-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

موسم الهجرة شرقا

عمار يزلي
  • 796
  • 0
موسم الهجرة شرقا

التحوُّلات الكبيرة التي تحدث عالميا يوميا على مرأى ومسمع الجميع، تشير إلى أن موجة ثانية من “حركة التحرر” الاقتصادي والسياسي السيادي قد بدأت تتوسع في أكثر من قارة وبلد وإقليم، بدءا من شرق المتوسط وإفريقيا فأمريكا اللاتينية والكراييب وشرق آسيا وحتى بعض دول غرب أوروبا.

الظاهر أن سبب ذلك يعود إلى بداية العد العكسي لهيمنة القطب الواحد، الذي لم يكن لأحد، إلا قليل منهم، خيار آخر غير القبول بقواعد “لعبة القوة” العالمية المهيمنة اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، الوحيدة التي بقيت على الساحة الدولية منذ 30 سنة، منذ انهيار الاتحاد السوفييتي والمعسر الاشتراكي الشيوعي.

الحرب الروسية الأوكرانية الأطلسية، وما تبعها من محاولة خنق روسيا اقتصاديا لتفكيكها لاحقا، سرَّعت رد الفعل العكسي للعقوبات، السلاح الجديد الذي يمتشقه الغرب ذو الخلفية الاستعمارية الكلاسيكية. العقوبات الاقتصادية التي أضرّت بروسيا، أضرت أكثر بالغرب الجماعي، وهذا ما لم يكن متوقعا لديهم: خاب الأمل في إضعاف روسيا، وبدا لهم الآن أن الضرر واقعٌ أكثر عليهم وعلى القارة العجوز بشكل أخص، وهي تتجه إلى الركود فالانحدار خلال العقود القليلة المقبلة.

القارة الإفريقية التي وجدت نفسها لعدة عقود ترزح تحت نير الاستعباد والاستعمار، ثم لعقود أخرى تحت نير استقلال صوري، عرضة للاستنزاف الاقتصادي لصالح القوى الاستعمارية القديمة، ترفض اليوم أن تُبقي على الأغلال السياسية والاقتصادية، وتتجه شرقا بحثا عن آفاق اقتصادية وسياسية حرة صديقة، بحثا عن بناء أنظمة سياسية ديمقراطية شعبية مدنية قوامها العدالة والحرية والمساواة بين أفراد مواطنيها وعنوان ذلك: التنمية المستدامة عوض التحارب الدائم لصالح سياسة عدم الاستقرار التي تسمح للقوى الاستعمارية الكلاسيكية بالبقاء وإنتاج وإعادة إنتاج وتسيير الفتن التي تولّدها هي بأيديها وأرجلها، من حروب أهلية ومجاعات وإرهاب وفقر وانهيار اقتصادي وخدمات وبنى تحية اقتصادية واجتماعية وتعليمية.

الاتجاه شرقا، هو عنوان إفريقيا اليوم التي تعمل على استيعاب التحول الكبير الذي يحدث في العالم، وتوظفه لصالح سياسة اقتصادية مستقلة ووطنية وسيادية، بعيدا عن الوصاية والاستعمار بكل أوجهه، وبعيدا عن سياسية “الاقتصاد الإيديولوجي”، هذا المفهوم الذي يصح اليوم توظيفه بهذا المصطلح، بعدما كان في السابق بعنوان “الاقتصاد السياسي”.

الاقتصاد العالمي بدا اليوم اقتصادا إيديولوجيا: الغرب الجماعي يفرض قواعده الخاصة في التعامل مع الآخرين عبر إيديولوجية التعالي والأحادية القطبية المناقضة لأصل وجوده أصلا، الذي هو الفكر الديمقراطي التعددي الحر.

النظام الرأسمالي الغربي والليبرالية الجديدة المهيمنة اليوم، أو لنقل، المهيمنة إلى غاية الأمس القريب، لن تصمد طويلا أمام التحولات الجديدة والنزعات الجماعية نحو التحرر الاقتصادي والسياسي السيادي الجديد في كل القارات ولدى كل الشعوب، بما فيها الشعوب والأنظمة العربية.

لقد لاحظنا مؤخرا فقط التحول الذي يحدث في الشرق الأوسط، والانفتاح شرقا على روسيا والصين وطلب كل من الإمارات والسعودية ومصر والجزائر وإيران ونحو 20 دولة أخرى من أبدوا رغبتهم في الانعطاف شرقا باتجاه الـ”بريكس”، كما لاحظنا حضورا لافتا وتجاوبا كبيرا من 130 دولة من كل القارات في منتدى سان بترسبوغ الروسي، والإقبال الإفريقي على هذا التوجه، لتنويع مواردها وتحرير إراداتها وإيراداتها من تبعية الغرب القديم، تماما كما لاحظنا الاتحاد الأوروبي وهو يغتاظ من ترميم البيت العربي وقبول عودة سورية إلى موقعها الطبيعي بين إخوانها، وكيف أجَّل الغرب اجتماعه مع الجامعة العربية رفضا لعودة سوريا للبيت العربي.. تماما كما اغتاظ الكيان الصهيوني وأمريكا من التقارب السعودي الإيراني.. كل هذا يؤكد أن موسم الهجرة شرقا قد بدأ.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!