب المجاعة بقارتي إفريقيا وأمريكا اللّاتينية وببعض المناطق العربية التي تجابه الفقر منذ عقود من الزمن، وازدادت أحوالها سوءا خلال سنة 2023.

مصطفى بن بادة: الدول النامية أمام فرص لاستثمارات كبرى وتنويع التعاملات الاقتصادية والتحرّر من الهيمنة ووُلوج ميادين التصْنيع

مُحدّث “الشروق” يعتقد أن من الدول التي تضرّرت إمداداتُها من القمح خلال الأشهر الأخيرة اليمن وسوريا ولبنان، إذ تستورد نسبةً عاليةً من حبوبها من روسيا وأوكرانيا، وهو ما يتطابق مع ما تنشره التقارير الدولية.
وبالمُوازاة مع ذلك، نشرت المنظّمة الأممية للزراعة والأغذية “فاو” تقريرا بتاريخ 3 ماي 2023 عبر موقعها الإلكتروني الرسمي، يؤكدّ أن أكثر من رُبع مليار شخص يعانون من مستوياتٍ حادّة من الجوع في العالم، وبعضهم على شفا المجاعة بعد حرب أوكرانيا، وصنّف التّقرير ضمن قائمته الدول العربية التي تُواجه أزماتٍ حادة للجوع، وهي الصومال واريتريا واليمن وجنوب السودان.

“الأفامي”.. قُروض بمُقابل!

وأمام هذه الأوضاع الصّعبة لجأت 4 دول عربية، وهي مصر وتونس ولبنان والمغرب، بين سنتي 2022 و2023، لطلب قروضٍ جديدةٍ من صندوق النقد الدّولي، المؤسّسة المالية الدُوليّة التي يقع مقرّها بواشنطن وتأسّست سنة 1945.
ووافق صندوق النقد شهر ديسمبر الماضي، على منح قرض جديد لمصر بقيمة 3 مليار دولار، كما توصّلت تونس إلى اتفاق مع الصندوق شهر سبتمبر 2022 للحصول على قرض بقيمة 1.9 مليار دولار، في انتظار تنفيذه.
وقدّمت المغرب طلبا شهر مارس 2023 للصندوق للاستفادة من قرض جديد تعادل قيمته 5 مليار دولار، كما سبق وأن وقّعت الحكومة اللبنانية صفقة مع “الأفامي” شهر أفريل 2022 للحصول على قرض بقيمة 3 مليار دولار.
ومعلوم أنّ كل من الأردن والصومال وموريتانيا واليمن وجزر القمر مُصنّفة ضمن قائمة البلدان العربية المُستدينة من صندوق النقد الدولي، ويُوضِّح الرسم البياني المُرفق في الأسفل قائمة البلدان العربية الأكثر استدانة من “الأفامي”.


وينتقد وزير التجارة الجزائري الأسبق مصطفى بن بادة لجوء الدول العربية إلى هذا الصندوق لطلب القروض كخيار أول، ويؤكّد أن شروطه قاسية وأعباءَه كبيرة.
ويقول الوزير الأردني الأسبق جواد العناني، أن له تجاربَ عملية مع صندوق النقد والبنك الدُّوليين المُتواجدين بالولايات المتحدّة الأمريكية، مؤكدا: “هذه المؤسّسة تُطبّق نماذج معينة لمنح القروض أو الائتمانات، وتشترِط الضمانات الكافية للسداد”، موضّحا: “حينما يفرضُ الصّندوق على الدولة الطالبة للقرض وقفَ دعم الوقود أو تخفيض المساعدات الاجتماعية للسكان، فهذا حتى يتأكد من أنها قادرة على السِّداد في الآجال الممنوحة”.
ويرى الدكتور العناني أن الحل مستقبلا هو إنشاءُ مصرفٍ عربي، إلى جانب صندوق النقد العربي المُتواجد مقرّه بإمارة أبو ظبي بالإمارات العربية المُتّحدة، ليكون بديلا، تلجأ إليه الدول العربية قبل طرق أبواب المؤسسات الدولية، أو تأسيس بنك تنموي إقليمي يضاهي البنك الإفريقي أو الآسيوي أو اللاتيني.
من جهته يصرح الدّكتور يُسري الشرقاوي، مُستشار الاستثمار الدولي وخبير التنمية الاقتصادية ورئيس جمعية رجال الأعمال المصريين الأفارقة لـ”الشروق اليومي” أنّه: “لا مشكل في لجوءِ الدّول العربية إلى الاقتراض من الصندوق الدولي شريطةَ أن تكون الحكومات على قدر عال من الاحترافية الاقتصادية والتحكّم في السّياسات المالية لخلق عائدٍ تنموي يُمكِّن من سداد القروض بفوائدها وخلق تنمية داخل المجتمعات”.

خارطة التحالفات

وكانت التحالفات الاقتصادية، أحدَ الحلول التي اختارتها الدّول لمجابهة مخاطر مرحلة ما بعد كورونا، وتواصُلِ الحرب الروسية- الأوكرانية، يقول الدّكتور يُسري الشرقاوي: “الاقتصاد العالمي الذي كان يمرّ بالعديد من المشكلات سنة 2018، زاده وباء كورونا بداية من سنة 2019 سوءا، وما إن بدأت الجائحة تختفي وسلاسل الإنتاج تعود إلى طبيعتها حتى اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية شهر فيفري 2022، والتي شلّتْ الاقتصاد العالمي للمرة الثانية على التوالي في ظرف قياسي، باستخدام العديد من الأسلحة الاقتصادية”.
ويُشدّد الشرقاوي: “ارتفاعُ أسعار القمح والذرة البيضاء والصفراء والأسمدة وكذا تكلفة الطاقة خاصة الغاز والنفط، كانت أحد انعكاسات هذه الحرب، كل ذلك يجُرّ دول العالم اليوم إلى التفكير في التكتل للتعاون في مجابهة المخاطر”.

ويَرسُم الخبير الاقتصادي المُتخصّص في الاتفاقيات الدولية، محمد يزيد بومغار والذي سبق وأن شغل منصب رئيس بحث بـ”مركز الاقتصاد التطبيقي من أجل التنمية” بالجزائر، خارطة أهم التحالفات التي تكتسح العالم اليوم، مؤكدا وجود تحالف قوّي على مستوى كل قارة.
ويقول بومغار في إفادة لـ”الشروق اليومي”: “نُحصي 4 تكتلات قويّة بالعالم، بالقارة الأمريكية هناك اتفاقية التبادل الحرّ لشمال أمريكا، بأوروبا يوجد الإتحاد الأوروبي، بآسيا يتربع اتِّفاق الآسيان على التكتلات، وبإفريقيا هناك المنطقة الإفريقية الحرة المُنشأة سنة 2018”.

أمّا وزير التجارة الأسبق مصطفى بن بادة، فيرى أن “التكتّلات الجديدة تتيح فرصًا للدول النامية لتسجيل استثمارات كبرى وتنويع التعاملات الاقتصادية والتحرّر من هيمنة جهة واحدة، ووُلوج ميادين مختلفة في عالم التصْنيع والانفتاح على كافة دولِ العالم وتطوير الحوكمة الاقتصادية وتعزيز التنافسية، ونيل فرص تمويل جديدة، ووضع حد للتّبعية”.

هذه الحكومات تُفاوض “بريكس”

وتوجّهت أنظارُ عددٍ هام من الدول العربية، منذ سنة 2022 إلى مجموعة “بريكس”، والتي يصفها الاقتصاديُّ محمد يزيد بومغار بـ”إطار تشاور وتوافق اقتصادي جمع لأول مرة 4 دول، إذ تبادرت فكرة تأسيسه سنة 2006 تحت تسمية “بريك” وضم وقتها دول الصين وروسيا والهند والبرازيل، وعقدت المجموعة أول اجتماع تأسيسي لها بموسكو الروسية عام 2009 وتحولت إلى بريكس عام 2011 بانضمام جنوب إفريقيا”.
وأعلنت الجزائر رسميا رغبتها في الانضمام إلى مجموعة “بريكس” على لسان الرئيس عبد المجيد تبون سنة 2022، وبتاريخ 7 نوفمبر الماضي أكدت وزارة الخارجية إيداع طلب الانضمام رسميا.

من جهته، أفاد سفير جنوب إفريقيا لدى مجموعة دول “بريكس”، أنيل سوكلال في تصريح لوكالة “بلومبرغ” شهر أفريل الماضي بأن السعودية ومصر طلبتا الانضمام رسميا إلى “بريكس”، وتحدّث عن قائمة أخرى تضم البحرين والإمارات العربية المتحدة، التي سبق وأن أعلن مسؤولوها عن العلاقات الممتازة التي تجمعهم بدول “بريكس” والمبادلات الاقتصادية القويّة.
وتتسابق الدولُ العربية وحتى غير العربية خلال العام 2023 للانضمام إلى “بريكس” كنتيجة لانعكاسات الحرب الروسية الأوكرانية، وبحثًا عن الخُروج عن الهيمنة الاقتصادية الغربية التي تُمثّلها الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد الأوروبي، إذْ يتوقع الاقتصادي بومغار، تأشيرة رسمية لالتحاق دول عربية بهذا التنظيم قريبا.

ويُرجِع بومغار ذلك، إلى الثروات التي تتمتع بها الدولُ العربية، بالمُوازاة مع استمرار الظرف العالمي الصعب جرّاء الحرب الروسية الأوكرانية والتحوّلات الناجمة عن التوجّه لبناء نظام عالمي جديد، والعلاقات الممتازة التي تجمع بعض الدول العربية بروسيا والصين ومساعي “بريكس” للاستقواء والتفوّق على تحالفات اقتصادية أخرى كـ”الأسيان” و”تحالف شمال أمريكا”.

حلولٌ قريبة ومتوسطة الأجل

ويقترح “بريكس” حُلولا عدّة للدول العربية خلال المرحلة المقبلة، يقول بومغار، “كأن يكون ورقة حصانة سياسية في نظام دولي جديد، ومجموعة تمنح للمُنْضمِّين إمكانية الاستفادة من خدمات وسلع بأسعار تنافسية مُقنَّنة بعملات صعبة أخرى غير الأورو والدولار”.

أما الخبير الاقتصادي الروسي ومدير معهد دراسة الأسواق العالمية بموسكو أليكسي بوبروفسكي، فيُؤكّد في تصريح لـ”الشروق اليومي”: “الدول العربية المهتمَّة ببريكس تتمتع بفرص كبرى للعضوية، وسيتحدّد ذلك من قِبل قادة الدول الأعضاء قريبا، لكن إذا كان المودِعون للطلبات مستعدِّين لإتباع المبادئ الأساسية لبريكس، فحتما سيتم قبولُهم”.

الخبير الروسي أليكسي بوبروفسكي: “بريكس” ستستفيد من انضمام دولٍ عربيةٍ، مثل الجزائر، فهي إحدى أكبر الاقتصادات الأفريقية والأهمّ مغاربيّا

وعن المزايا المُتاحة، عبر المجموعة، يقول بوبروفسكي أن قادة “بريكس” يعقدون اجتماعات لوزراء المالية والاتصالات وقِطاعات أخرى، وهو ما قد يكون فرصة لتقوية الروابط والصفقات بين الدول بشكل مباشر، والتخلص من هيمنة “دَوْلرة” الاقتصاد، ناهيك عن إمكانية استفادتهم من الأدوات المالية للمجموعة كبنك بريكس، مع فرص الاستماع لكل عضو بشكل جيّد، بالنظر إلى صغر التجمُّع، إذ يُمكن لكلّ مشاركٍ جديد أن يأتيَ بأجندته الخاصة، ويطرح مشاكله، لتُسانده الدولُ القويّة مثل الصين وروسيا في حلّها.

ويقول الخبير الروسي أن “بريكس” أيضا ستستفيد من انضمام دولٍ عربيةٍ جديدة، كالجزائر التي تعدّ أحد أكبر الاقتصادات في إفريقيا والأهمّ في منطقة المغرب العربي، فتمتُّعها بعلاقات تجارية واقتصادية قويّة مع دول “البريكس”، سيُساعد المجموعة على تعزيز مكانتِها في إفريقيا وتطوير عمليّات التكامل في شمال القارّة السّمراء، والأمر نفسه ينطبق على البلدان الأخرى، وهي السعودية ومصر اللتان تتمتعان بمؤهّلات كبرى بمنطقتهما، وتعدّان فرصة لـ”بريكس”.

عودة حلم “السوق المشترَكة”

وغير بعيد عن مفاوضات مجموعة “بريكس”، ظهر حلٌّ آخر أمام العرب لتجاوز الصعوبات الاقتصادية، وهو تفعيلُ التكامُل الاقتصادي العربي، يقول عضو البرلمان العربي محمد خُوان، الذي يكشف عن تفاصيل اجتماع لجنة الشؤون الاقتصادية والمالية الذي حضره بالقاهرة بتاريخ 29 أفريل المُنصرم.

وتمّ هُناك الإعلان عن التحضير لعقد مؤتمر التكامل الاقتصادي في العالم العربي في طبعته الثانية قريبا، والذي اقترحت استضافته كل من الإمارات العربية المتّحدة ومصر والسعودية، ويؤكد خوان في إفادة لـ”الشروق”: “خلال الاجتماع تطرّقنا إلى أهمّية إعادة بعث الشراكة العربية كحلٍّ للأزمات الحالية، وإحياء مشروع السوق المشترَكة، ولو استغرق الأمر سنوات أخرى”.

وبقي التكامل الاقتصادي العربي طيلة عقود من الزمن دون المأْمول مقارنة مع المقوّمات التي يمتلكها العالم العربي ووحدة اللغة والدّين، وهذا بفعل غياب رغبة قوية لتفعيل الاتفاقيات والمعاهدات الموقَّعة في دورات سابقة للقمم العربية، يُشدّد خوان، الذي يؤكّد أنه خلال اجتماع البرلمان العربي خلصُوا إلى ضرورة فتح ملفّ خطّة التعاون الاقتصادي مستقبلاً، بشكل مُفصَّل في المؤتمر المقبل للتكامل العربي.

محمد خوان: خيار السّوق العربية المُشترَكة يطرح حلولا طويلة المدى للأزمات الاقتصادية الحالية

ويجزِم خوان بأن خيار السّوق المُشترَكة يطرح حلولا طويلة المدى للأزمات الاقتصادية الحالية، مضيفا: “نحن كمُمَثّلين عن الشعوب نسعى لإثارة الملف وبعثه من جديد، ونأمل أن تتوفّر الإرادة لتجسيده لدى كلّ الدول ولو استغرق الأمرُ سنوات طويلة”.

وظهر مُصطلح “السّوق المشترَكة” لأول مرة قبل 60 عاما، واتُّخذ قرار إنشاء هذه السوق من قبل مجلس الوحدة الاقتصادية العربية بتاريخ 13 أوت 1964، يقول خُوان، بُغية أن تكون هذه السوق أهمّ خطوة لتحقيق الوحدة والتكامل الاقتصادي العربي، وضمّت في البداية الأردن والعراق وسوريا ومصر والكويت، ثم شملت عضويتُها بقيّة الدول العربية.
ولم يتجسّد المشروع ميدانيا إلى اليوم، إذ كان يُفترض استحداثُ عملة وتأشيرة مُشتركتين للدول العربية، لكن العمليّة اقتصرت فقط على التعاون الاقتصادي في اتفاقيات جزئية بين الدول.

ورغم ذلك وبلغة الأرقام، تكشف المؤسَّسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات، المتواجد مقرُّها بالكويت والمملوكة من طرف حكومات الدول العربية وأربع هيئات مالية عربية، من خلال نشرتها الفصلية الصادرة شهر أفريل 2022 عن ارتفاع حجم التجارة العربية البيْنية في السلع لتبلغ 357 مليار دولار خلال عام 2021، بزيادة قُدّرت بـ27 بالمائة مقارنة مع السنة التي سبقتها.

وأكّدت نشرية أخرى للهيئة ذاتها صادرة شهر ديسمبر 2022 أن حجم احتياطات النقد العربية مجتمعة تعادل 1183 مليار دولار خلال سنة 2022، وهو ما يُغطّي حاجيات الاستيراد لعشرة أشهر لهذه الدول، نتيجة ارتفاع أسعار المحروقات.

ويقول خوان أن كافّة هذه المعطيات تُشجّع اليوم بقوة على اتخاذ خطوةٍ جريئةٍ وبداية التحضير لاستحداث “سوق عربية مشتركة”.

أمّا الدكتور علاء أبو الوفاء، مسؤول ملف الاستثمار على مستوى جامعة الدول العربية، فيكشف في إفادة لـ”الشروق” على هامش منتدى الاستثمار الإفريقي بالجزائر بتاريخ 16 ماي 2023، عن التحضير لإعادة بعث الاستثمار العربي البيني قريبًا، مؤكدّا أنه تم صياغة مُسودّة إتفاقية جديدة تؤطر العملية، وذلك من طرف فريق عمل يشتغل بالإمارات العربية المتحدة، وسيكون النصّ الجديد للاتفاق جاهزا ليُعرض على المجلس الاجتماعي والاقتصادي العربي في أقرب فرصة، ثم يتمّ إقراره في اجتماع لاحق للجامعة العربية.

إمكاناتٌ كبرى تصطدم بعراقيل

ويرى وزير التجارة الأسبق مصطفى بن بادة أن الدول العربية مُلزَمة اليوم باستخلاص العبرة من تجربة الإتحاد الأوروبي، الذي نجح في تصفيرٍ الخلافات رغم كثرتها بين الأعضاء، على غرار اللغة والدّين، وتقاطع المصالح، وأسّس كتلةً أوروبيةً اقتصادية موحّدة.
وتتمتّع الدول العربية، حسبه، بإمكانات كُبرى تؤهّلها لتأسيس “سوق مشترَكة” لو توفّرت الإرادة لذلك، أهمّها موقعُها الاستراتيجي، فهي عبارة عن امتدادٍ جُغرافي متواصل، يتوسّط العالم، وتمرّ عبره معظم التبادلات الاقتصادية من باب المندب إلى قناة السويس ومضيق جبل طارق وخليج عمان والخليج العربي.
وتُوصف القُدرات الطاقوية للدول العربية بـ”الرّهيبة”، إذ تتربع على 27 بالمائة من احتياطات العالم مجتمعة من الغاز، ونصف احتياطي النفط، وصناعة متطوّرة للبيتروكيميائيات بالإمارات وقطر والسعودية والكويت، وقدرات وازنة دوليا للفوسفات بكل من الجزائر وموريتانيا والمغرب وتونس، والحديد بمصر وليبيا، ومؤهّلات فلاحية ضخمة بالسودان وثروات لا تنْضَبْ…
ويَفُوق عددُ سكان الوطن العربي 400 مليون نسمة، ويتمتّعون بمستوى تعليمي مقبول مقارنة مع شعوب أخرى، ومناخٍ متنوِّعٍ وقدرات سياحية هائلة، وإطلالات مختلفة على البحار والمحيطات، وهي قُدراتٌ يشدّد بن بادة على أنها لو استُغلّت بذكاء وبشكل موحّد، فستضع حدا لمعاناة العرب في ظل الظرف العالمي الصعب.
وتصطدم هذه الإمكانات الكبرى بعراقيل كابحة ومنها “غياب وعي طبقات الشارع العربي”، يقول الدكتور يُسري الشرقاوي، ضاربا مثلًا بالسوق الأوروبية التي نجحت حسبه بفضل نضجِ الشارع الأوروبي، الذي أفرز قرارات اقتصادية وسياسية مهمّة، واستحدث هيكلا واضحا لعمل الإتحاد ولوائح حظِيت باحترام جميع الدول، وهو ما لا يزال العرب غير جاهزين له إلى اليوم.
واستغرق تحضيرُ السّوق الأوروبية المُشتركة عقودا من الزمن بدءا من الثورة الصناعية مرورا باتفاق الفحم والحديد مُنتصف القرن الماضي، ثم بلوغ مرحلة ارتفاع المداخيل وتعظيم الاستفادة من النواتج الاقتصادية، ليتحقق الإتحاد في النهاية في ظل تفاوتٍ بسيط بين دوله من ناحية نسب النمو.
أما في الدول العربية، فيُؤكد الشرقاوي أن أكبر عائق هو الاختلاف الكبير بين مستوى نموّ اقتصاديات هذه الدول، وصعوبة توافق المعايير البنكية والجُمركية والسياسات النقدية، وهو ما جعل السوق المشترَكة، قيْد الحلم والتنظير أزيد من نصف قرن بعيدا عن التطبيق.

السيناريوهات الممكنة

“نحن مُلزَمون قريبا بدراسة التجربة الأوروبية ثم تأسيس مجموعة الحُكماء العرب المطلعين، لوضع خططٍ قابلة للتنفيذ مستقبلا”، يقول الوزير الأردني الأسبق جواد العناني مضيفا: “تم عام 1980استحداثُ إستراتيجية مشتركة وعقد التنمية العربي بمؤتمر عمان، كوثائق هامة لو طُبّقت لكنّا في وضع أحسن اليوم، لذلك يُفترض مستقبلا تنصيبُ خطط قابلة للتطبيق والعمل على تجسيدها في الميدان من دون تماطل”، مضيفا: “علينا أن نبدأ من اليوم، وقد تتحقق السوق العربية المشتركة في غضون الجيلين المقبلين”.
وبخُصوص إمكانية تقاطع انضمام دول عربية إلى “بريكس” مع ملف التكامل العربي، فيؤكد العناني أنهما ليستا قضيتين مُتضادّتين، إذا قُبلت إحداهما تذهب الأخرى، فعلى المدى القريب يُمكن التعاون مع “بريكس”، وعلى المدى الأطول سيكون التكاملُ العربي أهمّ، فهذه الوحدة ستُمكّن الدول العربية من التفاوض مجتمعة داخل “بريكس” ومنظمات أخرى كالإتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وغيرها من الكتل والهيئات العالمية، بوزن أثقل، وأوراق رابحة أكبر، إذا تحولت مواقف الدول العربية إلى كلمة رجلٍ واحدٍ يعرف أولويّاته.
ويبقى السؤال وفق العناني: “ماذا لو فَرضت المنظّماتُ والتحالفات، سواء كانت بريكس أو الإتحاد الأوروبي أو غيرها، شرطا يتنافى مع انضمامنا للسوق المشتركة العربية؟ هنا يجب أن تكون الأولوية للعرب”، يختِم الاقتصاديُّ الأردني حديثه.

وفي النهايةِ، قد يكون تجمُّع “بريكس” الذي تميل إليه بعضُ الدول العربية، الحلَّ الأسرع والأنجع لأزمات الغذاء والديون والتحرّر من هيمنة الغرب، إلا أن الحلّ الأضمَن لمُستقبل الشعوب هو بناء سوقٍ عربيةٍ مُشتركةٍ، تعكِس تلاحُمَها الاقتصادي وتُكرّس وحدتَها التجارية والمالية، يومَها فقط ستمتلك الحكوماتُ العربيةُ القدرة على مواجهة حروبِ المستقبل مهما كان حجمُها.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!