-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

من حذف البسملة إلى إلغاء الأولمبياد

من حذف البسملة إلى إلغاء الأولمبياد

ما يحدث في وزارة التربية أمر غريب، غريب لأننا عندما نستمع إلى مسؤوليها عموما نشعر بأن شغلهم الشاغل هو التربية والمدرسة والتفوّق العلمي، لكننا عندما ننظر إلى ما يطفو على السطح نقف على حقائق أخرى مريرة.

حذف البسملة

تساءلنا عمن أثار قضية البسملة مؤخرا وعن مدى ارتباطها بما هو أساسي في المدرسة. يقول البعض إن وزارة التربية لا ناقة لها في الموضوع وأن المؤلفين لم يطلعوا عليه سوى عبر الإعلام.

وعندما احتد النقاش وكثرت الأصوات المناوئة لمن كان وراء حذف البسملة صرحت الوزيرة بحدة عبر القناة الإذاعية الثالثة بلغة فرنسية طليقة غاضبة ومسترسلة أنها لا تريد الدخول في “جدل حول الموضوع”، وأن من رفعوا أصواتهم حول هذه القضية “لهم أجندة انتخابية”. وأضافت أن “البسملة إجبارية في كتب التربية الإسلامية” وما عدا ذلك فالأمر يرجع للمؤلف! وضربت مثلا بالمرحوم شيبان الذي لم يبسمل فيما ألّف.

ثم أشارت إلى أن تدخل الوزارة كان فقط “لتوحيد نمط الإخراج الفني للكتب المدرسية”. وذكرت كمثال على ذلك تحديد الصفحة التي ينبغي أن تكون فيها أسماء المؤلفين! وجدنا في هذه الطروحات غرابة وتساؤلات:

ما من شك أن هناك من يريد استغلال هذه القضية لحسابات شخصية وغير شريفة (انتخابية أو غيرها) وهذا ليس جديدا. بل الجديد هو أن هناك من قرر بأن البسملة “إجبارية في كتب التربية الإسلامية”. ونتصور أن صاحب القرار هو وزارة التربية. وفي هذه الحالة، نتساءل: لماذا أثيرت أصلا قضية البسملة هذه السنة بالذات من طرف الجهة الرسمية وميّزت بين كتاب التربية الإسلامية والكتب الأخرى؟ ألا يعني ذلك أن من أثارها له هدف واضح يميل إلى تقليص استعمالها وليس العكس؟

أما الإشارة إلى المرحوم شيبان فيصدق عليها القول “كلمة حق أريد بها باطل”، إذ يعلم الجميع أن هناك مثلا من يبلغ تقديسه للبسملة إلى حد أنه لا يرضى لها أن تكتب في ورقة قد ترمى بعد استعمالها في المزابل. لنطرح سؤالا أدق على الوصاية التي تتبرأ من أي دور لها في هذا الموضوع: أليس غريبا أن نجد جلّ الكتب المدرسية قبل الجيل الثاني تبسمل، ثم فجأة صارت الكتب الآن لا تبسمل؟! نقول ذلك ونحن نحترم من يبسمل ومن لا يبسمل على السواء، باعتبار أن لكل منهم مبرراته. لكننا أردنا هنا إبراز تناقض الخطاب الرسمي للوزارة. والتناقضات تدل عموما على أن شيئا ما يُحاك دون التصريح به جهرة.

هل نصدق مثلا الوزيرة عندما تقول إن هدف الوزارة في هذا الباب هو توحيد نمط الكتب المدرسية بتحديد الصفحة التي يكتب فيها اسم المؤلف؟! هل ثمة من المؤلفين من لا يعرف أين يكتب اسمه في تأليفه أو أنه يجهل بأن عدد صفحات كل كتاب ينبغي أن يكون مضاعفا لـ 8 تلبية لمقتضيات الطباعة، وأنه تبقى أحيانا من جراء ذلك بضع صفحات بيضاء لا بد من التصرف فيها في بداية الكتاب ونهايته؟

والأدهى من ذلك في موضوع التناقضات حول البسملة أنها وصلت إلى الوزارة الأولى إذ صرح رئيس الحكومة في غضبته أمام البرلمان الخميس الماضي معترفا بحذفها من الكتاب المدرسي وموضحا أن الأمر يتعلق بـ “خطأ مطبعي”!!! نعم، قال إن الحذف حدث “من خلال خطأ مطبعي” (كذا) فورّط الوزيرة رغم أنه راح يمتدحها ويدين منتقديها وكأننا في حلبة صراع لَيِّ الذراع!!

نستخلص من هذا كله أن القائمين على المدرسة ومناصريهم، من أمثال من استمعنا إليهم يوم الخميس، هم الذين يتحملون الجزء الأكبر من مسؤولية “أدْلَجَة” المدرسة بخطابهم المتناقض، وهم الذين يختلقون الآن فِتنا من حيث لا ينتظر المواطن.  

إلغاء الأولمبياد

من المعلوم أن الجزائر عادت إلى المشاركة في الأولمبياد العالمي في الرياضيات للسنة الثالثة على التوالي بعد توقف دام أزيد من عشر سنوات. وقد نال تلاميذنا نتائج يشكرون عليها وبذلت وزارة التربية مجهودات في سبيل ذلك لم ترْق إلى المستوى المطلوب. ورغم ذلك لا ننكر أن وزيرة التربية كانت في الظاهر حريصة على عمليات التدريب وشجعت عدة مرات بحضورها. لكن هذا النشاط لا يكفيه حلو الكلام بل يحتاج إلى إرساء هيكل قوي في سياق إستراتيجية علمية وطنية (تتجاوز وزارة التربية) يُتبنى فيها هذا المشروع من بين مشاريع أخرى مماثلة.

المحزن أن ساستنا ليس لهم انشغال بهذه الإستراتيجية، وهم ربما يضحكون عمن ينادي بها. فكيف بوزارة التربية أن تولي أمر المنافسات العلمية وتفوّق التلاميذ الأهمية التي تستحقها؟

في جويلية الماضي كاد فريقنا ألا يشارك لولا تكفل سونطراك بتذاكر السفر. ولو كانت وزارة التربية تسيّر الأمور كما يقتضي الحال لتكفلت هي بملبس محترم للمشاركين ولزودتهم ببعض المال لقضاء حاجاتهم ولما اكتفت بتذكرة طائرة دفعها غيرها. ليتصوّر القارئ أن في رحلتهم نحو البرازيل توقف هؤلاء التلاميذ ساعات طوال في مطار أوروبي ولم يجدوا حتى من يتكفل بإطعامهم!

وخلال هذا الصيف، عندما اتصل زملاء من مؤسستنا ببعض مؤسسات الدولة عبرت إحدى الشركات عن استعدادها الكامل مستقبلا للتكفل بهذه التظاهرة العلمية فاستبشرنا خيرا. غير أن ما بلغنا مؤخرا هو أن الوزيرة قررت ألا تشارك الجزائر في المنافسات هذه السنة وألغت كل التدريبات التي كانت مبرمجة، وهذا رغم أن المعنيين من التلاميذ ينتظرون بفارغ الصبر بدء التدريبات. وما هو مؤكد أن التدريبات التي اعتاد عليها التلاميذ خلال سبتمبر لم تتم وتعمدت الوزارة التكتم وعدم الإجابة عن أي سؤال يخص الأولمبياد.

لقد شبّه أحد الزملاء خبر إلغاء المشاركة في الأولمبياد بذلك الذي بنى بيتا وأوشك على استكماله، غير أنه فضل في لحظة هدمه بدل مواصلة التشييد. ذلك ما يبدو قررته المسؤولة الأولى عن القطاع رغم وجود لجنة وطنية نصبتها بنفسها قبل نحو سنة، وأوكلت إليها تنظيم تدريب ومشاركة التلاميذ في منافسات الأولمبياد في الرياضيات والفيزياء.

من يستطيع تبرير هذا القرار؟ إن كان الأمر كما بلغنا هو عدم تحكم الوزيرة في أمور داخلية بالوزارة فهذا يدل على فشلها الذريع في تسيير نشاطات القطاع! وعلى كل حال فالوزيرة لا ترى هذا النشاط يندرج ضمن أولوياتها، وكأنه نشاط يعيق نشاطات أخرى أو يتعارض معها!!!

وليس هذا فحسب، ففي مادة الفيزياء انطلق تدريب التلاميذ خلال السنة الماضية على أن يتواصل هذه السنة ليتمكن التلاميذ من المشاركة لأول مرة في السنة القادمة. لكن ما حدث هنا أيضا أن لا تدريب برمج لهذه السنة. وبالتالي فلا مشاركة ستكون في أولمبياد الفيزياء!! والمدربون وكذا التلاميذ لا يفهمون ما يحدث، وسبب صمت الوزارة الغريب حول هذا المشروع.

وبهذه المبادرات الشنيعة تقضي وزارة التربية على آمال كثيرة  وعلى مصداقية مسؤوليها. كنا في نهاية جويلية قد عنْوَنا مقالا “أولمبياد الرياضيات وتضليل الرأي العام” موضحين كم كانت وزيرة التربية في تصريحاتها آنذاك في هذا الباب تضلل الرأي العام، فامتعض من هذا المقال عدد من الزملاء والمعنيون بالتضليل. فها هو برهان آخر لهؤلاء على أن التضليل لا زال قائما.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
15
  • صالح بوقدير

    شكرا شكرا ياوطني

  • إبن قالمة

    السلام عليكم :
    أستاذنا المحترم إمضي في كتاباتك التنويرية ولا تلتفت إلى المثبطين من بني جلدتنا
    ولا تأخذك في الله لومة لائم , وأعتقد أنك ستفرح بما خطته يمينك يوم تلقى ربك .
    تحيا الجزائر .

  • المتولي_بير جنب_

    رمتني بدائها وانسلت
    رغم أني لاأحبذ الخوض في نعرات وحميات الجاهلية الأولى لأن كل الناس من أصل واحد لافضل فيه لعربي على عجمي ولا لأبيض على أسود إلابالتقوى كما قال عليه الصلاة والسلام إلا أني أسألك :من حكم الجزائر من "العرب" منذ الإستقلال إلى يوم الناس هذا؟ وأتحداك

  • بدون اسم

    حسب رايك فإن زمن عثمان و عمر هو زمن الشعوذة...أسأل لك الله من كل قلبي أن يهديك و ان يجعلك من المتميزين رياضياتيا حتى لا يبقى وجود للشعوذة.

  • مسلم

    " من يبلغ تقديسه للبسملة "
    ما بك أخي بسم الله الرحمن الرحيم آية من القرآن قال العزيز العلي " (29) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30)".
    و أعارض كتابتها لأن البعض يكونون جنب أو غير متوضئين أو بعض النساء حائضات...... ذلك أنها آية و لكن لا يتهمني البعض بدعم هته الوزيرة أو ممن مثلها و أعارض نزعها من الكتب ذلك أن هته الموجة المقادة عالميا من اليهود و عباد إبليس لعنة الله عليه أو الدجال رغم أن جل الناس لا يتطهرون عند لمسها ويكفي نطقها

  • الحمداني

    على قدر أهل العزم تأتي العزائم
    و على قدر الكرام تأتي المكارم
    و تعظم في عين الصغير صغارها
    و تصغر في عين العظيم
    هناك فرق شاسع بين أمة تنشغل بعظائم الأمور كاستكشاف أسرار الكون و غزو الفضاء
    و أمة تنشغل بتوافه الأمور كحذف البسملة و النقاب

  • قـــوجيل ميهوب

    في سبتمبر 2015 وفي نهاية سبتمبر ، وفي اطار التحضير للأولمبياد ، بحضور المدرب الجزائري )مالك طالبي ) في ثانوية الرياضيات ، وكنت من ضمن مفتشي التربية الوطنية لمادة الرياضيات المدعوين ، وفي اليوم الثاني طلب المستشار بوزارة التربية الوطنية (أحمد تيسة )لقاء خاصا بالمفتشين ، مرفقا بسكرتيرة (على ما أعتقد )تسجل تدخلات الحضور (حين يأمرها بذلك )، كان محور اللقاء يدور حول عدم قناعته بهذه الأولمبياد التي تستهدف تلاميذ سنهم يفوق 7_8سنوات ،(ملاحظة) : كان يسجل بالصوت والصورة فقط التدخلات الموافقة لطرحه

  • عيسى اللموشي

    نعم ، اننا لا نؤمن بذاتنا ونبحث دائما عن الحلول عند الاخرين لنعيش في جلاليبهم، و رغم ذلك فهم لا يقبلون بنا ،
    كتاب كثر في في مقالات لهم نشرت بهذه الصحيفة ينزعون دائما إلى ثقافة الأعراب إلى درجة تجد منهم من يستدل بكلام اللصوص و الصعاليك ، متجاهلا أن هذا الوطن يزخر بتاريخ أبيض ناصع و رجال أبطال و نساء حرائر.

  • بدون اسم

    اهتمامات سعدالله بوبكر ورفاقه من عرب شمال افريقيا
    البسملة والنقاب و اللغة الفرنسية والامازيغ
    اهتمامات الامازيغ وغيرهم من الشعوب
    الطاقات المتجددة المياه والبيئة .....
    من يضلل من؟
    أمن يفتي باقصاء *قتل* الجزائريون الناطقون بالامازيغية والفرنسية
    من جملة المشاكل التي يعاني منها الامازيغ بسبب العرب والصهاينة سي بوبكر يرى
    إلا مايراه اليمني والسعودي والمصري و..
    هل يمكن تكوين وصناعة فرد يفكر رياضياتيا وهو يعيش زمن عمر وعثمان. هل تتطابق الشعوذة والرياضيات

  • jamel

    بن غبريط ومدرستها العظيمة التى لا يوجد مثلها.فى البلاد.....تقرأ فى مدرستها 8 ساعات يوميا.. وفى المساء تجد نفسك لم تفهم شيئ.....ولكي تفهم..عليك أن تقرأ فى القُراج ( المرآب ) وتدفع الدينار.......الخلاصة : فى مدرسة بن غبريط حقيقة لا تدفع و لكن لا تفهم.. وفى القرجات تدفع لكي تفهم...........فهمونـــــــــــــا.

  • سعودي خالد

    غرار ما سبق، أستاذنا الفاضل، مشكور على هذا التنوير و التوجيه خاصة أنك مقيد بعديد من المهمات العلمية.
    في التفكير بالحلول، نلتمس أولا من بعض الأساتذة، منتخبي الغرفتين، أن يبصموا في هذا القرار لحماية ازدهار التربية و التعليم العالي في بلادنا الجزائر.

  • الوطني

    اهم ما قلت ""لقد فشلنا كلنا في بناء وطننا "" سيدي لا تحملنا الفشل ... الفشل يتحمله الذي انقلب وقال لنا خلال 6 اشهر سنبني الجزائر هاهي 25 سنة دمرو الاخضر واليابس قتلو 300 الف جزائري فقط لانهم معارضين اختطفو الاآلاف لانهم معارضين وفيهم احسن الاطارات من الذين رفضو حل مؤسساتهم وبيعها بالدينار الرمزي للانقلابيين وهاهم اليوم بعد تدمير الاقتصاد والبلاد انتقلو الى تدمير المدرسة والثوابت الوطنية المكتوبة بدماء الشهداء هذه المهمة الاكثر قذارة وخطورة من وعود الانقلابيين مهمة الغبريطة وبقايا فرنسا ..

  • بدون اسم

    هناك حقيقة واحدة في هذا البلد وما دون ذلك كله ترهات وتضييع وقت
    لقد فشلنا كلنا في بناء وطننا
    الكل اثر مصالحه الاديولوجية على مصالح البلد
    الخلل ليس في بن غبريط او غيرها اسلاميين كانوا او علمانيين
    العيب في خلل نفسي نعاني منهم منذ فجر التاريخ
    اننا لا نؤمن بذاتنا ونبحث دائما عن الحلول عند الاخرين لنعيش في جلاليبهم
    ان لم يكونوا فينيقيين فرومان
    وان لم يكونوا عرب مشارقة فعثمانيين اتراك
    وان لم يكونوا فرنسيين فانجليز حاضرون

  • يوسف الشاوي

    يا استاذ هؤلاء الساسة (الوزيرة ومن وضعها في منصبها) يكرهون
    كل ما يتعلق بالدين والعربية هي اول اهدافهم لان العربية هي واجب لا يتم الواجب الا به.
    لكن ما هو العلاج لهذا الوضع المخزي الذي تعيشه البلاد؟
    ماذا لو جمع الشعب 1 مليار دولار لاقامة 50 ابتدائية و50 ثانوية و50 متوسطة و جامعتين؟
    جامعة الملك عبد الله كلفت 18 مليار دولار, فهل يعجز 10 ملايين من احرار الجزائر جمع 1/18 من المبلغ؟

  • بدون اسم

    راهم يهنتشو ياسر وربي يستر