-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

من طال أملُه ساء عملُه

سلطان بركاني
  • 1187
  • 0
من طال أملُه ساء عملُه

هناك موقف في هذه الحياة الدّنيا عايشناه وعايشه كثير من شبابنا في الامتحانات الدّراسية؛ حين يسمع الطلاب وهم في قاعة الامتحان الأستاذ الحارس يقرع أسماعهم بقوله: “ضعوا الأقلام، انتهى وقت الامتحان”.. في تلك اللّحظة تخفق قلوب الطلاب الكسالى الذين لم يتأهّبوا للامتحان وأمضوا أوقاتهم في اللهو واللّعب، وقضوا ساعة الامتحان في التفكير والنّدم، وتزداد حسرتهم وهم يرون التلاميذ المجتهدين يسلّمون أوراقهم للأستاذ تعلو محايهم علامات الرضا والغبطة.. عندما يقول الأستاذ: “ضعوا الأقلام”، يدرك الطّالب الكسول أنّ الأمر قد انتهى وأنْ لا مجال لإضافة جملة أو حتّى كلمة.

هكذا هي أعمارنا، سيأتي يوم وتنتهي المهلة ويُغلق الباب وتطوى الصحيفة وتخرج الرّوح، وينتهي وقت العمل ويحين وقت الجزاء، فمن أمضى أيامه في الطّاعات وأعمال الخير والبرّ فرح واستبشر، ومن قضاها في السّهو واللّهو والغفلة ندم وتحسّر.

إنّه ليس أضرّ على العبد في هذه الدّنيا من طول الأمل، فمن أطال الأمل أساء العمل؛ يظنّ العبد أنّ أمامه عمرا طويلا يكفيه ليتمتّع يمنة ويسرة ثمّ يتوب في آخره ويصلح، وكلّما ازداد عمره نقصانا طال أمله وازداد قلبه قسوة وامتلأت نفسه غفلة، حتّى يفاجأ في آخر عمره بنفس مردت على المعاصي والغفلة وأصبحت تفرّ من التوبة وتَجمح عن الطّاعات وتُقبل بنهم وشره على المعاصي والمخالفات.

طول الأمل، هو المرض العضال والدّاء الدوي الذي يفتك بنفوسنا وينخر قلوبنا.. وهو داء هذه الأمّة في آخر الزّمان، لم يسلم منه إلا من عصم الله الواحد الديان: عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: “نَجَا أَوَّلُ هَذِهِ الأمَّةِ باليَقِينِ وَالزُهْدِ، وَيَهْلِكُ آخِرُ هَذِهِ الأمَّةِ بالبُخْلِ وَالأمَل” (رواه الطبرانيّ بسند حسن).

أعمارنا أقصر ممّا نحسب ونؤمّل.. ولو أنّنا حسبنا ما يضيع منها في مصالح الدّنيا من أكل وشرب ونوم وسعي ولغو، لوجدنا أنّ أعمارنا الحقيقية التي عملنا فيها للحياة الباقية قصيرة جدا.. هذا أحد الصّالحين: خويل بن محمد -رحمه الله- قال يوما مخاطبا نفسه: “كأنَ خويلًا قد وقَفَ للحسابِ فقيلَ له: يا خويلُ بن محمد قد عمَّرناكَ ستينَ سنةً، فما صنعتَ فيها؟ فجمَعت نومَ ستينَ سنةً مع قائلةِ النَّهار، وإذا قِطعةٌ مِن عمري نوم، وجمَعتُ ساعاتِ أكلي، فإذا قِطعةٌ مِن عمري قد ذهبت في الأكل، ثم نظرتُ في صلاتي، فإذا صلاةٌ منقوصةٌ، وصومٌ منخرقٌ، فما هو إلا عَفوُ اللهِ أو الهَلَكَةُ” (حفظ العمر، لابن الجوزي).

جدَّ الزمانُ وأنتَ تلعبْ * والعمرُ في لا شيءَ يذهبْ

كمْ قدْ تقولُ: غدًا أتو * ب غدًا غدًا، والموتُ أقرب.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!