-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

من شهر فتوحاتٍ وانتصارات.. إلى شهر موائد وسهرات!

سلطان بركاني
  • 412
  • 0
من شهر فتوحاتٍ وانتصارات.. إلى شهر موائد وسهرات!

في شهر رجب من السنة الثانية لهجرة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- نزل الإذن بقتال المشركين في قول الله -تعالى-: ((وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)) (البقرة: 190).. وفي شعبان من السنة نفسها نزل الأمر بصيام رمضان. واقتضت حكمة الله أن يجتمع للمسلمين الفرضان في أوّل رمضان يصومونه، حيث خرجوا إلى بدر للقاء المشركين، وكانت غزوة بدر الكبرى في الـ17 من أول رمضان يصومه المسلمون. وكان يوما مشهودا فرح فيه المؤمنون بنصر الله في يوم سمّاه القرآن يوم الفرقان: ((وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)) (الأنفال: 41).

ستّ سنوات بعدها، شهد التاريخ ملحمة أخرى من ملاحم الإسلام الخالدة، غزوة فتح مكّة، في العشرين من شهر رمضان من السّنة الثامنة للهجرة، وهي الغزوة التي كانت تحقيقا لوعد الله عبادَه المسلمين بأن يفتح لهم فتحا مبينا: ((إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا * وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا)).

خمس سنوات بعدها، في الثالث عشر من رمضان، من السنة الـ13 للهجرة، كانت وقعة البويب، حيث التقى جيش المسلمين الموحّدين بجيش الفرس المجوس، في مكان يُعرف بالبويب قريبا من مدينة الكوفة. كان نهر الفرات يفصل بين الفئتين، فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة، قبل أن يعبر جنود الفرس النهر بطلب من المثنى بن حارثة. التحم الجيشان، وكانت معركة عظيمة، صمد فيها المسلمون حتّى أظفرهم الله بعدوّهم وصار الفرس يفرّون كالجرذان، وأعمل فيهم جند الله السيوف حتى امتلأت الأرض وامتلأ النهر بجثثهم.

مضت السنوات والعقود وتوالت الفتوحات والانتصارات، حتى كانت وقعة عمورية في رمضان من السنة 223هـ في عهد المعتصم بالله العباسي، حينما سالت دموع امرأة مسلمة واستغاثت بالمعتصم صارخة: “وامعتصماه”، بعد أن امتدّت إليها يد علج روميّ في سوق عمورية -التي تتبع حاليا للأراضي التركية- فبلغت المعتصمَ صرختها، فقال: لبيك أختاه، وقاد جيشا عرمرما فتح به عمورية، وبحث عن العلج الذي آذى المرأة المسلمة حتى ظفر به وأوقفه في ذلة أمام الحرّة المسلمة، ثمّ اقتصّ منه، ليكون عبرة لكلّ من تسوّل له نفسه أن يحوم حول حمى امرأة مسلمة طاهرة.

ومضت السنوات والعقود، حتى كانت معركة الزلاقة في شهر رمضان سنة 479 هجرية على أرض الأندلس، حينما استنجد الأمير المعتمد بن عباد أمير أشبيلية وقرطبة بالمرابطين في أرض المغرب بقيادة الفارس المغوار والقائد الكرّار يوسف بن تاشفين، ضدّ جيش مملكة قشتالة الصليبي بقيادة ألفونسو السادس. فانطلق المرابطون كالأسود وعبروا البحر لنجدة إخوانهم، والتقى جيش الإيمان في مواجهة جيش الصلبان على سهل الزلاقة في الأراضي الإسبانية، وأظفر الله عباده المؤمنين بنصر مؤزّر دوّت له أوروبا بأكملها، وكان سببا في مد عمر الإسلام في الأندلس 3 قرون أخرى بعد أن كادت تكون لقمة سائغة للإسبان بسبب خيانات ملوك الطوائف.

ومضت السنوات والعقود، حتى كانت معركة حطين، في شهر رمضان من السنة 583هـ، على أرض فلسطين المباركة، بين المسلمين بقيادة النّاصر صلاح الدين الأيوبي وبين الصليبيين.. كانت معركة حامية الوطيس، انتهت بنصر مؤزّر لعباد الله المؤمنين، كان مقدّمة لفتح بيت المقدس بعد ذلك.

مضت السنوات والعقود بعدها، حتّى كانت معركة عين جالوت قرب مدينة نابلس، في 26 رمضان سنة 658هـ، حيث تواجهت جيوش المسلمين بقيادة القائد المظفّر قطز، مع جيوش المغول بقيادة كتبغا. كانت واحدة من أصعب المعارك التي خاضها المسلمون في تاريخهم، كاد المسلمون ينهزمون في بدايتها، حتى التهب الحماس في قلب القائد قطز فألقى خوذته على الأرض وصرخ في المسلمين: “وا إسلاماه، وا إسلاماه”. ونزل عن فرسه ومرّغ وجهه في التراب ودعا ربّه أن ينزل نصره على عباده، فالتهب الحماس في قلوب المسلمين الذين أدركوا أنّ مستقبل الإسلام أمسى -بعد توفيق الله- بأيديهم، فانطلقوا كالأسود الجريحة يجوبون صفوف المغول ويلقون بجثثهم ذات اليمين وذات الشمال، حتى نزل النصر المؤزّر على عباد الله المؤمنين.

نصف رقن بعدها، كانت وقعة شقحب، في الفاتح من رمضان سنة 702هـ، بين جيش المسلمين بقيادة الناصر محمد بن قلاوون، والتتار بقيادة قطلوشاه، وقد حضرها شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- مجاهدا بسيفه ولسانه يحرّض القادة والجند المسلمين ويلهب حماسهم، وقد كانت وقعة عظيمة أظفر الله فيها عباده المسلمين على عدوّهم.

هكذا كان رمضان شهر فتوحات وانتصارات؛ ينتصر فيها عباد الله المسلمون على أنفسهم أولا ثمّ على عدوّهم ثانيا.. لكن يبدو أنّ الحال في زماننا هذا تغيّرت، حين أصبح رمضان في حياة كثير من المسلمين شهر خمول وكسل، شهر سهر بالليل ونوم بالنّهار، يبيتون لياليه على غثاء القنوات وتوافه المواقع وسهرات المقاهي، ويصبحون نائمين إلى وقت الضحى أو وقت الظّهر. لا يعرفون من رمضان إلا الموائد المزيّنة بألوان الطّعام وأشكاله. ولا يقومون من الليل إلا ساعة ينطلقون بعدها كما ينطلق السجين الذي خرج من سجنه، ليقضوا ساعات طويلة في جلسات الترفيه.

هزم أكثر المسلمين أمام أنفسهم وبطونهم وشهواتهم، بعد أن أصبحت الخبزة أهمّ في حياتهم من الصّلاة والقرآن، والراتبُ أهمّ من فلسطين والأقصى، وبعد أن ابتلوا بأمراء كأمراء الطوائف، أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات، لا ينصرون دينا ولا قضية، وكانت النتيجة أنّ ما لا يقلّ عن 2 مليار مسلم انهزموا أمام ما يقلّ عن 7 ملايين يهوديّ يعربدون في أقدس أرض عند المسلمين بعد مكّة والمدينة، أرض فلسطين المقدّسة المباركة، عهد الأنبياء والمرسلين! كأنّهم يعيشون مصداق هذه الآية في واقعهم: ((فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا)).

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!