الرأي

من عكّر مزاج الشعب الجزائري؟

حسان زهار
  • 2783
  • 17
ح.م

حتى بعد وفاة قائد الأركان السابق الفقيد أحمد قايد صالح، كانت معنويات الشعب الجزائري مرتفعة، فقد خرج بعدها في الجنازة المهيبة شامخ الرأس، يهتف بتلاحم الشعب والجيش، ويعد باستكمال مشوار التطهير والتحرير.

لكن.. حدث أن تعكر مزاج الشعب بعدها بشكل واضح، وبدأت المخاوف والتساؤلات.. أمام ما نراه من تطورات متلاحقة.

والحاصل، أن الناس تحمل في صدورها أحلاما ثورية جميلة، وتحلم بدولة العدل والحق والأصالة، وترى نفسها أنها انتظرت طويلا لتحقيق ذلك، لكن النتيجة دائما تأتي على عكس ما هو متوقع.

بل الحاصل، أن الناس يريدون الجنة ونعيمها، لكنهم في الغالب لا يقدمون من أعمال تستوجب دخولهم الجنة، بل إن منهم من لم يركع لله وقتا، ولا صام في حياته يوما.

والحاصل أن التغيير لا يكون بالأماني، ولا بكثرة الشعارات والأغاني، وإنما التغيير يكون بالعمل الميداني، وتقديم البدائل، وفرض الرؤى بالقدر الذي تمتلكه من قوى الضغط والتأثير.

مشكلة الباديسيين والنوفمبريين، الذين نحسب أنفسنا منهم، هو تركهم ميدان التدافع السياسي للخصوم، والاكتفاء بدائرة التأييد والتبرير للسلطة القائمة، وطبيعي أن أي سلطة قائمة تريد المحافظة على نفسها، أن لا تحاور نفسها، ولا تقدم التنازلات لأتباعها، إنما تفعل ذلك مع الخصوم، الذين يواجهونها ويهددون مراكز قوتها.

حصل ذلك من قبل، حتى في حياة الفقيد الكبير قايد صالح، مع لجنة الحوار التي “عكرت مزاج” الشعب البسيط، وقد كان اختيار كريم يونس آلة عملاقة لجرّ “المورال” إلى واد الحراش، ثم جاءت سلطة الانتخابات التي أكملت المهمة، قبل أن ترسو السفينة كما نعرف جميعا، على المرشحين الخمسة، والقبول بانتخابات “عصر الليمون”.

كل ذلك كان لأن الطرف الضاغط على السلطة، كان من لون واحد، ولديهم تكتيك واحد معروف، المعارضة بالنهار في الشارع، والبزنسة بالليل داخل الكواليس، وحين يستيقظ الشعب المغلوب على أمره، المسكون بلعبة “المورال” الهابط، والمزاج “المكرفص”، يجد أن اللعبة قد استكمِلت، في انتظار صدمة أخرى سيتلقاها وهو يراقب الأوضاع على الأرائك.

في كل الدول، يخسر “حزب الكنبة” كما يسميهم إخواننا المصريون المعارك، لأنهم رغم كثرتهم، جهة مراقِبة غير فاعلة إلا عبر التعليقات في الفيسبوك، هؤلاء يمكنك أن تقيس درجة غضبهم واستنكارهم على مواقع التواصل الاجتماعي بسهولة كبيرة، فهم يملؤون تلك الفضاءات تنظيرا ونحيبا، لكن من النادر أن تجدهم يعبّرون عن تلك المشاعر الجياشة في الشارع، أو أن يجسدوا ذاك الضجيج الذي يحدثونه في شكل هيئات أو جمعيات أو أحزاب أو حتى شخصيات وازنة يمكنها أن تحمل مطالبهم إلى من بيدهم الأمر.

يحتاج أمر “المورال” هذا، والمزاج المعكّر، إلى أن تتغيَّر المعادلة داخل المنظومة الشعبية “الخامدة”، قبل أن تتغير داخل المنظومة الحاكمة، ولن يتم ذلك أبدا، إلا إذا توجَّهت الأغلبية التي افتقدت “الفعل”، ورضيت بأداء أدوار “ردّ الفعل”، نحو هيكلة نفسها سياسيا، واعتمدت أساليب مختلفة غير تقليدية في النضال، لانتزاع حقوقها بيدها، وتحقيق مطالبها بنفسها، لا بأن تنتظر أن يتم التبرُّع لها بمنصب هنا أو منصب هناك.

وإلا أليس مؤلما، أن يصبح أقصى أماني أصحاب الأمزجة المعكَّرة، الحصول على منصب وزارة التربية أو الثقافة؟ بينما كان الحلم، هو أن نستيقظ على دولة تحمل مشروعا حضاريا عظيما، تقارع به نظراءها في العالم الإسلامي على الأقل في تركيا أو ماليزيا مثلا؟

ومع ذلك، نأمل الخير في كل ما يحدث، فالدروس التي تعلمها ويتعلمها الشعب منذ اندلاع ثورته السلمية، لا تُقدَّر بثمن، ولعل من عكر مزاج الشعب، أراد بطريقته تنبيهه إلى حكمة عظيمة قالها يوما الشاعر أحمد شوقي:

وما نـيل الـمـطـالب بالتمنـي *** ولـكـن تــؤخـذ الـدنـيا غلابـا

وما استعـصى على قومٍ منالٌ *** إذا الإقـدام كـــان لــهـم ركابا

مقالات ذات صلة