-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

من يحرّر “لجنة القدس” من المخزن؟

من يحرّر “لجنة القدس” من المخزن؟

سكت النظام المغربي العميل لبني صهيون دهرا عن العدوان الغاشم ضد أهلنا في غزة، وحين نطق قال كفرا بالقضية الإسلامية والعربية والإنسانية العادلة، متخفيّا وراء تعبيرات فضفاضة، بل متحيزة لجرائم الجلاد ضد صرخات الضحية، والتي تلقى التعاطف الواسع عبر العالم إلا من المطبعين أذناب الاحتلال الإسرائيلي.

مقابل ذلك، تقف الجزائر مرة أخرى وقفة الكبرياء القومي جنبًا إلى جنب مع الشعب الفلسطيني الباسل في مقاومته ضد همجية الكيان الصهيوني، وبقراءة سياسية لموقف البلدين من الحرب المتجددة على قطاع العزّة، تتأكد مجددا سعة الهوة بين الجمهورية السيّدة والمملكة المستعبدة في علاقتهما بالقضية المركزية للأمة قُربًا وبُعدا، وبتعبير أدق وفاء وغدرًا.

 لقد أدانت الجزائر وبشدة “العدوان الغاشم باعتباره حلقة أخرى في سلسلة لا تنتهي من الانتهاكات الممنهجة بحق المدنيين، في خرق واضح وجلي لجميع المواثيق والقرارات الدولية ذات الصلة”.

أما بلاغ البلاط الملكي (باسم الخارجية) فقد علقت على الجريمة الشنعاء بالقول إنه “تدهور كبير نتيجة عودة أعمال العنف والاقتتال وما خلفته من ضحايا وخسائر في الأرواح والممتلكات”، كأنّ الوضع يخص حربا تقليدية متكافئة بين دولتين وجيشين نظاميّيْن، وليس عدوانا جائرا لجيش احتلال على سكان مدنييّن.

وفي وقت أكدت جزائر الثورة والشهداء تضامنها الكامل مع الشعب الفلسطيني، داعية المجتمع الدولي، وخاصة مجلس الأمن الأممي، للتدخل العاجل لوقف الاعتداءات الإجرامية وفرض احترام حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف أو التقادم في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، فإنّ محمد السادس، الذي يرأس لجنة القدس بالمؤتمر الإسلامي، يدعو على استحياء إلى “تجنب التصعيد والتوتر الذي يقوض فرص السلام”، لأنه يحمل بوضوح فصائل المقاومة مسؤولية الأوضاع، وهي مطالبة عنده أيضا بالتهدئة، عوض الحق المشروع في الدفاع عن النفس.

من الطبيعي جدا أن يأتي موقف الجزائر امتدادا لتاريخها الثوري وتجربتها الجهادية ضد الاحتلال ومعاناتها معه، ومنسجما مع ثقافة قيادتها السياسية وتنشئتها الوطنية المرتكزة على معاني الشهامة والكرامة ونصرة المظلوم، ناهيك عن مُظاهرة القريب من أبناء الدين والعمومة العربيّة.

إن الجزائر وفي كل مواقفها العملية الداعمة للأشقاء من فلسطين إلى حربيْ النكسة 1967 وأكتوبر 1973 لم تبنِ أبدا حساباتها على منطق الربح والخسارة القُطريّة الضيقة، بل كان منطلقها دومًا المبادئ الأخلاقية التي تكرّس انتماءها وفلسفة ثورتها الخالدة، لأنها آمنت ولا تزال بوحدة الأمة في ماضيها ومصيرها ومستقبلها، مهما كانت عقبات الأنظمة الزائلة.

بل إنّ الجزائر كانت السند الأول لثورات إفريقيا ضد الاستعمار، وهي لا تزال تحاربه وقتها في الخمسينيات، ثم عقب استرجاع سيادتها رغم ضعفها كدولة فتيّة منهكة من خراب الاحتلال، حتى لقبها القادة الأفارقة بـ”قبلة الثوار والأحرار”.

لذلك ليس غريبًا اليوم أن تظلّ الجزائر، في زمن الانبطاح الجماعي للكيان الصهيوني ومقايضة حقوق الشعب الفلسطيني بمصالح وهميّة زائفة، متشبثة بمسارها الدبلوماسي الوطني والقومي، بل تدفع ضريبة مواقفها الثابتة في سياستها الخارجية من استقرارها الداخلي والتربص بسيادتها، بتآمر العدوّ البعيد وحليفه المجاور بالنيابة.

تلك الفلسفة الثورية لا يستوعبها نظام المخزن الذي ترعرع في حضن الخيانات وبيع ذمته للحركة الصهيونية منذ زمن بعيد، لأجل تثبيت عرشه المتهالك، حتى صار الذباب المغربي على شبكات التواصل الاجتماعي يعيب على الجزائريين حماسهم (الزائد) لصالح فلسطين والصحراء الغربية، ويراه هو بعيون المذلة والجبن نقصَ ذكاء وبراغماتية، حتى جرؤ هؤلاء المُخدّرون على التساؤل: لماذا تدفع الجزائر بسخاء أموالها ومساعداتها وكل ما تملك للفلسطينيين والصحراويين؟

إنّ فاقد النخوة لا ينظر إلى المكافئ المعنوي الأخلاقي الذي تمليه عرى الأخوة والإنسانية و”الرّجلة”، وقبل ذلك تفرضه أحكام الدين الحنيف في إغاثة المسلم المغلوب والذود عن أرض الإسلام ومقدسات المسلمين.

ما يحسنه المخزن على مرّ التاريخ هو التآمر مع العدو الخارجي والاستعانة به على القريب، لأجل مصالح السلطان الغاصب للحكم عُنوة، إذ تعاقبت خياناته من عهد البطل الأمير عبد القادر والزعماء الخمسة لثورة نوفمبر المجيدة إلى حرب الرمال 1963 وحروب المخدرات المتلاحقة وآخرها (وليس أخيرها) الغدر بالفلسطينيين والجزائريين بالتحالف المتقدم عسكريّا وأمنيّا مع الكيان الإسرائيلي.

لقد زعمت أبواق المخزن أن التطبيع مناورة فقط لصيانة الوحدة الترابية التوسعيّة المزعومة، في إشارة إلى مقايضة الموقف من فلسطين بملف الصحراء الغربية، لكن حبال الكذب قصيرة، بدليل أن تواطؤ المغرب مع إسرائيل حدث منذ بداية تأسيس الكيان وليس بعد ظهور النزاع مع الصحراويين، ولا أدلّ على ذلك من تسريب كل تفاصيل اجتماع القمة العربية بالدار البيضاء لجهاز الموساد عام 1965.

كما وعد المخزن الكذوب بعدم التخلّي عن دعم فلسطين، بل ادعى بكل وقاحة أن التطبيع سيكون لمصلحة القضية، وها هو اليوم يقف جبانا عاجزا عن إدانة العدوّ الصهيوني على غزة وقبلها اغتيال المناضلة الصحفية، شيرين أبو عاقلة، بدم بارد، ولم يتجاوز بلاغه الباهت الدعوة إلى التهدئة.

لقد حان الوقت بكل جدية لأعضاء منظمة المؤتمر الإسلامي سحب رئاسة لجنة القدس من أمير التطبيع والعمالة نهائيا، لأنه لم يعد فقط خاذلا للقضية الفلسطينية، بل هو اليوم رأسُ حربة ضدها.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!