-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

من يسرق قوت الجزائريين؟

من يسرق قوت الجزائريين؟

لا حديث يعلو هذه الأيام في الجزائر فوق الأسئلة المحيِّرة بخصوص فوضى الأسعار والعبث الخفيّ بالسوق والتلاعب بقوت المواطنين، إلى درجة بات فيها الأمر ينذر بحالة غليان اجتماعي، إن لم تتمكن السلطات العمومية في القريب العاجل من كبح جماح المضاربين والمتآمرين وبسط سلطتها العامّة على النشاط التجاري.

الغريبُ في القضيّة أن ارتفاع منحنى الأسعار بشكل جدّ متسارع، وفي كل السلع والمنتجات والخدمات، مهما كان منشؤها وطبيعتها، يبقى من دون تفسيرات اقتصادية موضوعيّة لدى الخبراء، حتّى في وجود عوامل محفِّزة على غلاء بعض المواد، لكن ليس إلى هذا الحد وبالصورة الدراماتيكية التي يعيشها الجزائريون مؤخرا، وهو ما يفتح باب التساؤلات المشروعة بشأن الأسباب الفعليّة لما يحدث ومن يقف وراءها؟ ولمصلحة منْ؟ ولأيِّ أغراض؟ بينما يدفع المواطن البسيط وحده ثمنها.

صحيحٌ أنّ هناك تداعياتٍ إجباريّة لقرار البنك المركزي بتخفيض قيمة الدينار الجزائري أمام العملات الأجنبية، وما ينجرّ عنه تلقائيّا من ارتفاع في كل المواد المستورَدة وتلك المنتَجة محليّا بمواد أوليّة مستورَدة كليّا أو جزئيّا، ناهيك عن آثار جائحة كورونا على النشاط الاقتصادي بفعل زيادة التكلفة، لكن هذه المعطيات -مع أخذها بعين الاعتبار- لا تبرِّر على الإطلاق ما تعيش على وقعه الفضاءات التجاريّة من تلاعب بأموال المستهلِكين، ونحن هنا نستثني المنتَجات الفلاحية الموسميّة التي قد نتفهَّم وضعها في السوق وفق قاعدة العرض والطلب، مع اليقين الكامل بالتأثير الكبير للّعبة القذرة التي يمارسها بارونات المضاربة.

وممّا ينبغي الإشارة إليه بهذا الصدد أنّ المواطن اعتاد على زيادات طفيفة في بداية كل عام، تبعا لإجراءات قوانين المالية المتصلة باستحداث ضرائب جديدة، أو بزيادة في المقرّر منها سابقا، لكن اللافت في الموضوع أنّ قانون 2022 لم يحمل أيَّ أعباء إضافيّة على كاهل الجبهة الاجتماعية، بحسب المختصِّين، مما يُسقط كل تلك التفسيرات الجاهزة.

والصادم أكثر أنّ العبث بالأسعار مسّ حتى تلك المواد واسعة الاستهلاك، المدعمة والمسقّفة قانونًا، بل إنّ اللوبيّات لم تتورّع عن اختلاق الندرة فيها، إمعانًا في تكريس الأزمة لأهداف لم تعُد مشبوهة ولا خافية عن أحد.

وإذا اتفق الجميع على أنّ السوق الوطنيّة أضحت اليوم رهينة الفوضى والمحتكِرين والمضاربين والقوى الخفيّة التي تتلاعب بقوت المواطن وقدرته الشرائية المنهَكة أصلا، سواء لدوافع تتّصل بالجشع والأنانيّات المادية أو لمآرب سياسية لإحداث البلبلة الاجتماعية والمساس بالاستقرار العام، فإنّ مسؤولية الدولة بأجهزتها ومؤسّساتها وقوانينها تقتضي منها حماية المستهلِك الجزائري.

لقد سبق للحكومة التأكيد على وفرة كل المنتجات الغذائية بكميّاتٍ كافية تحول دون رفع أثمانها، كما سنّت قوانين صارمة لتعقّب المضاربين، قبل أن نُفاجَئ بفرض التغوّل التجاري لمنطقه السادي على المواطنين.

إنّ تزامن الإرباك التجاري مع إعلان رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، عام 2022 موعدا للإقلاع الاقتصادي في الجزائر الجديدة، لا يمكن أن يكون مجرَّد صدفة، وهو ما يجعل السلطات العليا على دراية تامّة بالتحدِّيات الراهنة، وما يكتنفها من تعقيداتٍ وصعوبات ومؤامرات لزعزعة الاستقرار، وفق تعبير الرئيس نفسه في رسالة رأس السنة الميلاديّة.

لكن إدراكنا بوجود عصابات مستترة تعبث بالسوق، ليس تبرئة لساحة الحكومة ولا التماسًا للأعذار في حقّها، بل إنّ الواقع يُلقي عليها حملا آخر في ضبط النشاطات التجاريّة في مثل هذه الظروف الحرجة، إذ ليس مقبولا أبدا أن يقف المواطن في حيرة من أمره، من غير حول ولا قوّة، أمام أسعار غير مبرّرة وفوق تكلفة الإنتاج وهامش الربح المفترض.

إنّ الضغط الخطير الذي يتحمّله المستهلكُ الجزائري اليوم، وفي ظل تآكل القدرة الشرائية، ستكون ضريبته سياسيّة في حال الفشل في احتوائه، ما يفرض تدخل الدولة عاجلا بالرقابة الصارمة، وتطبيق قوانين الجمهوريّة، بل إنّ الحل الأمثل والاستثنائي الآن هو تجاوز قيود السوق الحرّة، باسم الحفاظ على النظام العام، من خلال فرض التسقيف على عديد المنتجات، وإعداد بنك معلومات يحدد كافّة مراحل سلسلة الإنتاج وتكلفته، حتى تتمكّن المصالح المختصّة من ضبط الأسعار النهائية في محلات التجزئة، قبل انفلات الأوضاع من الجميع.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • حقائق لا غبار عليها

    من يسرق قوت الجزائريين؟ قوت الجزائريين يسرقه أعداء البلاد والحاقدين على القوة الاقليكية وهم أيضا السبب في ارتفاع الأسعار وفقدان مادة الزيت ... وكل مهازل الحاضر والماضي والمستقبل .

  • عمر

    الجزائري يسرق الجزائري. الطبيب يسرق الخضار. و الخضار يسرق سائق التاكسي و التاكسي يسرق السباك. و السباك يسرق... الا من رحم ربي وقس على هذا